بدأت بعض ​المصارف​ فرض سقف للسحوبات على الليرة، أي فرض "تقنين" جديد على المواطن اللبناني، بعد حرمانه من سحب دولارته، التي لم تعد موجودة أصلاً.

مشكلة جديدة ستضاف إلى حياة الشعب، الذي لا يزال يقبع تحت أزمة خانقةٍ، حدت من قدرته الشرائية، ورفعت نسبة ​الفقر​ والبطالة في البلاد، وبغياب تام من الدولة التي لم تتخذ القرارات اللازمة.

خطوةٌ ستضاف إلى مسار رفع الدعم، الذي بات من المؤكد أنه سيتوقف، لكن يبقى السؤال متى؟ وهل ستطرح حلول بديلة؟

هذه الخطوة ستؤدي حتماً إلى تقييد حركة المواطن الإستهلاكية، وتضعه أمام خيارات محددة، لصرف المبلغ المتاح له من المصارف.

وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الإقتصادي دان قزي في مقابلة مع "الاقتصاد"، أن "الهدف من وضع سحوبات على الليرة اللبنانية في بعض المصارف، هو لتخفيف نزيف ​الدولار​ الذي يخرج من إحتياطي ​مصرف لبنان​، ولإطالة أمد الإحتياطي بالعملة الأجنبية".

ويضيف قزي، أن "المركزي حاول إيقاف النزيف عبر إنهاء الدعم عن السلع الأساسية (القمح، و​المحروقات​ والدواء)، لكنه واجه رفضاً شعبياً وحكومياً عبر الرئيس ​حسان دياب​، الذي رفض المس بالدعم".

وقال الخبير الاقتصادي: "مصرف لبنان لا يريد الإستمرار بإضعاف الليرة، لذلك أصدر تعاميماً تجبر المستوردين على الدفع نقداً إذا أرادوا الحصول على الدولار على سعر الصرف 1500 ليرة، فأصبح هناك إمتصاص رهيب لليرة في الأسواق، ما أدى إلى عدم إستفادة المواطن من ​آلية​ الدّعم هذه".

وأشار إلى أنه "عوضاً عن تخفيف الإستهلاك من خلال إضعاف الليرة، تم إضعاف راتب المواطن، الذي لا يمكنه التصرف به بشكل كامل، وبات مضطراً أن يحدد أولوياته في صرف المبلغ الزّهيد الذي سيحصل عليه؛ فيشتري ​البنزين​ أم يذهب إلى المطعم، أم يشتري الدواء المدعوم؟".

وأوضح قزي، أن "مصرف لبنان، بدلاً من رفع الدعم، أصبح يتحكم بالليرة لدى المواطنين، الذين سيقررون كيفية صرف أموالهم".

ولفت إلى أن "هذا الإجراء، سيؤثر على الإقتصاد، ويُقلّص ​الدخل القومي​، ويؤدّي إلى إنكماش القدرة الشرائية، والهدف منه تخفيف نزيف العملة الصعبة الذي يخرج من إحتياطي المركزي، والبالغ حالياً نحو 19 مليار دولار".

وقال إن "مصرف لبنان يحاول الحفاظ على إحتياطاته من ​العملات​ الأجنبية لفترة 3 سنوات مقبلة عبر القيام بهذه الخطوة، أي محاولة تخفيف نزيف الدولار".

وعن وجود أزمة سيولة في البلاد، أوضح قزي، أن "أزمة فقدان الدولار موجودة، فيما الليرة، يستطيع مصرف لبنان ​طباعة​ الكمية التي يريدها، ولكن سيؤدي هذا إلى إنهيار سعر الصّرف".

وأكد أن "أزمة الليرة" هي تقنين مفتعل لتخفيف الإستهلاك، ولمنع انهيارها".

وأضاف: "المركزي كان مضطراً لطباعة الليرة، لأن الدولة لم تستطع جباية الضرائب، فمرفأ بيروت مغلق وهو كان يدخل الكثير للدولة، التي لم تعد تملك مَصدَراً لليرة".

وأكد قزي، أن "هذا الإجراء يساهم بخفض نسبة ​التضخم​.. فإنخفاض استهلاك الشعب اللبناني، يساهم في تخفيض معدل التضخم المرتفع.. إذ ستتراجع عملية الصرف، مما يقلص إرتفاع الأسعار".

وعن رفع الدعم عن السلع الأساسية، قال قزي إنه "سيتوقف عاجلاً أم آجلاً، وهناك 3 مراحل لمصير الدعم: الوصول إلى إتفاق مع "​صندوق النقد​"، والذي سيطلب وقف الدعم حتماً، وثانياً نفاد إحتياطي المركزي من العملات الصعبة مما يتطلب رفع الدعم، والخيار الثالث إنهاء الدعم في هذا الوقت، والعمل على خطة بديلة عبر ترشيده، وتدارك الآثار السلبية على الفئات الأكثر تضرراً من هذه الخطوة، عبر تقديم مساعدات بديلة".

وأضاف: "السؤال يبقى متى سينتهي الدعم؟ وليس هل سيبقى؟!.. وإجراء وضع سقف للسحوبات بالليرة من المصارف، يعدُّ بطريقة غير مباشرة رفعاً للدعم، حيث يختار المواطن أين يصرف أمواله، وهو ما يؤدي إلى انخفاض إستهلاكه اليومي، بعد تراجع راتبه إلى النصف".

وحول مصير أموال المودعين، أوضح قزي أن "الودائع بالدولار صُرِفت على دعم الليرة، دعم السلع... وبقي منها 11 سنتاً من كل دولار! ويبقى هنا السؤال: هل يمكننا إسترجاع الودائع؟.. الخيار الوحيد هو إسترجاع الأموال التي هُرّبت إلى الخارج، والأموال التي حققت أرباحاً كبيرة من خلال سياسة الفوائد المرتفعة".