ثمة  خبراء اقتصاد يطرحون جدلية تساؤولية دائمة، وذلك في معرض الحديث عن الدول التي تتعرض لنكسات أمنية وسياسية، وأزمات اقتصادية، خصوصا من ناحية ارتفاع نسب العجز وحجم المديونية وغياب الاستثمارات، وتراجع أداء القطاعات الاقتصادية، وذبذبة اسعار العملة،،،، من أين نبدأ ، والسؤال: اقتصاد قوي أم عملة أقوى؟

النقد

فرغم أن الحكومات التي تعاقبت  بعد سقوط نظام حسني مبارك، قامت بطبع أوراق نقدية بما لا يقل عن 34 مليار جنيه اي ما يعادل 5.6 مليار دولار لإيجاد علاج لتردي حجم الفوائض لديها، إلا أن عجز الموازنة استمر في مصر خلال العام الماضي الى اكثر من 140 مليار جنيه وبما يعادل 23 مليار دولار، ما ينبؤ بملامح أزمة جديدة عنوانها تراجع الايرادات وعدم القدرة على كبح جماح الدين الداخلي، الذي وصلت قيمته الى 1.1 تريليون جنية اي ما يعادل 181 مليار دولار,,,

وعليه فيتوقع خبراء أن يكون الدين العام الداخلي هو أول التحديات الاقتصادية التي ستواجه الرئيس العتيد، في ظل هروب الاستثمارات، وتراجع القطاع السياحي، وضآلة العملة الصعبة، وانكماش الأسواق، وفي ظل ارتفاع نسب الفائدة على الودائع وأذونات الخزينة، ورفع الفائدة هي سياسة بحد ذاتها سيف ذو حدين فهي تهدف للحفاظ على الاستقرار النقدي وتحفيز الأفراد والشركات على عمليات الإيداع لتوفير السيولة وتخفيف العجز في الموازنة. إلا أنها تسهم في كبح جماح الاستثمار.

اسعار الفائدة الخطيرة

وقد بلغ متوسط العائد(الفائدة) على أذون الخزانة لآجل 91 يوما نحو 14.45%، بينما بلغ متوسط العائد لآجل 266 يوما، نحو 15.825 %. وهو ما يعتبر شديداً مع المتوسط العالمي المعمول به، في لبنان مثلاً وهو بلد يعاني من أزمة ديون ، مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق بين البلدين لجهة حجم اقتصادهما وسوقهما الاستهلاكي، فإن قيمة الفائدة على سندات الخزينة لفئة 90 يوماً لا تزيد عن 3.93، فيما تبلغ فائدة السندات لآجال سنة حوالي 4.50%، وبهذا فإن نسبة الفائدة على السندات المصرية تزيد عن ثلاثة أضعاف الفائدة اللبنانية. ما يعتبر مؤشراً كابحاً لجذب الاستثمار.

السياحة والصناعة

ويعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على موارد القطاع السياحي، فقد تضررت إيرادته للخزينة خلال العامين 2010/2011 بشكل لافت، فبحسب احصاءات وزارة السياحة المصرية، تراجعت السياحة في مصر الى ثمانية مليارات و800 مليون دولار العام الماضي، كما كانت قد سجلت انخفاضاً بقيمة 12 مليار ونصف الميار دولار عام 2010. بينما تراجع عدد السائحين الزوار بنسبة 33% في العام الماضي، مقارنة بالعام 2010.

ويأتي القطاع الصناعي بالدرجة الثانية من ناحية مساهمته في الاقتصاد المصري، ولعل هذا القطاع لم يتأثر كثيراً بالاضطرابات، ورغم تحسن ايرادات هذا القطاع ككل للاقتصاد المصري والذي بلغت قيمته نحو 27 مليار دولار مقابل 25.2 مليار دولار العام 2010، إلا أن قطاع الصناعات غير النفطية قد تراجع  من 7.2 مليار دولار العام 2010 إلى 6.9 مليار دولار العام الماضي. ورغم أن صناعة الغزل والنسيج التي تتميز بها مصر والتي تشكل ايراداتها نحو ثلث مداخيل الصناعة المصرية، لم تتراجع كثيراً في العام 2010 وفي بداية العام 2011، إلا أنها دفعت الثمن باهظاً في اواخر العام 2011، رغم أن الارقام لاتزال غير صادرة حتى الآن. بحسب وزارة الصناعة.

الاستثمارات الأجنبية

وانخفض صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال النصف الأول من العام المالي الحالي ليبلغ قيمة سلبية قدرها 400 مليون دولار مقابل قيمة إيجابية قدرها 2.2 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالي 2011، وبانخفاض قدره 2.6 مليار دولار.

وفي ظل هذه البيانات يعاني الاقتصاد المصري من ضآلة العملة الصعبة بالإضافة لتراجع حجم الاستثمارات، وعلى الرغم من أن البنك المركزي قد لجأ الى خفض نسبة احتياطي الإلزامي على البنوك لكي يتسنى لها المساهمة في الدورة الاقتصادية ، لكن يبدو أن هذ الإجراءات لم تؤت ثمارها،  فبحسب دراسة  مصرفية صدرت مؤخراً، كشفت أن الفائدة على أذون الخزانة بقيت عند مستوياتها المرتفعة،  وهذا إنما يعكس الإقبال الضئيل على طلبات الإيداع من الأفراد والشركات، كما يعكس اعتكاف المستثمرين عن هذا النوع من الاستثمار والذي بدوره بإمكانه أن يمد القطاع المصرفي بالسيولة الكافية للتحرك بإطار أوسع.

تحويلات المصريين

ورغم أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج قفزت العام الماضي -ودائماً بحسب الدراسة نفسها- إلى 12.6 مليار دولار ، ويتوقع أن تصل إلى 16.5 مليار دولار،  لتصبح ثاني أهم الموارد الدولارية بعد حصيلة الصادرات التي بلغت خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 8 مليارات دولار.، إلا أن الأمال لا تزال محدودة لدفع عجلة الاقتصاد في مقابل جميع هذه المعطيات.

وفي ضوء هذه المعطيات، يتوقع خبراء أن يواجه الرئيس العتيد معضلة أساسية هي نفسها  التي تواجه الخبراء، من أين نبدأ؟ ، اقلها كيفية جذب الاستثمارات وتحفيز عجلة اقتصاد هذا البلد الذي يشكل عدد سكانه نحو 83 مليون نسمة،  بسبب تركة الديون الداخلية الثقيلة، التي لم يجد معها حتى الآن رفع الفوائد على الودائع وأذونات الخزينة ، ولا تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي لترك هامش أوسع للبنوك للمساهمة في عمليات الاستثمار والتحفيز على التوظيفات الداخلية.