رفض البرلمان القبرصي باغلبية ساحقة، مساء أمس، خطة الانقاذ الاوروبية، التي تهدف الى انقاذ الجزيرة من الافلاس، حيث صوت 36 نائبا ضد الخطة وامتنع 19 اخرون عن التصويت، ولم يصوت اي نائب لصالحها.

وبذلك تكون قبرص قد تخلت عن الضريبة المثيرة للجدل على الودائع المصرفية التي تقل عن عشرين الف يورو لكنها أبقتها على الودائع الاعلى والواردة في خطة الانقاذ الاوروبية. فيما اكدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد ان على الحكومة القبرصية الان تطبيق تعهداتها.

وتشهد قبرص اليوم أسوأ أزمة مالية لها منذ عقود حيث تزايدت حالة الغضب الشعبي بين المواطنين ، منذ الإعلان مطلع الأسبوع الجاري أن مجموعة الاتحاد الأوروبي ستفرض ضريبة استثنائية تصل إلى 9.9% على جميع الودائع المصرفية في قبرص، مقابل حصول البلاد على قرض بقيمة 10 مليارات يورو لإنقاذها من الإفلاس، يأتي ذلك فيما توصل صندوق الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي يوم السبت الماضي، إلى اتفاق بشأن خطة إنقاذ قبرص بقيمة 10 مليار يورو، مقابل دفع جميع عملاء البنوك ضريبة لمرة واحدة على الودائع.

ولكن تحركات البنك الأوروبي في مواجهة الأزمة  التي تمر بها قبرص جاءت مغايرة لما عهد عنه من قبل بحمايته للودائع، حيث أقرت المفاوضات التي عقدت في "بروكسيل" بين مسؤولي البنك الأوروبي ومندوبي الحكومة القبرصية، خطة للإنقاذ المالي تقوم على إقراض الحكومة لمبلغ 10 مليار يورو، مقابل فرض ضريبة على الودائع تصل إلى 9.9 %. 

وإقرار خطة الإنقاذ المالية هذه انتظرت موافقة البرلمان فى قبرص كشرط أساسي لاعتمادها بشكل رسمي، حيث تمثل الموافقة على خطة الإنقاذ الأمل الوحيد لإنقاذ البلاد من الإفلاس ولكن  قادة المعارضة والمدخرين بمن فيهم غير القبارصة عبروا عن غضبهم ورفضهم للخطة وتهافتوا على سحب الاموال عبر الات السحب الالي مما دفع الحكومة الى وضع سقف للسحوبات اليومية.

ويتوقع أن يخسر مودعون أجانب مثل الروس والبريطانيين الكثير من الأموال بسبب هذه الضريبة، كما أدانت موسكو فرض الضريبة معتبرة أنه نوع من أنواع مصادرة الأموال، كما سادت حالة من الغضب الشعبي للمواطنين القبارصة، بعد الإعلان عن اتفاق الحكومة مع الاتحاد الأوروبي على خطة الإنقاذ بقيمة 10 مليارات يورو، كحد أقصى تتضمن فرض ضريبة استثنائية غير مسبوقة على الودائع المصرفية.

واختلفت التداعيات التي واجهت الأزمة المالية في قبرص على جميع المؤشرات المالية وأسعار صرف اليورو، مقابل العملات الأخرى وأهمها الدولار والين الياباني حيث تجنب المستثمرين الاقبال على اليورو بعد تراجعه ، ليزيد الإقبال على عملات الملاذ الآمن وهي الدولار والين الياباني، في حين انخفضت الأسهم الأسيوية في أولى جلسات هذا الأسبوع نتيجة عزوف المستثمرين عن المخاطرة.

فيما صرحت وكالة "موديز" العالمية للتصنيف الائتماني: إن الضريبة غير المتكررة على الودائع المصرفية في "قبرص"، ستكون لها عواقب سلبية بالنسبة للمودعين والدائنين، مشيرة إلى تزايد مخاطر هروب رأس المال من دول أخرى تتعرض لأزمة اليورو، متوقعة أن يكون تأثير العدوى محدوداً في سوق السندات, معلنة أنه تم تفادي خطر إجراء عملية إعادة هيكلة للديون مثلما حدث في "اليونان"، حيث أجبر حاملو السندات على التنازل عن جزء كبير من رأسمالهم.

وللوقوف عند اسباب الازمة التي تمر بها الجزيرة القبرصية وتداعياتها على دول الاتحاد الاوروبي كان لـ"النشرة الاقتصادية" هذا الحوار مع الخبير الاقتصادي د.نسيب غبريل  الذي اعتبر ان قبرص تمر اليوم  بمرحلة من الركود الاقتصادي والمشكلة هي مشكلة مصارف حيث ان اكبر مصرفيين في قبرص يمران بحالة من الشح في السيولة وهما على وشك الافلاس والاقتراح الذي تقدم من الاتحاد الاوروبي هو محاولة لانقاذ القطاع المصرفي القبرصي والجدير بالذكر ان الازمات التي مرت بها دول منطقة اليورو لم يفرض ضرائب على المودعين كما حصل في قبرص حيث تم فرض ضريبة 10% على الودائع الذي تتعدى 100 الف يورو وضريبة 6.75% على الودائع ما دون الـ100 الف يورو ، مقابل حصول المودعين على اسهم في المصارف المودعة فيها اموالهم وهذه سابقة لم يشهد مثيلها في دول الاتحاد الاوروبي .

اما الاسباب التي ادت الى الاعتماد على هذا الاقتراح اوضح غبريل تتمثل في عدم وجود قابلية لتسديد كل المبالغ المطلوبة فلذلك فان جزء من المبلغ سيتكبده المودعون لاعادة رسملة القطاع المصرفي القبرصي الذي سيكلف ما بين 10 الى 12 مليار يورو وهو مبلغ اعلى بكثير من اعادة رسملة اي قطاع مصرفي في دول اخرى من الاتحاد الاوروبي وهذا العبء لا يمكن ان يتحمله الاقتصاد القبرصي ، كما تعتبر دول الاتحاد الاوروبي ان معظم المودعين هم روس ولذلك ان قسم من هذه الاموال هي غير نظيفة لذلك ليس من مسؤوليتهم حماية اموال هؤلاء المودعين الروس لذلك اقترحوا فرض الضرائب على ودائعهم .

واليوم تجري قبرص مفاوضات مع روسيا للوصول الى كيفية التعاون معها بالرغم من رفض الاتحاد الاوروبي لذلك ، وحول تداعيات هذة الازمة التي تمر بها قبرص اشار غبريل ان من سلبياتها تراجع صرف اليورو لان هناك حالة من عدم اليقين ، كما ان هناك تساؤل حول امكانية خروج قبرص من الاتحاد الاوروبي ان لم تستطع التوصل الى اتفاق وهذه الازمة لن تمتد الى دول منطقة اليورو الاخرى التي من مصلحتها التوصل الى اتفاق مع قبرص بالرغم من انه ما من نائب في البرلمان القبرصي ايد هذا الطرح ، كما ان روسيا في حال انقذت قبرص فما من مصلحة الاخيرة البقاء في الاتحاد الاوروبي .

واضاف غبريل ان الازمة التي تمر بها قبرص اليوم لا ربما تؤكد ان الاستدانة ورفع الدين وزيادة العجز في الموازنة ليس هو الحل الانسب لجميع الدول الاوروبية وغيرها نظراً الى ان اوروبا اليوم في حالة من الركود الاقتصادي .