"الارقام المختلفة التي قدمتها كل من الحكومة و​مصرف لبنان​ حول الخسائر، بالإضافة إلى عدم احراز تقدم في التعيينات القضائية وغيرها من التعيينات والتأخير في إصلاح قطاع ​الكهرباء​ كلها عوامل تضعف موقف لبنان في المناقشات مع ​صندوق النقد الدولي​. لا يمكن للبلد أو الشعب تحمل ذلك أكثر"، هذا ما صرّح به ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش، مختصراً وضع لبنان في المفاوضات مع الصندوق بشأن مساعدات يبلغ حجمها 10 مليار دولار.

ماذا يعني هذا التصريح، هل خسر لبنان الأمل بالحصول على المساعدة؟ هل فشلت هذه المنظومة حتى في تمثيل التوافق لإنقاذ بلدٍ يغرق؟ وما هي التوقعات للمرحلة المقبلة. لمعرفة المزيد حول هذه المواضيع وغيرها، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع عميد كلية ادارة الأعمال في جامعة الحكمة البروفيسور، ​جورج نعمه:

ما هي توقعاتك للمرحلة المقبلة في حال لم يقدّم "صندوق النقد الدولي" للبنان المبلغ الذي طلبته الحكومة؟

الحكومة طلبت من الصندوق نسبة 1000% من كوتا لبنان، أقل بقليل من 10 مليار دولار. أولاً، نحن بحاجة لموافقة الصندوق على الخطة الإقتصادية التي وضعتها الحكومة، وهي خطة فيها الكثير من النقاط الجدلية التي يجب إعادة النظر فيها. برأيي، هذه الخطة غير قابلة للتنفيذ ويلزمها الكثير من التعديلات ومقاربة اقتصادية مختلفة.

و"صندوق النقد" في حال وافق على خطة معيّنة لن يعطي 1000% من الكوتا لبلد ما، وفي حال لم يوافق على الخطة، سندخل في مرحلة شائكة جدًّا لن يستطيع اللبنانيون خلالها تأمين السلع الأساسية التي اعتادوا استيرادها من الخارج ولا بديل لها في الداخل.

كان المصرف المركزي قد وعد ببدء التدخل لحماية سعر الصرف، إلى اي مدى قادر "مصرف لبنان" باحتياطاته المتبقية أن يقوم بهذا الأمر؟

لا أعتقد أن "مصرف لبنان" قادر على التدخل بشكل مستمر ومنهجي للحفاظ على ثبات معيّن لسعر الصرف أو لخفضه، لذلك، فإن أي تدخل مؤقت وآني وظرفي غير قابل للإستدامة لن يفي بالغرض بل سيقوم بهدر المزيد من الإحتياطات في السوق بدل استخدامها لتأمين إستيراد المواد الأولية التي لا يمكن تصنيعها في لبنان.

وفي حال لم نتلقّى الدعم من "صندوق النقد الدولي" أو "مؤتمر سيدر" سنكون قد دخلنا نفقاً مظلماً كبيراً، لذلك لا يمكن للمركزي أن يضخ كمية من الدولارات يوميا في السوق اللبناني.

ما هو رأيك بقانون رفع السرية المصرفية وتداعيات إقراره والعمل به اليوم؟

قانون السرية المصرفية الذي أقرّ في عهد الرئيس كميل شمعون لعب دوراً أساسياً في نمو القطاع المصرفي اللبناني، حيث شكّل ميزة إضافية للنظام المصرفي والمالي في لبنان وجعل منه مركز ثقل مالي ومصرفي في منطقة الشرق الأوسط، مقارنةً بما كان يحصل في الدول المجاورة من أوضاع سياسية غير مستقرة وانقلابات عسكرية".

السرية المصرفية خدمت البلد لمرحلة تجاوزت الـ50 عاماً وأتت بثمار جيّدة، لكن الأزمة التي نعيشها اليوم في القطاع المصرفي أزمة كبيرة وتستدعي إعادة النظر بالكثير من الأمور. في موضوع مكافحة الفساد، قانون السرية المصرفية ساعد الكثير من الأشخاص الذين قاموا باختلاس الأموال بالمحافظة على سرية حساباتهم والتهرب من السؤال: "من أين لك هذا؟". واليوم، في حال تم اعتماد تشريع رفع السرية المصرفية، فإن عملية مكافحة الفساد ستكون أسهل وتؤدي الى نتائج أسرع. في النظام المالي العالمي، اختفت القيود وانتهت الأنظمة الإقتصادية التوتاليتارية المغلقة وذهبت الدول الى الأنظمة المنفتحة والشفافة، لبنان لم يلحق بذلك وحافظ على السرية المصرفية لأن قطاعنا المصرفي كان يستفيد من تدفق الأموال من الخارج".

من ناحية ثانية، لا يمكننا أن نتسرع ونقرّ هذا القانون دون أن ندرس كافة انعكاساته على القطاع المصرفي الذي يمرّ بفترة دقيقة جدًّا في ظل غياب تدفق الأموال من الخارج والتوجه لإعادة الهيكلة، بالإضافة الى مرحلة العمل على الخروج من الأزمة المالية والإقتصادية وموضوع شطب الديون الذي سيؤثر على المصرف المركزي وعلى المصارف التجارية التي تشكّل أغلب ودائعها شهادات إيداع في المصرف المركزي. لذلك، يستحسن أن لا يطبّق قانون رفع السرية المصرفية قبل أن يخرج قطاعنا المصرفي من أزمته وأن يصل إلى حالة الشفاء من المرض الذي يعاني منه.