لبناننا هو بلد سياحي بامتياز؛ فالمقومات والعوامل موجودة... الخبرات والمهارات حاضرة... المؤسسات والطواقم جاهزة... ولكن للأسف، تبقى الوسيلة غائبة، والحلول مفقودة!

فبين كورونا و​الدولار​ والغلاء و​البطالة​ و​الفقر​، يتكبد القطاع ​السياح​ي خسائر هائلة، ويعيش لبنان واللبنانيون والقطاعات المختلفة، على حد سواء، في حالة من الضبابية شبه الكاملة، خاصة في ظل صعوبة التنبؤ بموعد التعافي من الأزمات الصحية، الاقتصادية، والمعيشية، التي تفرض على جميع أطياف المجتمع، الترقب والحذر، والخوف والقلق من ما يحمله المستقبل من مفاجآت.

فلا شك أن تفشي الفيروس في العالم، قد عرّض هذا القطاع بالتحديد، الى تحديات كثيرة، وضعته في خانة القطاعات الأكثر تضررًا، كونه يعتمد أولا على التفاعل بين الناس. ولكن وضع المؤسسات السياحية في لبنان، هو أسوأ حتما من البلدان الأخرى، وذلك لأن تحديات كورونا الجديدة، أضيفت على تلك التي كانت موجودة بالأساس، بسبب عوامل داخلية وخارجية عدة، أدت الى تراجع أعداد السياح على مر السنوات الماضية؛ حيث تعاني ​السياحة​ في لبنان حالياً، من الشلل التام، وقد لا يتعافى هذا القطاع، حتى بعد أن تتم السيطرة على حالة التعبئة العامة، ورفع قرارات حظر السفر بصورة آمنة، في ظل تفاقم أزمة سعر الصرف، والتباين في الآراء حول الخطة الاقتصادية، والترقب في موضوع ​صندوق النقد​، ومواصلة التجاذبات السياسية، وغيرها من المواضيع الشائكة.

ولكن ما هو مؤكد، أنه كلما طال أمد هذه الأزمة الصحية، كلما تزايدت صعوبة استمرار الشركات وقدرتها على البقاء، وارتفع عدد العمال والعائلات المتضررين.

وفي حين يعتقد الخبراء أن قطاع السياحة والسفر، على النطاق العالمي، قادر على العودة والانتعاش من جديد، كما فعل من قبل مع الأزمات السابقة. كيف هو الحال في لبنان؟ ما هو مصير القطاع؟ هل ستتمكن المؤسسات، وخاصة الصغيرة والمتوسطة منها، من الصمود في وجه التحديات التي تتزايد أكثر فأكثر مع مرور الأيام؟

كيدانيان

أشار وزير السياحة السابق، أفيديس كيدانيان، في حديث خاص مع موقع "الاقتصاد"، الى أن مقومات السياحة الناجحة، حاضرة في لبنان، وبمجرد إعطاء جرعة من الأمل لأصحاب المؤسسات السياحية، سيتمكن هذا القطاع حتما، من الوقوف مجددا واستعادة عافيته.

وقال: "قبل الحديث عن مصير السياحة، لا بد من التطرق الى المراحل التي سبقت وصولنا إلى هذه المرحلة؛ فخلال فصل الصيف، شهدنا على حادثة قبرشمون، التي أدت الى تجميد القطاع بأكمله، خلال فترة 40 يوما. بعد ذلك، تخطينا هذا الموضوع، ووصلنا الى ​عيد الأضحى​، وكانت الأمور مقبولة نسبيا، حتى بداية تحركات 17 تشرين الأول – مع العلم أننا لا نحمل أحدا نتيجة ما تعاني منه السياحة اليوم. ولكن نتيجة لهذه التحركات، غادر السياح، ودخلنا مباشرة الى موسم عيدي الميلاد ورأس السنة، حيث تم إحياء الحفلات الضخمة لغالبية الفنانيين اللبنانيين في الخارج، في ظل غياب شبه تام للسياح. ومع تشكيل الحكومة، وبداية شهر شباط، جاء وباء كورونا "ليزيد الطين بلّة"، وأقفلت المؤسسات بشكل تام، ابتداء من 11 آذار، باقتراح من نقابة المطاعم لوزير السياحة رمزي المشرفية. أما في 4 أيار، فقد قرر قسم صغير فقط من المطاعم والمقاهي، فتح أبوابه".

وأكد كيدانيان، أن قطاع السياحة والسفر هو الأكثر تضررا في العالم، جراء كورونا، موضحا أن التوقعات حول تاريخ عودة الأشخاص إلى السفر بشكل طبيعي، قد تصل لا منتصف الصيف، حيث ستبدأ ​شركات الطيران​ بتسيير بعض ​الرحلات​.

وأضاف: "أما ​منظمة السياحة العالمية​، والجهات التي تحاول إعادة إنعاش السياحة، فتجمع جميعها على أن هذا القطاع بحاجة الى ما بين السنة والسنة والنصف لكي يستعيد عافيته".

وبالنسبة الى لبنان، فلفت كيدانيان الى أن "السياحة تسهم في إدخال العملة الصعبة الى البلاد، وبالتالي، أتمنى إعطاء الفرص والتسهيلات لهذا القطاع، لكي يستعيد عافيته؛ مثل تمديد المهل لتسديد ​الإيجارات​ والقروض والرسوم والضرائب،... بهدف إعطاء جرعة من الأمل، تطمئن أصحاب المؤسسات بعض الشيء، على إمكانية استمرارية مؤسساتهم".

وأوضح أن "بعض الأشخاص، قرروا عدم فتح مطاعمهم ومقاهيهم، لأنهم يعلمون تماما أن القدرة الشرائية للبنانيين معدومة، وبغض النظر عن كورونا، تبقى الأغلبية الساحقة من الناس، أي حوالي 98%، غير قادرة على ارتياد المطاعم، كما كانت تفعل في الفترة السابقة".

كيدانيان: 98% من المواطنين باتوا غير قادرين على ارتياد المطاعم

وأكد على أن أصحاب المطاعم يفتقدون الى التحفيز، ويخشون العودة الى العمل، بسبب الخسارة المتوقعة، جراء ارتفاع سعر صرف الدولار؛ فهم سيشترون المنتجات والمواد الأولية على سعر الـ4000 ليرة، في حين أنهم غير قادرين على تغيير أسعارهم بشكل ملحوظ.

وتوجه الى كل من يتحدث عن المشاريع والخطط الاقتصادية، وعن الاقتصاد المنتج، دون ذكر السياحة، فقال: "دراسة ماكينزي تضمنت ثلاث ركائز هي: السياحة، والزراعة، والاقتصاد. ومقومات السياحة الناجحة حاضرة في لبنان".

وأضاف كيدانيان لـ"الاقتصاد": "لولا وجود مشكلة كورونا، لكان لبنان قد استفاد من ارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار، كونه يشكل حافزا لاستقطاب السياح. فمن يسافر بقدرات محدودة، يتجه غالبا الى البلدان ذات العملة الضعيفة، من أجل الحصول على المزيد من الأموال عند الصرف".

وشدد على "ضرورة الاستفادة من واقعنا في لبنان، كونه أقل الدول تضررا من كورونا، وتم تصنيفه ضمن أهم 15 دولة تمكنت من احتواء هذا الوباء، كما أن أعداد الوفيات ليست مرتفعة". وأضاف: "يبقى علينا العمل على الترويج والتسويق للسياحة في بلدنا، وإلا فسوف ندفن القطاع المطعمي، لسوء الحظ، مع بداية نهاية كورونا في لبنان، بحسب قول رئيس نقابة أصحاب المطاعم والملاهي والباتيسري ​طوني الرامي​".

كيدانيان: للاستفادة من واقع كورونا في لبنان في ​القطاع السياحي

وتوجه كيدانيان الى السياسيين بالقول: "من المفترض اليوم التركيز بشكل أكبر على السياحة الداخلية. فخلال فترة تسلمي لوزارة السياحة، لم أهتم بهذا الموضوع كما يجب، بسبب انشغالي في استقطاب السياح العرب والأجانب. أما اليوم، فبات هذا الموضوع أساسي، لأن هذا القطاع قادر على تأمين قسم كبير من الإيرادات. ومن هنا، أتمنى الاهتمام بالسياحة، لأنها قادرة بالفعل، على أن تشكل رافعة للاقتصاد الوطني".

الأشقر

أما رئيس نقابة أصحاب ​​الفنادق​​ ​بيار الأشقر، فأكد لـ"الاقتصاد"، أن معظم الفنادق شبه مغلقة؛ وهناك من أقفل أبوابه بشكل كلي، وفضل عدم الإعلان عن ذلك، كما هناك من قرر الاستمرار، وبالتالي، فتح جزءا لا يتعدى الـ10% من إمكانياته وخدماته.

ولفت الى أن "المستقبل غير واعد الى حد اليوم، فنحن نعيش على التكهنات، خاصة في ظل الحديث عن موجة ثانية من كورونا. كما أن معظم استطلاعات الرأي، تظهر أن غالبية الأشخاص يفضلون عدم فتح البلد في 8 حزيران، ما يدل على تخوف الناس من العودة الى الحياة الطبيعية. ومن جهة أخرى، هناك العديد من المطارات التي ستبقى مقفلة حتى نهاية تموز".

وأضاف الأشقر: "بالنسبة الى لبنان، أي شخص يأتي من الخارج، عليه تطبيق الحجر لمدة 14 يوما، فهل يمكن أن يأتي السائح ليحجر نفسه خلال هذه الفترة، ومن ثم يقوم بالسياحة؟ أعتقد أن موسم الاصطياف قد تبخّر، لتتلاشى معه الآمال أيضا بالنسبة الى عام 2020 بأكمله".

وأوضح أن "الميزة التي يتحلى بها لبنان، تكمن في تصنيفه بين أقل البلدان المصابة بالوباء، كما أن عدد الوفيات غير مرتفع بالمقارنة مع دول أخرى. وشدد على أن هذا الواقع سوف يفيدنا في المستقبل، وسيشجع السائح على المجيء؛ ولكن كل هذه الأمور هي اليوم مجرد أمنيات وأحلام".

الأشقر: وجود لبنان بين البلدان الأقل إصابة بكورونا سيفيدنا في المستقبل

وكشف الأشقر لـ"الاقتصاد" أيضا، أن المشكلة الثانية التي يعاني منها القطاع، تكمن في التسعير المنتجات والخدمات، مع تضارب أسعار الدولار بين ​مصرف لبنان​ والصرافين و​السوق السوداء​. وبالتالي، "ضايعة الطاسة" من كل الجهات؛ وللأسف، لا حلول، لا احتمالات، ولا توقعات.

وسأل: "هل من المنطقي أن أشتري بدولار 4000 ليرة، وأبيع بدولار 1515 ليرة؟ لا أحد يستطيع تحمل كل هذه الخسائر. وكأنهم يقولون لنا بطريقة غير مباشرة: "لا تفتحوا أبوابكم".

وأشار الى أن المؤسسات السياحية لن تتمكن من دفع مستحقاتها، حتى في حال لم تقدم الدولة أي إعفاءات. وتابع قائلا: "المطلب الذي قدمته منذ شهر أو شهرين قد تغير اليوم. فمنذ شهرين لم نكن نعلم أن الكورونا ستطيل مدتها الى هذا الحد، وأنه من الممكن أن تستمر طوال الصيف وحتى نهاية 2020. ومنذ شهرين أيضا، لم نكن نعلم أن الدولار سيصل الى 4000 ليرة".

بيروتي

بدوره، أوضح الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية ​جان بيروتي، أنه لا يمكن للقطاع السياحي أن يتحلى بالحظوظ للانطلاق مجددا، في ظل استمرار إغلاق المطار والحدود البرية.

وقال: "ما زالت كورونا تسيطر على العالم بأكمله، وتثير مخاوف الناس، وبالتالي، لا يمكن اليوم تنظيم الرحلات السياحية، أو حتى السفرات المنفردة، الى أي دولة. كما أن السائح القادم الى لبنان يحتاج الى إجراء فحص الـ"PCR"، وتطبيق الحجر المنزلي لمدة 14 يوما، في حين أنه قادم لمدة أربعة أو خمسة أيام؛ هذا الأمر غير منطقي على الإطلاق".​​​​​​​

ولفت الى أن المشكلة الأكبر تكمن في ​الأزمة الاقتصادية​ الموجودة في لبنان، والتي تؤدي الى انعدام السياحة الداخلية، ولهذا السبب، فإن المطاعم التي أعادت فتح أبوابها، قد تعيد إغلاقها مجددا وتدريجيا. إضافة الى أنه لا يمكن الإعلان عن فتح الفنادق، في حين أن المطار والحدود البرية مغلقة.

بيروتي: لفتح ​المنتجعات​ كونها أقل خطورة بالنسبة لإحتمال انتقال كورونا

وشدد على أن هذه الإجراءات تضع الموظفين في وجه المؤسسة، كما تضع المؤسسة أمام موظفيها، واستحقاقاتها الكبيرة، التي لا يستطيع القطاع السياحي تحملها بأي شكل من الأشكال.

وتابع بيروتي قائلا: "سبق أن عملنا على معالجة المشاكل ودعم القطاع، وتقدمنا بطلب الى ​الدولة اللبنانية​، بإعطاء التوجيهات الى ​المصارف​ لإقراض الموظفين رواتبهم بضمانة صندوق ​نهاية الخدمة​ – وليس منه – بهدف تغطية المرحلة التي نمر بها، خاصة وأن هناك مؤسسات مقفلة كليا منذ حوالي ستة أشهر". وأوضح أن الدول الأخرى تقدم كل الدعم والمساعدة والمساندة اللازمة وتتحمل الأعباء كافة، من أجل الحفاظ على قطاعاتها الإنتاجية، في حين أن لبنان لم يشهد على أي مبادرة مماثلة، الى حد اليوم، باستثناء الخطة التي تقدم بها وزير السياحة رمزي المشرفية، بناء لطلبات القطاع، الى ​مجلس الوزراء​، وتمت إحالتها الى وزارة المال لدراستها".

من جهة أخرى، طالب بيروتي بفتح المنتجعات، لأنه من غير مقبول، أن يتم السماح للمطاعم والفنادق وعدد من القطاعات الأخرى، بفتح أبوابها، في حين أن المنتجعات البحرية مغلقة، مع العلم أنها أقل خطورة من غيرها، بالنسبة الى إحتمال انتقال كورونا، خاصة كونها موجودة في الهواء الطلق، وتستخدم مادة الكلور المطهرة في المسابح، والتي تقتل الفيروس.

وأضاف: "من هنا، تقدمنا بطلب الى لجنة كورونا، وراجعنا وزيري السياحة والصحة، من أجل البت في هذا الموضوع بشكل سريع".

وختم بيروتي قائلا: "نحن لا نتوقع الحصول على موسم سياحي ناشط، مع العلم الغياب الكلي لهذا القطاع الذي يشغل حوالي 25 ألف موظف بشكل موسمي، سيؤثر حتما على الحياة الاقتصادية في لبنان. ولكن للأسف، لن نتمكن من توظيف هذا العدد في الموسم الحالي".