مع إستمرار ضبابية الاوضاع السياسية المحلية والفشل في تأليف الحكومة، وتصاعد الأزمات الامنية المتنقلة مناطقيا وجديدها إنفجار الضاحية الجنوبية أمس وتزايد تمدد الازمة السورية الى الداخل اللبناني، يزداد نزف جرح الإقتصاد اللبناني الذي سجلت مؤشراته الحقيقية في 2013 تراجع غير مسبوق بلغ حدود الخطوط الحمر.

واستنادا الى النتائج المحققة في النصف الاول من 2013 فإن أداء كل القطاعات الإقتصادية بإستثناء القطاع المصرفي كانت سلبية بالمقارنة مع الفترة المماثلة من عام 2012.

التقرير الإقتصادي الاخير لبنك عودة عن نتائج النصف الاول من 2013 أظهر وجود تفاوت بين المؤشرات الإيجابية والسلبية.

فقد سُجلت السلبيات في تراجع وجمود قطاع البناء، حيث تراجعت المساحات المرخصة أكثر من 12%، كذلك تراجعت قيمة المبيعات العقارية 8.1% مقارنة مع السنة الماضية.

كذلك تراجعت الحركة السياحية التي ضربت رقما قياسيا في التراجع بفعل الظروف القائمة في المنطقة والداخل، وأظهرت الحركة السياحية علامات ضعف منذ بداية العام حيث بلغ عدد السياح مستواه الادنى.

وفي التقرير أيضا ان نسب التضخم تجاوزت 3.7% نتيجة تراجع حركة الإستهلاك ، كما ان اداء الاسواق المالية جاء ضعيفا بتراجع 3.4%. أما اداء المالية العامة فقد شكل إنعكاسا للأوضاع المحلية والإقليمية غير المواتية مما اظهر بعض الإختلالات المتزايدة، ففي حين إستقر عجز الميزان التجاري عند مستويات العام 2012، سجل ميزان المدفوعات عجزا فاق 382 مليون دولار على الرغم من زيادة التدفقات المالية الوافدة 5.3% مقارنة مع 2012 نتيجة تراجع المستوردات والتحسن الجزئي للصادرات الزراعية لاسيما الى سوريا.

في المقابل ظل الإقتصاد النقدي منفصلا عن الإقتصاد الحقيقي مع تسجيل الأموال الوافدة إرتفاعا بنسبة 5.3%.

وسجل القطاع المصرفي نموا معتدلا، وإستطاع الحفاظ على ماليتهالمتينة حيث إزدادت الودائع 6.3 مليارات دولار خلال النصف الأول.

والى التراجع الذي طال القطاع السياحي والقطاع المالي والقطاع العقاري، فإن هذا الواقع إنسحب الى القطاع التجاري الذي خسر وبحسب رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس أكثر من 30% من حركته مقارنة بالعام 2012.

وجاء النزوح السوري الى لبنان ليضاعف من حدة الازمة الإقتصادية والإجتماعية سيما مع إرتفاع أعداد النازحين وغياب المساعدات الدولية.

ومن مظاهر الوهن الذي أصاب الإقتصاد اللبناني ما يرد في تقارير المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والإسكوا، إضافة الى مؤسسات التصنيف، فهذه التقارير تحذر من خطورة الوضع الإقتصادي، وتعرض بوضوح للسلبيات لتؤكد في المحصلة على ان نسب النمو هذا العام لن تتعدى 1% في أحسن الأحوال، وهذا مؤشر خطير على مستوى عجز الموازنة والمديونية العامة التي إرتفعت بشكل ملحوظ.

من جهتها عمدت مؤسسات التصنيف الدولية الى تخفيض تصنيف الدولة اللبنانية والمصارف من مستقر الى سلبي، في دلالة واضحة على حجم عدم الإستقرار في البلد.

وتصنيف هذه المؤسسات يعني ماليا وإقتصاديا إرتفاع المخاطر على الديون السيادية للدولة اللبنانية بسبب الأوضاع السياسية والأمنية المضطربة التي تؤثر على النمو الإقتصادي، إضافة الى تأزم وضع المالية العامة وإرتفاع العجز الى اكثر من 9.6% من الناتج المحلي، ووصول الدين العام الى اكثر من 60 مليار دولار أي حوالي 139% من الناتج المحلي.

كما ان تخفيض مؤسسات التصنيف الدولية لتوقعاتها يترجم نظريا بتهديد سعر صرف النقد الوطني وإرتفاع كلفة الإستدلنة للدولة المعنية، ويؤثر في لبنان على القطاع المصرفي بفعل انكشافه على الدين السيادي وتحمله حوالي 53% من الدين العام ما قد يتسبب بتكلفة إضافية في إصداراته في الأسواق الخارجية والداخلية.

وفي موقف واضح وصريح يمثل الواقع الراهن في لبنان، يقول عميد الصناعيين اللبنانيين جاك صراف: "في الحقيقة الأوضاع التي يعيشها لبنان اليوم صعبة للغاية، لاسيما ان المرحلة التي يمر بها لم يعرف لها مثيلا من قبل، فإن عدنا بالتاريخ الى الوراء، كان لبنان يمر بمراحل يكون فيها البلد الوحيد في المنطقة الذي يعاني من أزمات وحروب متلاحقة، وكانت قوته الإقتصادية يستمدها منم إستقرار الدول المحيطة به، أما اليوم فإن الأزمات والثورات التي تعصف بتلك الدول القريبة منه والبعيدة ساهمت وبشكل كبير في تفاقم الأزمة اللبنانية وتسببت بمزيد من عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي".

ويوصف صراف الوضع الإقتصادي اللبناني اليوم بالمريض الذي يعاني من حالة سريرية حرجة، لا ادري كما يقول صراف الى اين ستؤدي بنا.

أركان القطاع الخاص يحذرون من تفاقم الأزمة الإقتصادية، ويحملون الطبقة السياسية مسؤولية الأزمة نتيجة الإنقسام السياسي وعدم الحوار والتفاهم.

ويدعوا أركان القطاع الخاص الى وقف السجالات السياسية والإسراع في تشكيل الحكومة والعودة الى المؤسسات وتحييد لبنان عن أزمات المنطقة لاسيما الازمة السورية، ذلك لدرء الأخطار المحدقة بلبنان على مختلف الصعد، وفي مقدمة ذلك الإقتصاد اللبناني.