يمر الاقتصاد العماني بظروف إيجابية هذه الأيام بدليل النتائج الحيوية التي تحققت في العام 2011 من قبيل تسجيل نمو لافت في الناتج المحلي الإجمالي، ولكن ليس على حساب التضخم، فضلاً عن تحويل عجز الميزانية إلى لافت على الرغم من تعزيز النفقات العامة. طبعاً يضاف لذلك ظاهرة رفع مستوى الإنتاج النفطي في السلطنة وفرضية تدني مستوى البطالة كل ذلك بل وأكثر في غضون سنة واحدة لا أكثر.

فقد كانت بداية 2011 صعبة على خلفية حصول مصادمات بين محتجين يرغبون في معالجة بعض التحديات التي تواجه السلطنة بما في ذلك ضمان توافر فرص عمل تتناسب وطموحات المواطنين. بمعنى آخر، جاءت النتائج النهائية مغايرة لكيفية ما بدأت عليها السنة.

فحسب أحدث الإحصاءات المتوافرة، ارتفع حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية قرابة 23 بالمئة إلى نحو 72 مليار دولار في العام 2011. ومرد هذه الزيادة الكبيرة ارتفاع كل من أسعار النفط والإنتاج النفطي وتأثيرات ذلك في مجمل الأداء الاقتصادي.

وتبين بالدليل القاطع الأهمية النسبية الكبيرة وربما المبالغ فيها للقطاع النفطي في الاقتصاد العماني بدليل تشكيله نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي. من الناحية السلبية تعني هذه المعلومة أن الاقتصاد العماني يقع تحت رحمة تطورات الأوضاع في سوق النفط الدولي والذي بدوره يخضع لأسباب اقتصادية وسياسية وأمنية ونفسية.

يشار إلى أن عمان ليست عضواً في «منظمة الدول المصدرة للنفط» (أوبك)، لكنها في العادة تكيف سياستها النفطية مع توجهات «أوبك». يمثل عدم العضوية في المنظمة امتداداً للتوجهات المحافظة والمستقلة لعمان بدليل إعلانها بشكل جلي بعدم وجود الرغبة بالانضمام لمشروع الاتحاد النقدي في إطار المشاريع التكاملية لدول مجلس التعاون الخليجي.

وقد عززت القيمة المالية للناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العماني من الأهمية النسبية لاقتصاد البلاد ضمن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي. ويأتي ترتيب الاقتصاد العماني في المرتبة الخامسة خليجياً بعد كل من السعودية والإمارات وقطر والكويت لكن قبل البحرين. ويبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للبحرين قرابة 26 مليار دولار بالأسعار الجارية أو السوق أي أقل بكثير من نظيره العماني.

وفي ما يخص الإنتاج النفطي، تشير آخر التقارير إلى بلوغ الإنتاج اليومي حاجز 885 ألف برميل يومياً بزيادة قدرها 2.3 بالمئة عن العام 2010. ويعد هذا التطور مهماً نظراً لمساهمة القطاع النفطي بشقيه النفط والغاز قرابة ثلاثة أرباع دخل الخزانة العامة. وبشكل أكثر تحديداً يسهم كل من النفط والغاز بنحو 62 بالمئة و13 بالمئة من دخل الخزانة العامة على التوالي. لكن، كما أسلفنا يعد الاعتماد الكبير للميزانية العامة على الدخل النفطي أمراً مقلقاً.

ولأغراض المقارنة بلغ متوسط الإنتاج النفطي قرابة 710 آلاف برميل في 2007. وفي كل الأحوال تعد ظاهرة تعزيز الإنتاج النفطي ثمرة التعاون الرسمي مع الشركات النفطية الدولية. وكان تحالف بقيادة شركة «أوكسيدنتال» الأمريكية والذي يضم شركاء آخرين بينها «مبادلة» الإماراتية قد فاز في 2005 بعقد لتعزيز إنتاج حقل مخزينة من 10 آلاف برميل يومياً إلى 150 ألف برميل يومياً. وقد نجح التحالف في توظيف إمكانيته المختلفة بما في ذلك الخبرة والتقنية في زيادة إنتاج الحقل وبالتالي تقديم خدمة جوهرية للاقتصاد العماني.

ولحسن الحظ، جاءت الزيادة في الإنتاج في الوقت المناسب أي فترة ارتفاع أسعار النفط وبقائها مرتفعة لفترة زمنية. وعليه استفادت عمان من الزيادة في الإنتاج من جهة وارتفاع الأسعار من جهة أخرى.

ويمكن الزعم بتميز السلطنة في القطاع النفطي كونها بدأت بتصدير النفط الخام في 1968 وبالتالي مع بزوغ ظاهرة الأسعار المرتفعة للنفط الخام.

على العكس من ذلك باعت البحرين نسبة مؤثرة من مخزونها النفطي عندما كانت الأسعار متدنية نسبياً بالنظر لاكتشاف النفط الخام فيها في 1932 أي قبل كل الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي.

وعلى صعيد آخر، لم تحقق النتائج الطبية للنمو الاقتصادي على حساب التضخم. بل لم يتم تسجيل نمو لافت للتضخم، الأمر الذي يعني تسجيل نمو مادي للناتج المحلي الإجمالي. وحسب «صندوق النقد الدولي» فقد ارتفع معدل التضخم في عمان من 3.3 بالمئة في العام 2010 إلى 3.6 بالمئة في 2011، وهو ما يعني عدم حدوث زيادة غير عادية.

عموماً، جاء النمو النسبي للتضخم كنتيجة مباشرة للارتفاع الحاصل في أسعار المنتجات الزراعية والسلع المعمرة مثل السيارات المستوردة بسبب مسألة أسعار النفط الخام. بمعنى آخر، تعتبر ظاهرة ارتفاع أسعار النفط سلاحاً ذا حدين بالنظر لتوفيرها ذريعة للدول المستوردة لهذه السلعة الاستراتيجية لرفع أسعار صادراتها للتعويض عن ارتفاع فاتورة الاستيراد.

وهذا يفسر بشكل جزئي عدم وجود رغبة في حصول زيادة غير عادية لأسعار النفط لأن لتحاشي الضرر، أيضاً هناك معضلة تراجع النمو الاقتصادي العالمي بموازاة ارتفاع وبقاء أسعار النفط مرتفعة وهو ما يعني تعميم الضرر.

الأمر الآخر بالنسبة لأداء الاقتصاد العماني يتعلق بحصول تحولات مرحب بها في النتائج النهائية للسنة المالية 2011 من عجز قدره 2.2 مليار دولار إلى فائض في حدود 2.5 مليار دولار في نهاية المطاف على الرغم من مسألة رفع مستويات الإنفاق العام. وقد ارتفعت إيرادات الخزانة العامة بنسبة 45 بالمئة لنحو 29.7 مليار دولار أي الأعلى تاريخياً.

وقد تم تحويل العجز المتوقع إلى فائض بغض النظر عن تعزيز النفقات العامة بنحو 9 بالمئة خلال السنة الماضية على خلفية توافر الفرصة والحاجة في الوقت نفسه. بشكل عام، حدثت هذه التطورات النوعية بالنظر لرفع مستوى الإنتاج النفطي من جهة وارتفاع أسعار النفط مقارنة بالرقم المفترض من جهة أخرى. وكانت السلطنة قد افترضت رقماً محافظاً قدره 58 دولاراً للبرميل في السنة المالية 2011.

وتشتهر عمان بين سائر الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بتبني سياسات محافظة كخيار استراتيجي.

في المحصلة سمحت الزيادة في الدخل برفع النفقات العامة والتي تعتبر حيوية كونها تمثل قرابة ثلث الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة. كما أسهم هذا التطور في تعزيز الثقة لدى مستثمري القطاع الخاص، وبالتالي دفعها لاتخاذ خطوات مشابهة فيما يخص الإنفاق. عادة يتطلع المستثمرون في القطاع الخاص للقطاع العام للعب دور الريادة في تنشيط الاقتصاد خصوصاً في الظروف الصعبة من قبل تلك التي مرت بها السلطنة في العام الماضي.

والإشارة هنا للأحداث التي شهدتها البلاد في بداية 2011 في إطار الربيع العربي بغية معالجة بعض التحديات الجوهرية التي تواجه الاقتصاد العماني. وفي مقدمة ذلك مسألة توفير فرص عمل مناسبة تتناسب وتطلعات المواطنين الداخلين لسوق العمل.

لا شك يكمن التحدي في إيجاد فرص عمل تتناسب ورغبات المواطنين بالنسبة لنوعية الوظائف وظروف العمل، فضلاً عن العائد المادي. وفي الحقيقة، يتمتع الاقتصاد العماني بقدرة توفير فرص عمل جديدة في السنة لكنها في الأغلب في القطاعات غير المرغوبة بالضرورة لدى المواطنين مثل الإنشاءات والتعمير.

وتتراوح نسبة البطالة ما بين 12 و15 بالمئة في أوساط المواطنين المؤهلين للتوظيف أغلبيتهم من الإناث. وترتفع نسبة البطالة في المناطق البعيدة عن المدن الرئيسة في هذه البلاد المترامية الأطراف. وكما هي الحال مع بقية دول العالم بات من الضرورة بمكان عمل كل من الزوج والزوجة لتوفير متطلبات الحياة العصرية.

وتعتبر نسبة البطالة هذه مرتفعة في كل حال من الأحوال بل تشكل تعطيلاً للإمكانات البشرية الموجودة في البلاد. ولا شك يعتبر كل عاطل عن عمل عبارة عن طاقة معطلة خصوصاً بالنسبة للمتعلمين والمدربين.

والأسوأ من ذلك، يوجد تهديد بغية ارتفاع نسبة البطالة بالنظر للإحصاءات السكانية، إذ يعد المجتمع العماني يافعاً. وبشكل أكثر تحديداً، يشكل السكان دون سن الخامسة عشرة نحو 43 بالمئة من مجموع المواطنين.

بيد أنه ليس من المستبعد حصول تراجع ولو نسبي لمعضلة البطالة على خلفية تعزيز النفقات العامة وتوجه الدولة لإيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين في القطاع العام خصوصاً في الأجهزة الأمنية على الرغم من وجود شكوك حول مدى وجود الحاجة لذلك. وكانت الجهات الرسمية قد قررت في أعقاب الأزمة التي عصفت بالبلاد مطلع 2011 العمل على إيجاد أكثر من 40 ألف فرصة عمل في الدوائر الرسمية خصوصاً الأمنية منها.

ختاماً، أسهمت الظروف الموضوعة من قبل تعزيز إنتاج النفط وبقاء أسعاره مرتفعة نسبياً فضلاً عن رغبة السلطة في الصرف في أعقاب أزمة الربع الأول من 2011، في دفع الاقتصاد العماني نحو آفاق جديدة.