لم يعد العمل عن بعد مجرد ميزة. سنقد لك في ما يلي، كيفية التفاوض على ترتيب عمل دائم من المنزل مع صاحب العمل.

قبل عشر سنوات، توقعت الخبيرة في مستقبل الأعمال ومؤسسة شركة "NextMapping"، شيريل كران، أننا نتجه نحو واقع العمل عن بُعد. وقد بدأ الابتكار التكنولوجي في تمكيننا من العمل في أي مكان وفي أي وقت. مجتمعيًا وجيليًا ، اختار جيل الألفية بالفعل، عدم العمل في البيئة التقليدية عندما يكون ذلك ممكنًا. فالتكاليف المرتبطة بنماذج الأعمال التقليدية (مثل أبراج المكاتب باهظة الثمن) لا تبدو مستدامة.

لقد أسهم "كوفيد 19" في تسريع وتيرة هذا التحول. ويقول كبير مسؤولي التسويق والشريك المؤسس لشركة "Running Remote"، ليام مارتن، أن الوباء قد أحدث في الواقع، أكبر تحول في العمل منذ الثورة الصناعية، حيث أن 40% من القوة العاملة الأميركية تعمل الآن عن بعد. أما في عام 2018 ، فكانت النسبة 5%.

لقد رأينا تحولًا كاملاً في هذا المجال، وإذا لم يتعرف الناس على كيفية العمل عن بعد – أي إذا لم يتعلموا المهارات التي يحتاجون إليها للعمل بفعالية من المنزل - فسوف يتخلفون عن التقدم الحاصل.

تلاحظ كران، أن "الأشخاص الذين لم يعرفوا سوى بيئة مكتبية، وليس لديهم دراية تقنية وتكونولوجية، لا يزالون يعانون من هذا التحول. لكن خلال الأشهر الستة الماضية، كان 76% من العاملين عن بعد أكثر سعادة في الابتعاد عن مكان العمل. لماذا ؟ أولاً ، تم إلغاء التنقل. ثانيًا، عندما تعمل من المنزل، فمن غير المرجح أن تضطر إلى تحمل سياسات المكتب (لا توجد بيئة مؤاتية للنميمة). وثالثًا، أفاد الموظفون أنهم أكثر قدرة على تحقيق التوازن بين العمل والحياة عن بُعد.

وتوضح كران أن أصحاب العمل لديهم القدرة الآن على قياس الأداء بطريقة جديدة. وأضافت: "هناك تقنية لتتبع نتائجك. سنرى تغييرًا في طرق تقييمنا للأداء. سنستخدم المزيد من وجهات نظر المراجعة الخارجية لمعرفة مدى جودة أداء شخص ما في مهامه".

سيتم تتبع إنتاجيتك، ولكن من المحتمل أن تكون هذه الإنتاجية أكثر فعالية. يقول مارتن: "عندما تنظر إلى الاختلاف الأساسي بين المؤسسات العاملة عن بعد، وتلك التي يتواجد فيها الموظفون، فإن الأولى لديها إنتاجية أعلى بنسبة 30% في المتوسط".

يفكر العديد من الموظفين: "أنا أعمل بشكل منتج من المنزل، خلال فترة الوباء، منذ أشهر. لماذا علي العودة إلى مكتب لا أريده؟". من جهة أخرى، يفكر العديد من أصحاب العمل: "لماذا أرغب في إعادة الموظفين إلى المكتب (الأمر الذي يكلفني المزيد من المال)، عندما كنت أحصل على نتائج أفضل من العمل عن بُعد؟".

إذا كنت تعلم أن العمل عن بُعد مناسب لك، ولكن شركتك لا تقدمه بشكل صريح وواضح، فإليك كيفية طلب ذلك.

1- جمع البيانات وتقديمها:

تقول كران: "كن مستعدًا من خلال جمع البيانات التي توضح مدى نجاحك في العمل عن بعد؛ تتبع مقاييس الأداء الخاصة بك. تتبع عدد المكالمات التي تجريها كل يوم، ورضا العملاء. اجمع الشهادات والتعليقات من المعنيين. اسأل الزملاء والعملاء: كيف تقيم خدماتي خلال العمل عن بعد؟ ومن ثم أرسل استطلاعًا الى شركتك عبر ​البريد الإلكتروني​".

بمجرد جمع بياناتك، قم بإعداد اجتماع افتراضي مع رئيسك أو مديرك. يمكنك أن تقول شيئًا على غرار: "لقد كنت أقيس أدائي قبل فيروس "كورونا" وبعده. هذا ما لاحظته عن بعد: لقد كنت أكثر سعادة وإنتاجية. لقد كنت فعالاً مع العملاء وأعضاء الفريق. وأنا أقوم بادخار أموال الشركة (على سبيل المثال ، من خلال عدم الدفع رسوم النقل، وعدم استخدام مرافق الشركة، وعدم الاضطرار إلى السفر للعمل، وما إلى ذلك".

ضع خطة للمستقبل - كيف ستستمر في العمل الناجح عن بُعد - وقدم هذه الخطة. استمر في التركيز على القيمة التي تضيفها إلى الشركة من خلال كونك بعيدًا.

تحث كران على عدم التركيز على نفسك وعلى ما تستحقه. وتقول: "لا تجعل كل شيء عن نفسك. هذا فخ يقع فيه الناس. ركز على الطريقة التي تساعد بها مديرك". فعلى سبيل المثال، أنت تساعد مديرك لأنك قادر على العمل بشكل مستقل – كونك محترف لا يحتاج إلى الكثير من الإشراف، وما إلى ذلك.

2- اقترح الخضوع لفترة تجريبية:

لإقناع صاحب العمل بأن العمل عن بُعد هو الأفضل بالنسبة لك، يمكنك اقتراح تجربة لإثبات ذلك، كما يوصي مارتن.

هناك الكثير من الثقة التي يجب بناؤها بين صاحب العمل والموظف. لنفترض أنك ستعمل عن بُعد للشهر القادم؛ حدد بوضوح الأهداف التي توافق عليها، أنت ومديرك. ثم قم بإجراء تلك التجربة. إذا كنت قد حددت الأهداف الصحيحة، فلن تكون قادرًا على تحقيقها فحسب، بل ستتمكن أيضًا من تجاوزها.

عندما يتعلق الأمر بالعمل عن بُعد، يخشى العديد من أصحاب العمل أنك ستشاهد "​Netflix​" طوال اليوم. ولهذا السبب، يجب أن تكون قادرًا على إقناح المدير بإنتاجيتك. يتعين عليك تحقيق الأرقام الخاصة بك، والتأكد من أنك تتواصل بشكل صحيح مع مديرك حتى يشعر بالراحة مع هذا النوع من العلاقات.

مطلوب المزيد من الثقة من جانب صاحب العمل، كونه يقدم لك هذه الميزة. عليك أن تثبت له أن هذه هي الطريقة المناسبة لك للعمل، وستوفر النتائج التي وافقتما عليها معا".

3- خفض التكاليف وتقليل الغياب:

توفر الشركات التي تعتمد خيار ​التوظيف​ عن بعد الكثير من التكاليف، مثل شراء أو تأجير مقرات العمل، وتكاليف المكاتب والمعدات والتجهيزات، ولوازم مقر العمل. إضافة إلى تخفيض النفقات الجارية، مثل فواتير ​الكهرباء​ ورسوم مواقف ​السيارات​.

أما في حال إصابة الموظف بوعكة صحية خفيفة، فلن يكون عليه التوقف عن العمل، إذ يمكنه أن يعمل بشكل طبيعي من منزله. وبالتالي، إذا كان فريق العمل يستخدم بالفعل أدوات الفرق الموزعة عن بعد، ويمكنهم التعاون باستخدام أدوات العمل المختلفة عبر ​الإنترنت​، فهذا يعني أن الشركة قادرة على التعامل مع العمل عن بعد، ولديها بالفعل إطار عمل يمكنها من الانتقال من نظام العمل التقليدي إلى نظام العمل عن بعد.

4- فتح أسواق عمل جديدة وفرص وظيفية أكثر:

في ظل التوقعات التي تشير إلى اختفاء ملايين الوظائف في المستقبل القريب بسبب تطور الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة، سيسهم العمل عن بعد في فتح أسواق عمل جديدة وتوفير فرص وظيفية هائلة، لتلبية احتياجات المشاريع والشركات الجديدة الصاعدة التي تعتمد على نظام التوظيف والعمل عن بعد.

على سبيل المثال، سوف يشهد سوق التقنية، وخاصة أسواق برمجيات إدارة المشاريع وإدارة التواصل والعمل عن بعد، وحتى سوق الخدمات والحلول المصرفية المرنة، نموًا ضخمًا في عدد الوظائف، بسبب ارتفاع الطلب على هذه الأسواق؛ نتيجة هيمنة العمل عن بعد على نظام العمل، ما سيؤدي إلى ظهور اتجاهات عمل جديدة ونمو أسواق توظيف ناشئة وفرص عمل أكثر بالتبعية.

5- الحفاظ على البيئة:

إضافة إلى الخطوات التي تتخذها الكثير من الشركات للحفاظ على البيئة، مثل تقليل استخدام المواد ​البلاستيك​ية، يمكنها الحفاظ على البيئة بشكل لا يمكن تصوره عبر اتخاذ خطوة واحدة صغيرة، هي تبني نظام العمل عن بعد.

يقوم العمل عن بعد بتغييرات صغيرة في شكل الحياة، لكنها لها عظيم الأثر في الحفاظ على البيئة؛ تخيل أن شركات ضخمة تُدار بشكل تام بدون تنقل الموظفين يوميًا من منازلهم إلى مقرات العمل والتسبب في زحام مروري وانبعاثات كربونية لا حد لها، أو أن العمل يتم افتراضيًا بدون تشييد مبانٍ جديدة مليئة بالمكاتب تقلّص من المساحات الخضراء، وتستهلك الكثير من ​الطاقة​ للإضاءة والتكييف و​التدفئة​ وغيرها، كذلك، سيقضي الموظف وقتًا أطول في المنزل، وبالتبعية سيستخدام كميات أقل من الورق والبلاستيك والأطعمة السريعة، وحتى ​الوقود​ والكهرباء.