يتصاعد قلق الشارع من تفاقم الصعوبات المعيشية، مع فشل الحكومة في الحد من تدهور قيمة الليرة، بينما يواجه محدودو الدخل ضغوطاً متزايدة في ظل تداعيات ارتفاع الأسعار.

بالموازاة، تتواصل النقاشات المعقّدة بين "​صندوق النقد الدولي​" ولبنان، بحسب ما أعلن متحدث باسم الصندوق، الذي طالب بتشخيص مشترك لمصدر الخسائر المالية وحجمها، مشيراً من جهة أُخرى، إلى ​انكماش​ أعمق من المتوقع للناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من عام 2020.

هذه المعطيات، لا شك أنها ساهمت أكثر في تعقيد الآمال في صفقة إنقاذ سريعة مع "صندوق النقد"، بسبب خلاف بين الحكومة و"​مصرف لبنان​" على حجم الخسائر في النظام المالي.

وفي مقابلة مع "الاقتصاد" تحدث عضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والأستاذ الجامعي، د. أنيس بو دياب، عن آخر تطورات المفاوضات مع "صندوق النقد"، وما تشهده أسواق سعر الصرف.

هل بتنا اليوم في المراحل الأخيرة للتوصل إلى اتفاق بين الحكومة ومصرف لبنان حول أرقام الخسائر؟

"المفاوضات مع "صندوق النقد الدولي" ستستمر، وهناك جولة تنطلق اليوم مقسّمة إلى قسمين، الأول مع الهيئة المفاوضة من قبل الحكومة برئاسة وزير المالية غازي وزني، فيما سيُعلن عن جلسة مفاوضات مع لجنة التقصّي النيابيّة؛ وبالموازاة سيصدر غداً الثلاثاء، البيان النهائي عن لجنة التقصّي المالي، حيث توجد محاولات حثيثة لتوحيد الأرقام، بعد تدخّل وساطات بين لجنة التقصّي والحكومة لهذا الغرض.

كل هذه الحيثيات في المفاوضات مع "صندوق النقّد" دونها صعوبات كثيرة ومختلفة، تبدأ بالاقتصاد وتنتهي بالسياسية، ومنها عدم بدء الحكومة بعد بالإصلاحات الفعلية، والتخبط في ملف الكهرباء، إضافة إلى الإصلاحات القضائية التي يراقبها "صندوق النقّد"، حيث أن التأخر في التوقيع على التشكيلات القضائية يؤثر سلباً في المفاوضات مع "صندوق النّقد".

في المقابل، يوجد خلل كبير في أرقام الخسائر المحددة من قبل الحكومة، ولابد من إعادة النظر فيها، حيث لا تستطيع الحكومة الذهاب إلى "صندوق النقد" بالخسائر المعلنة، حيث أن كلام بعض المستشارين غير صحيح بالذهاب إلى المفاوضات بأعلى خسائر ممكنة حتى يحصل لبنان في المقابل على أعلى أرقام بالدّعم، إذ إن "صندوق النقد" يبتغي الربح وهو صندوق مصرفي، لا يعطي القروض والتسهيلات المالية إذا كانت خسائر لبنان فادحة، بحيث يرى الصندوق في الخسائر الفادحة للدّولة، عدم القدرة المستقبلية على إعادة تنشيط الاقتصاد؛ الذهاب للمفاوضات بخسائر مرتفعة، فكرة غير موجودة أصلاً في الاقتصاد، وهنا لابد فعلياً من العودة للتفاوض مع ​القطاع المصرفي​، ولجنة التقصّي النيابية تقوم حاليّاً بهذا الدّور، والإيجابي اليوم، أن لجنة التقصّي تضم كافة الأطراف السياسية."

هل يمكن السيطرة اليوم على سوق الصّرف بما يسمّى "الكرباج"؟

"سعر الصّرف لا يمكن ضبطه بالقوّة أو بالأمن، حيث أن سعر الصرف هو انعكاس لوضع اقتصادي، ويخضع ل​آلية​ العرض والطلب، وعرض ​الدولار​ اليوم مفقود في السوق اللبناني، وحتى لو تدخّل المصرف المركزي بضخم 30 مليون دولار في السوق، فإنه بسبب غياب الثّقة سيظل الطّلب عالياً على الدّولار وهذا ما يتسبب بانهيار العملة الوطنية.

وليس دولار الاستيراد هو فقط السبب في تراجع الليرة، حيث أن الاستيراد سجل تراجعاً خلال الفترة الأخيرة وشهدنا انخفاض العجز في ​الميزان التجاري​ أيضاً بسبب تراجع الطّلب الاستهلاكي، وهذا يدل أن الطلب حالياً على الدّولار في الأسواق عنوانه "الهروب من العملة الوطنية" وسببه فقدان الثقة بها، في مقابل تخبّط في عمل الحكومة يفقد مزيداً من الثقة خاصة في ظل التطورات الجديدة المتمثلة بدخول قانون "قيصر" للعقوبات حيّز التنفيذ، وتهريب الدولارات إلى ​سوريا​، فيما لا توجد آلية كفيلة بمنع انهيار الليرة، حتى لو تدخّل المصرف المركزي بكل احتياطي الدّولار الموجود لديه."

"لقاء بعبدا الوطني" هل سينعكس إيجاباً في موضوع الأسواق والشأن الاقتصادي؟

"طالما أن التوافق الوطني مفقود، ولبنان ليس محيّداً عن أزمات المنطقة، فإن لبنان لا يستطيع النهوض.

أفضل الوساطات للبنان الحياد و​النأي بالنفس​، لكي يستطيع البلد إعادة الثقة المحلية والدّولية، وإذا استطاع اجتماع بعبدا المقبل الوصول إلى إجماع بخصوص هذه الآلية فربما نشهد تحسناً، وذلك بعدما لم يستقطب لبنان منذ عام 2011 وحتى اليوم، أي وديعة عربية من الخليج وتراجع عدد ​السياح​ العرب."