اشتد التباين بين دول جنوبي وشمالي ​أوروبا​، حول موضوع طرح سندات "​اليورو​بوندز" لمواجهة جائحة فيروس "كورونا".

ويقول برونو لومير، وزير المالية الفرنسي، ثمة سؤال واحد فقط: هل نحن معاً أم لا؟ هذا ما قاله حينما كان يناشد دول ​الاتحاد الأوروبي​ الأخرى، وعلى رأسها ​ألمانيا​، إظهار التضامن في مواجهة جائحة فيروس "كورونا".

بالنسبة إلى كثيرين في جنوبي أوروبا، فإن التضامن يعني شيئا واحداً أكثر من غيره: سندات "اليوروبوندز".

فرنسا​ و​إيطاليا​ و​إسبانيا​ وست دول أخرى في الاتحاد الأوروبي ألقت بثقلها خلف استحداث أدوات مالية مشتركة من قبل الاتحاد الأوروبي، باعتبارها أفضل استجابة ممكنة للجائحة.

الحجج التي يطرحونها تعدُ سياسية واقتصادية؛ فيما المقصود من سندات "اليوروبوندز" هو منع بعض الدول الأكثر تضررا، مثل إيطاليا وإسبانيا من الغرق بسبب الديون الجديدة.

كما أنها تهدف إلى إظهار الأوروبيين على أنهم "جميعا في هذا الأمر يدعمون بعضهم بعضا" للتخلص من ​الصور​ الكارثية المبكرة للصين التي تقدم المساعدة الطبية إلى إيطاليا، بينما يبدو الاتحاد الأوروبي جالساً مكتوف اليدين؛ بعض السياسيين ​الإيطاليين​ والإسبان يحذرون من أنه إذا لم يتحرك الاتحاد الأوروبي، فإن دولهم قد تفقد إيمانها بالمشروع الأوروبي إلى الأبد.

الرغبة في إظهار التضامن الأوروبي وتخفيف المعاناة صحيحة، لكن سندات "اليوروبوندز" هي الحل الخاطئ؛ بدلا من إنقاذ الاتحاد الأوروبي، ربما ينتهي بها الأمر إلى قتله.

المدافعون عن سندات "اليوروبوندز" يؤكدون التأثيرات الكارثية المحتملة في الرأي العام في جنوبي أوروبا، إذا فشل شمال أوروبا في الاستجابة، في الوقت الذي يعيش فيه الإيطاليون والإسبان المأساة. على شمال أوروبا أيضا مراعاة السياسة والرأي العام.

تبادل السندات داخل الاتحاد الأوروبي لطالما كان هو الأشد احمرارا من بين الخطوط الحمراء بالنسبة إلى الألمان والهولنديين والنمساويين والفنلنديين وغيرهم.

إذا تم تمريرها الآن - في جو تسوده أزمة - يمكن أن تضع قنبلة موقوتة تحت الاتحاد الأوروبي.

الخطر الذي يتمثل في شعور الجنوب الأوروبي بأنه مهمل من قبل الشمال، يجب أن يتم وضعه مقابل خطر أن يشعر الأوروبيون الشماليون، في وقت لاحق، بالاستغلال من قبل الجنوب.

الإيطاليون والإسبان مستاؤون بحق من أن يتم تصويرهم بصفتهم جنوبيين كسالى ومبذرين. لكن الصورة المعاكسة للشماليين بصفتهم أثرياء مغرورين ومتغطرسين هي أيضا غير عادلة، خاصة عندما تكون محمّلة بإشارات إلى النازية واتهامات باللاأخلاقية.

الناخبون في ​هولندا​ وألمانيا يشعرون كذلك بالضغط بسبب أعوام طويلة من ​التقشف​. كلتا الدولتين أيضا تضررتا بشدة من فيروس "كورونا". المستشفيات في هولندا على وشك نفاد أسرة العناية المركزة فيها.

كما أن المخاوف طويلة المدى لشمال أوروبا مشروعة أيضا. الشماليون في حالة تأهب لأي إشارة تدل على أنه يتم جرهم إلى تحويلات نقدية دائمة وكبيرة لشركاء الاتحاد الأوروبي المثقلين بالديون. إنهم قلقون بشكل مبرر من استخدام الكرب الحالي لدفع أفكار رفضوها بالفعل، مرات عديدة.

عندما ذكر أحد المؤيدين المتحمسين بشكل خاص لسندات "اليوروبوندز" أن الألمان والهولنديين لطالما تمت طمأنتهم من قبل قادتهم بأن إنشاء اليورو لن يؤدي إلى اتحاد تحويلات، أجاب بمزيج من السخط والمتعة: "لطالما كان ذلك هراء".

إذا لم يفِ القادة ​السياسيون​ بالوعود القديمة لأنها كانت "هراء مستمرا"، فلا ينبغي أن يتفاجأوا بشكل خاص، إذا تحول الناخبون بعد ذلك إلى أحزاب شعبوية مناهضة لأوروبا.

في الجدل البريطاني بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ثمة حجتان من أقوى الحجج التي قدمها مؤيدو الخروج وهي: "لم نوقع على الإطلاق من أجل هذا"، و"​بروكسل​ تستنزف أموالنا".

سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن هذه الحجج لا يمكن أن تؤثر في أوروبا القارية، الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي حققت مكاسب قوية بالفعل عبر شمالي أوروبا في الأعوام الأخيرة.

الخطأ الذي ارتكبه المدافعون عن سندات "اليوروبوندز" هو القول إنها السبيل الوحيد - أو حتى أفضل طريقة - لتقاسم العبء المالي الناجم عن الجائحة.

في الواقع، قد يستغرق إعداد أساسات قانونية لسندات "اليوروبوندز" عدة أعوام. وعلى النقيض من ذلك، هناك بالفعل ​آلية​ استقرار أوروبية قائمة وفعالة يمكن أن تقرض الدول التي تضررت بسبب الأزمة.

الإيطاليون والإسبان يرفضون آلية الاستقرار الأوروبية لأنها تقدم قروضا تضيف إلى أعباء ديونهم، وتأتي مع شروط مرفقة.

إنهم يخشون من أن كرب الجائحة يمكن أن يتم إلحاقه الآن بالرعب من برنامج تقشف على الطريقة اليونانية.

هذه ​كارثة​ طبيعية، لذا فإن آلية الاستقرار الأوروبية يمكن أن ترفق شروطا خفيفة للغاية مع القروض، وتحدد ببساطة أنه يجب إنفاق جميع الأموال على التعامل مع العواقب المباشرة للجائحة. الهولنديون اقترحوا أيضا إغاثات حالات ​الكوارث​، كمنح وليست قروضا.

بمجرد زوال الجائحة، يمكن لأوروبا العودة إلى الجدل بشأن سندات "اليوروبوندز".

إذا تمت تجربتها، ينبغي دعمها من خلال منح المفوضية الأوروبية ميزانية أكبر، مدعومة بضريبة مخصصة من الاتحاد الأوروبي.

المفوضية مزودة بمزيد من رأس المال وبمواردها الخاصة، يمكنها في ذلك الحين أن تقترض من الأسواق.

هذه الخطوة المهمة من نوعها لا ينبغي اتخاذها إلا بعد أن يخوض السياسيون الوطنيون في حوار مع ناخبيهم ويفوزون فيه.

الطريقة البديلة - استخدام أزمة لتنفيذ تغيير مثير للجدل ولا رجعة فيه – غالبا ما تتم الإشادة بها في بروكسل. وعلى الاتحاد الأوروبي أن يقدم حلولا أفضل من ذلك، من أجل مستقبله.