شارك حاكم "​مصرف لبنان​" رياض سلامة، في إجتماع الدورة الإعتيادية الرابعة والأربعين لمجلس محافظي ​المصارف​ المركزية و​مؤسسات النقد العربية​، التي إنعقدت "عن بعد" يوم الأحد الموافق 13  أيلول 2020. 

وقد قدّم سلامة مداخلة عن الأوضاع الصعبة التي يمر بها لبنان، والتحديات التي يواجهها المصرف المركزي، حيث إختصر المشهد اللبناني بسلسلة من الصدمات التي حدثت خلال فترة زمنية قصيرة، إبتداءً بأزمة ​السيولة​ وإنعدام الثقة بالمصارف بعد إقفال أبوابها لمدة ثلاث أسابيع في تشيرين الأول الماضي مما أدّى إلى الضغط على سعر صرف ​الليرة اللبنانية​ وتحويل الإقتصاد اللبناني إلى "cash economy"، مروراً بقرار الحكومة وقف تسديد سندات "اليوروبوند" المستحقة بالدولار الأميركي، بالإضافة إلى جائحة "كورونا" التي أدت إلى تفاقم الركود في جميع القطاعات الاقتصادية، وصولاً إلى إنفجار ​مرفأ بيروت​ الذي تسبب بدمارٍ كبير في العاصمة اللبنانية، وأخيراً إستقالة الحكومة.

وقد شدّد الحاكم على أنه في خضم هذه التحديات الصعبة، قام "مصرف لبنان" بإتخاذ التدابير التي تهدف لمساعدة الإقتصاد على الصمود، وحماية أموال المودعين في ​المصارف اللبنانية​، ودعم الأعمال التجارية أثناء إنتشار الوباء لضمان إستمرار سوق العمل، وتقديم المساعدة للأفراد والشركات الذين تأثروا بإنفجار المرفأ.

ومن أبرز الاجراءات التي ذكرها في مداخلته، قيام "مصرف لبنان" بإيجاد آليات من خلال تعاميمه للمصارف تسمح بتوفير الجزء الأكبر من السيولة بالدولار لأغراض إستيراد ​المشتقات النفطية​ و​القمح​ و​الأدوية​ والمستلزمات الطبية، بعد أن إشتكى مستوردو هذه ​الواردات​ الحيوية من نقص الدولار، وأيضاً دعم الصناعات اللبنانية من خلال إطلاق "صندوق الأوكسجين للإقتصاد اللبناني" مما يوفر حلا دائماً لإستيراد المواد الاولية، بالإضافة إلى دعم أسعار ​السلع الغذائية​ الأساسية بالتنسيق مع وزارة الإقتصاد والتجارة، مما ساهم في التخفيف من حدة الآثار التضخمية على ​المستهلك​.

كما تطرق إلى الدعم الذي قدمه المركزي إلى عملاء المصارف الذين تأثروا سلباً بعمليات الإغلاق نتيجة تفشي جائحة "كورونا"، وأولئك الذين تأثروا بإنفجار مرفأ بيروت، وذلك من خلال إنشاء ​آلية​ تسمح للمصارف بتقديم ​قروض​ إستثنائية لا تخضع لأي فائدة أو عمولة، ويمكن سدادها على مدى خمس سنوات. وقد وبلغت قيمة القروض الممنوحة للمتضررين من عمليات الإغلاق حوالي 400 مليون دولار أميركي، 18% منها مقابل قروض منحتها المصارف بالليرة اللبنانية و%82 منها مقابل قروض ممنوحة بالدولار الأميركي. وقد إستفاد من هذه القروض ما يقارب الـ29000 توزعت بين ـأفراد ومؤسسات بهدف تسديد سندات مستحقة (%74)، دفع رواتب (11%)، تغطية نفقات تشغيلية (%9)، وتغطية حاجات إنتاجية أو رأسمال تشغيلي (%6). أما القروض الإستثنائية الممنوحة للمتضررين من إنفجار المرفأ فقد بلغت حوالي 100 مليون دولار.

المداخلة الثانية التي قدّمها سلامة، تتعلق بموضوع أثر تداعيات تغيرات المناخ على النظام المالي والإستقرار المالي، حيث قدّم عرضاً عن المبادرات التي قام بها "مصرف لبنان" منذ العام 2010 لدعم المشاريع البيئية و​الطاقة المتجددة​ وبالتالي المساعدة في مكافحة التحديات التي يفرضها تغير المناخ، ومن ضمنها آليات تمويل متكاملة تتيح للمصارف تمويل مشاريع الطاقة في مفهومي الإنتاج والإستهلاك (NEEREA)  والمشاريع البيئية (LEA)، وأيضاً مكافحة التلوث البيئي في القطاع الصناعي (LEPAP)، وذلك بمعدلات فائدة تتراوح بين الصفر والـ1%  وبفترات تمويل طويلة الأمد. كما ذكر الحاكم إطلاق برنامج الدعم التقني (LEEREFF) الذي تأتي من ضمنه تسهيلات إئتمانية بقيمة 80 مليون يورو مقدمة من البنك الأوروبي للتثمير (EIB) والوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، إضافة إلى المساعدة التقنية اللازمة المتمثلة بالإستعانة بالعديد من الخبراء العالميين والوطنيين لتطوير العمل في الآليات الوطنية المعتمدة.

وبالنسبة لنشاط المجتمع المدني في هذا المجال، أشاد الحاكم بمبادرة "Lebanon Climate Act" التي تكمل الحوافز المالية التي وضعها "مصرف لبنان" من خلال دعم المؤسّسات لكي تصبح مشاركة بمكافحة التغيّر المناخيّ ولمساعدة الحكومة اللبنانيّة في تحقيق إلتزامها بخفض الإنبعاثات في لبنان بحسب المساهمات المقررة المحددة وطنياً الخاصة بلبنان.

وأخيراً شدّد سلامة على دور هذه المبادرات في خلق سوق جديد في لبنان، فالإستثمارات التي تمت في هذا القطاع وصلت إلى ما يقارب الـ600 مليون دولار وإستفاد منها أكثر من 250 مقترض، كما خلقت حوالي 10 آلاف فرصة عمل جديدة بشكل مباشر أو غير مباشر، نتيجة زيادة عدد الشركات العاملة في هذا القطاع والتي تخطى عددها الـ300، إضافة إلى المشاريع التنفيذية الكبرى وتوجه بعض الجامعات لتركيز إختصاصات مستقلة في هذا المجال.