أصدر ​مصرف لبنان​ في 30 كانون الأول 2019 تعميماً وسيطاً حمل الرقم537 طلب بموجبه من شركات تحويل الأموال تسديد الحوالات الواردة من الخارج ب​الدولار​ الأميركي حصراً بعد أن كان قد طلب في تعميم سابق حمل الرقم 514، بأن تسدّد قيمة التحاويل النقدية الإلكترونية الواردة إليها من الخارج، بالليرة اللبنانية حصراً. الا انه وبتاريخ 16 نيسان 2020 أصدر ​حاكم مصرف لبنان رياض سلامة​ تعميماً جديداً حمل الرقم 13220 طلب خلالهمن المؤسسات غير المصرفية كافة التي تقوم بعمليات التحاويل النقدية بالوسائل الإلكترونية أن تسدد قيمة أي تحويل نقدي الكتروني ب​العملات​ الاجنبية وارد اليها من الخارج بالليرة اللبنانية وفقا لسعر السوق، وأن تبيع من الوحدة الخاصة المنشأة في مديرية العمليات النقدية لدى مصرف لبنان، العملات النقدية الأجنبية الناتجة عن العمليات النقدية".

قرار الحاكم أثار بلبلة كبيرة لدى المواطنين الذين تساءلوا عن مصير تحويلاتهم بالعملة الأجنبية وعن كيفية سحبها (بالتقسيط كالوادائع)، خصوصاً وان السحوبات في هذه المرحلة (التعبئة العامة) تتم عبر ​الصراف الآلي​، الخالي أصلاً من ​الدولار الأميركي​.

اذاً، من لا يملك حساباً مصرفياً لن يستطيع استلام امواله المحولة من الخارج بالعملة الأجنبية، انما سيستلمها بالليرة اللبنانية حصراًووفق سعر السوق، ولكن اي سوق الـ 3000 ام الـ 2600؟

وحدة الاعلام في مصرف لبنان عادت وأشارت في بيان (صدر نهار الجمعة في 17 نيسان 2019)، ان القرار الأخير لحاكم مصرف لبنان جاء بناءً لطلب شركات التحاويل، وتسهيلاً لخدمة الزبائن، مؤكدةً ان "عمليات تسديد قيمة ​التحويلات​ الالكترونية الواردة من الخارج بالليرة اللبنانية، يجب ان تتم بسعر السوق في يوم التسديد مهما كان السعر وليس بحسب سعر مثبت، وان كل ما يتم تداوله عن تثبيت سعر الصرف للتسديد التحويلات الالكترونية بالليرة غير صحيح".

ليبقى السؤال ما الهدف من كلّ هذه التعاميم واين دور الحكومة من كلّ ما يحصل اليوم؟

غبريل: تعاميم مصرف لبنان هدفها سدّ الفراغ التي أحدثته السلطة التنفيذية

يؤكد كبير الإقتصاديين ومدير وحدة الدراسات في بنك "بيبلوس" نسيب غبريل" أن كلّ الاجراءات التي يتخذها مصرف لبنان اليوم والتي غالباً ما تكون بالتنسيق مع جمعية ​المصارف​، هدفها الأساسي سدّ الفراغ التي أحدثته السلطة التنفيذية جراء تخبطها الدائم، وعدم البدء بالاصلاحات التي من شأنها احداث صدمة ايجابية في الأسواق من أجل استعادة الثقة مجدداً"، ويقول لـ"الاقتصاد: " يعاني لبنان اليوم من أزمة سيولة حادة وأزمة ثقة، ورغم ذلك لم تُقدم الحكومة بعد على أي خطوة لحلّ هاتين الأزمتين، لذلك نلاحظ ان المصرف المركزي يتدخل بين الحين والآخرعبر اجراءات مؤقتة ومحددة لسدّ قسم من هذا الفراغ ".

يضيف: " منذ تشرين الأول الماضي، بدأت حملة ممنهجة على ​القطاع المصرفي​ من قبل البعض لتحميله مسؤولية الأزمة التي عصفت بلبنان، حتى وصلت بهمالأمور الى تحميل المصارف والمودعين كلفة الأزمة الفعلية التي ارتكبوها، وذلك لتجنب تحملّ مسؤولياتهم، واليوم وبدل ان تتحمل الحكومة مسؤولياتها بوضع خطّة جدية لاستعادة الثقة مجدداً، أطلت علينا بموضوع الـ "هيركات" وبتصريحات غير مسؤولة من البعض يطالبون فيها بتقليص حجم القطاع المصرفي الذي يعدّ بحسب رأيهم كبيراً بالنسبة لحجم ​الاقتصاد اللبناني​، هذا فضلاً عن الخطة الاصلاحية او بمعنى آخر مشروع الحكومة الاقتصادي الذي سُرب مؤخراً والذي يوحي بأن الطبقة الحاكمة ليست جدية بتطبيق اي اصلاح في ​القطاع العام​، فهي تبحث عن طريق لتحميل القطاع المصرفي والمودعين كلفة هذا الاصلاح".

برأي غبريل "ما تقوم به الطبقة الحاكمة اليوم يدلّ على ان لبنان يتجه الى اقتصاد موجه تماماً كما كانت معظم دول المنطقة في السابق، مع الفارق الوحيد ان تلك الدول تطورت وتقدمت وأصبح اقتصادها حرّ ونحن تراجعنا مع الأسف، وهذه الخطوات بالتأكيد لن تُعيد الثقة، وفي الحقيقة هم يحاولون تحميل القطاع المصرفي كلفة هذه الأزمة لأنهم لا يريدون القيام باصلاح القطاع العام، كون هذه الخطوة تمس بقواعدهم السياسية وطريقة تعاطيهم مع ​الدولة اللبنانية​".

مصرف لبنان لا يستطيع ان يحلّ مكان الدولة بحسب غبريل انما يحاول قدر المستطاع سدّ تقصير الطبقة السياسية التي حتى هذه اللحظة لم تقوم بأي اجراء لمعالجة أزمة السيولة التي يعيشها لبنان، والتعميم الأخير لحاكم مصرف لبنان الذي حمل الرقم 13220 يندرج ضمن هذا الاطار، وباعتقادي ان الشخص الذي لا يملك حساباً مصرفياً ولديه تحاويل من الخارج بالعملة الأجنبية حتماً سيكون مزعجاً من هذا القرار، اما من لديه حساب مصرفي فستكون الأمور أسهل ويستطيع سحب تحويلاته فوراً مهما بلغت قيمتها كونها " Fresh Money " وذلك بحسب تعميم مصرف لبنان رقم 150 الصادر بتاريخ 9 نيسان 2020".

يشوعي: الحكومة الحالية أعلنت ​افلاس​ لبنان رسمياً

من جهته، يستغرب الخبير ​الاقتصاد​ي الدكتور ​إيلي يشوعي كمية التعاميم التي صدرت مؤخراً عن مصرف لبنان خصوصاً التعميم الأخير الذي يدلّ عن مدى حاجة المصرف المركزي الى عملة الدولار، ويقول لـ "الاقتصاد" : " مثل هذه التعاميم هدفها احتكار الدولارات النقدية الموجودة بالتعاون مع المصارف وكبار الصيارفة، وبذلك يكون الدولار بحوذتهم لغايات نجهلها حتى الآن، الا انها من المؤكد لا تصب في مصلحة المواطنين".

يضيف : " من غير المقبول ان تكون لدى المواطن تحويلات من الخارج الى لبنان بعملة الدولار ويأخذها بالليرة اللبنانية، هذا الأمر لا يجوز.ولكن للأسف كل هذه الاجراءات هدفها خنق اللبنانيين أكثر، فهل يجوز ان يتم حجز اموال المودعين بهذه الطريقة؟ وهل يجوز للمصارف وضع يدها على الودائع؟ الا يُسمى هذا بـ "هيركات" ؟".

يتابع: " للأسف نحن اليوم خسرنا بلدنا جراء السرقات والصفقات التي تمت خلال الفترات السابقة، وها نحن ندفع ثمنها اليوم، والمشكلة الكبرى ان الحكومة الحالية أعلنت ​بصراحة​ ووضوح اعلان افلاس لبنان رسمياً، ووضعت البلد بحظر ​مالي​ دولي، مستندةً الى خطة اقتصادية مبنية على ​دعم مالي​ خارجي، لبيقى السؤال بأي قوة تفاوضية ستفاوض الخارج؟".

يختم يشوعي حديثه بالقول :" بعد أزمة "كورونا" سيشهد لبنان ثورة جياع قد لا تحمد عُقباها ولن يلتفت الينا أحد من الدول التي كانت تدعمنا في السابق، فجميع الدول لديها مشاكل وأزمات، هذا فضلاً عن ان لبنان بنظرهم بلد مفلس باعتراف حكومتنا العظيمة، الرهان الوحيد الذي كنا نأمل ان يحصل هو شراكة القطاعين العام والخاص في القطاعات كافة كي نقفل مزاريب الهدر و​الفساد​، ونستقطب شركات عالمية تضخ رساميل دون ان تتملك اي شيء، فهي تُدير المؤسسات لصالح الدولة فقط، مع العلم ان الحكومة ذكرت موضوع الشراكة بخجل ضمن خطتهم المالية لأنهم ملتزمين مع الذين اتوا بهم الى الحكم بتطبيق الخطط السابقة التي أظهرت فشلها وعقمها وعدم جدواها".

اذاً،استطاع مصرف لبنان حصر الدولار الأميركي الآتي من الخارج في هذه المرحلة به، وبحسب مصادر مالية فان المصرف المركزي قام ببيع مبلغاً من الدولار الى بعض الصرافين بهدف رفع مستوى العرض وبالتالي ضبط سعر الصرف الذي تجاوز الـ 3250.

مراد: لولا تدخل مصرف لبنان لشهد الدولار مزيداً من الارتفاع

في هذا السياق يؤكد نقيب الصيارفة محمود مراد في حديثه لـ "الاقتصاد" ان بعض الصرافين حصلوا على الدولار من مصرف لبنان وذلك بهدف تهدئة السوق نظراً للطلب المستمر على الدولار، وباعتقادي اذا استمر المصرف المركزي بالتدخل يوماً لتهدئة السوق عبر ضخه المزيد من الدولارات في الأسواق من المؤكد ان نشهد انخفاضاً في سعر الصرف، فلولا هذا التدخلّ لشهد الدولار مزيداً من الارتفاع".

يضيف : " لا شك بأن هناك ارتباط بين تعميم مصرف لبنان الأخير المتعلق بالتحاويل وكيفية صرفها، وقرار ضخ الدولار في الأسواق من أجل ضبط سعره، مؤكداً ان سعر الصرف لا يزال يخضع لعملية العرض والطلب نافياً نفياً قاطعاً ان يكون لدى الصيارفة "Application" مشتركة من أجل تحديد الأسعار يومياً، وهذا الأمر اكدناه لرئيس مجلس الوزراء ​حسان دياب​ ولللواء عباس ابراهيم وللجميع، ولن نسمح من الآن وصاعداً بمثل هذه الاتهامات".