أكّد ​رئيس الجمهورية ميشال عون​، خلال اجتماع مع أعضاء "مجموعة الدعم الدولية من أجل ​لبنان​" بحضور رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، أن لبنان كان يستعد لإطلاق ورشة عمل لمعالجة أزماته الاقتصادية والمالية والاجتماعية حين ضرب وباء “كوفيد 19” العالم، فاضطر الى إعلان حالة طوارئ صحية، ما فرمل الى حد ما انطلاقته وفاقم من أزماته وأضاف إليها أزمة الصحة.

وأضاف: نحن اليوم نجابه كل هذه الأزمات والتداعيات ونرحّب بأي مساعدة دولية.

وأشار الرئيس عون إلى أن لبنان يعاني من ​انكماش​ اقتصادي كبير، ومن تراجع الطلب الداخلي والاستيراد، ونقص حاد بالعملات الأجنبية، وارتفاع ​البطالة​ ومعدلات ​الفقر​، كما وارتفاع الأسعار وانخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية من خلال السوق الموازية، بالإضافة إلى العجز في المالية العامة نتيجة لتراجع الإيرادات الضريبية.

ولفت رئيس الجمهورية، إلى أن "مجموعة الدعم" في آخر اجتماع لها في باريس في كانون الأول من العام 2019، أعلنت استعداد ​المجتمع الدولي​ لدعم لبنان على تخطي أزمته المالية والاقتصادية مشروطٍ بقيام حكومة فعالة وذات مصداقية وقادرة على ​مكافحة الفساد​ وتنفيذ حزمة أساسية من ​الاصلاحات الاقتصادية​.

وقال الرئيس عون: "على وقع التحركات الشعبية، وفي ظل أزمة اقتصادية مالية اجتماعية متصاعدة، وعلى الرغم من كل العوائق السياسية، تشكلت حكومة في لبنان، وتعهدت إطلاق خطة طوارئ إنقاذية، ومكافحة الفساد والقيام بمعالجات في المالية العامة مع إجراءات اقتصادية للانتقال من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج".

وأعلن الرئيس عون، أنه بهدف وقف استنفاد الاحتياطات الخارجية التي وصلت إلى مستوى منخفض للغاية، وفي محاولة لاحتواء عجز الميزانية، قررت الدولة اللبنانية في 7 آذار، تعليق سداد استحقاقات سندات "اليوروبوند:، وتمّ تعيين استشاريَّين دوليَّين، مالي وقانوني لمؤازرة الحكومة في هذا المجال.

وأشار إلى أن الدولة اللبنانية تعمل على إعداد خطة مالية اقتصادية شاملة، بهدف تصحيح الاختلالات العميقة في الاقتصاد ومعالجة التشوهات التي نتجت عن 30 سنة من السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة، والتي سبقتها 15 سنة من حروب مدمرة أطاحت بالكثير من البنى الاقتصادية والصناعية وحتى الإنسانية.

وأكد الرئيس عون، أن الخطة المالية الاقتصادية أشرفت على الانتهاء، وهي تهدف إلى حل المشاكل الاقتصادية والمالية والبنيوية، وإلى استعادة الثقة بالاقتصاد، كما إلى خفض الدين العام ووضع المالية العامة على مسار مستدام، وإلى إعادة النشاط والثقة إلى القطاع المالي.

وشدد رئيس الجمهورية، على أنه نظراً لخطورة الوضع المالي الحالي، وللآثار الاقتصادية الكبيرة على اللبنانيين وعلى المقيمين والنازحين، سيحتاج البرنامج الإصلاحي إلى دعم مالي خارجي، وخاصة من الدول الصديقة ومن مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، وذلك لدعم ميزان المدفوعات ولتطوير القطاعات الحيوية.

وأكد رئيس الجمهورية، أن لبنان يعوّل وبشكل كبير على التمويل الذي تم التعهد به والبالغ 11 مليار دولار في "مؤتمر سيدر"، والتي ستخصص بشكل أساسي للاستثمار في مشاريع البنية التحتية.

وقال: "إنّ الأمن الاجتماعي هو شرط من شروط الامن القومي. من هنا ضرورة العناية الكاملة بأطياف شعبنا كافة خصوصاً من يعاني الفقر أو النقص الحاد في الموارد الحياتيّة التي تؤمن الحدّ الادنى من الحياة الكريمة، عبر تقديم الإعانات اللازمة، غذائياً وطبياً ومالياً".

وأشار الرئيس عون، إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية عمدت على وضع خطة طوارئ للتصدي للمآسي الناتجة، والتي سوف تنتج عن الأزمة الداهمة بالتشاور مع كافة الوزارات المعنية والمجتمع الأهلي، تعتمد معايير شفافة وتؤمن الاستجابة للاحتياجات في حدود الموارد العامة المتاحة ومساعدة الأسر اللبنانية لتخطي الأزمة المستجدة.

ولفت الرئيس عون، إلى أن "فيروس “كوفيد 19” تحول إلى وباء عالمي، حاصداً عشرات الآلاف من الضحايا، أما في لبنان فقد ساعدت سرعة اتخاذ التدابير في الحد من انتشاره وبقائه ضمن الإطار المعقول حتى الآن، ونسعى ليبقى عدد الإصابات ضمن قدرتنا على استيعابها كما نسعى أيضاً لإعادة أبنائنا المغتربين ضمن الإمكانات المتوافرة".

وذكّر رئيس الجمهورية، أن "الاكتفاء الوطني الذاتي في الأزمات الصحية، هو من مقومات صمود الدول في هكذا أزمات، وأعني توافر الأطقم الطبية والتمريضية والإسعافية والمعدات والأجهزة وأساليب الوقاية من ألبسة وكمامات وقفازات ومعقمات وأدوية.... والاكتفاء البشري في لبنان متوافر ومتفانٍ وله كل الشكر والامتنان".

وقال "حاولت الصناعة الوطنيّة سد بعض الثغرات في التجهيزات والمعدّات والأدوية، وأحيي الشباب اللبناني الذي شحذت الأزمة روح الابتكار لديه فسجّل اختراعات نحن بأمسّ الحاجة إليها... ولكن يبقى الحيّز الأكبر للاستيراد، مع كل الأعباء المالية الضخمة والطارئة التي يرتّبها علينا".

وأكد الرئيس عون، أنه ما زالت أزمة النازحين السوريين تلقي بثقلها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي اللبناني منذ سنوات، وقد سبق أن توجهت مراراً الى المجتمع الدولي شارحاً تداعياتها السلبية على وطننا وداعياً لتأمين عودتهم الآمنة الى بلادهم، وأكرر الدعوة اليوم خصوصاً مع الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان.

وطالب مع ارتفاع منسوب خطر وباء "كوفيد 19" على أبواب مخيمات النازحين واللاجئين، المجتمع الدولي بإعادة تذكّر مسؤولياته تجاه هذه الأزمة الإنسانية، ومنظمات الأمم المتحدة لتأمين الوقاية والعناية الطبية للقاطنين في المخيمات من خلال الخطة التي وضعتها الدولة اللبنانية.

وقال الرئيس عون: "منذ أيام وصف الأمين العام للأمم المتحدة جائحة “كوفيد 19” بأنها أسوأ أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية. وكان سبق أن وُصِفت أزمة النازحين السوريين بأنها أسوأ أزمة انسانية منذ الحرب العالمية الثانية... ولبنان اليوم يجمع على أرضه عبء أكبر وأسوأ أزمتين أصابتا العالم منذ 75 عاماً".

وأضاف: "إذا كان وباء "كوفيد 19" قدراً سيئاً طال معظم الدول ونلنا منه قسطنا، فإن أزمة النزوح تحملناها منفردين، وقد تخطت كلفتها علينا 25 مليار دولار... ولا حل يلوح في المدى المنظور".