اعتبرت وكالة "فيتش" للتصنيف الإئتماني في تقرير لها في حزيران الماضي، أن سوق التأمين في ​لبنان​ "متطور نسبيًا، لا سيما ​قطاع التأمين​ على غير الحياة، حيث تنشط شركات محلية (53 شركة) ومجموعة إقليمية وبعض الشركات متعددة الجنسيات التي تجلب المزيد من العمق والتنوّع في المشهد التنافسي، إضافة إلى توسيع نطاق المنتجات وقنوات التوزيع.

لكن قطاع الـتأمين اليوم في لبنان يئن اسوة بغيره من القطاعات الخدماتية لاسيما مع ارتفاع سعر ​الدولار​، وشح ​السيولة​ والقيود المصرفية المطبقة . ومن الواضح تخلّف بعض الشركات عن الايفاء بالتزاماتها اضافة الى مشاكل اخرى تتلخّص بتعرّض أموال شركات التأمين إلى مخاطر عالية، لاسيما أن غالبية أقساطها موظّفة لدى ​المصارف​، وبسندات الخزينة. الملاءة والحوكمة الرشيدة لم تعد ربما كافيتين لصون قطاع التأمين في لبنان اليوم .

ما هو وضع هذا القطاع اليوم ؟

الازمة التي يعيشها قطاع التأمين حاليا تعتبر الأسوأ بين الازمات التي تعرّض لها منذ اتفاق ​القاهرة​ وحرب 1975حيث لم يتوقف ​القطاع المصرفي​ عن العمل ، ولم يطبق ال​رقابة​ على النقد control) ( التي يطبقها اليوم بصورة مزاجية، وليس بموجب قانون صادر عن ​مجلس النواب​ ، الى جانب حجبه ​العملات الاجنبية​ عن شركات التأمين ورفضه لاجراء التحويلات الى الخارج . اي ان القطاع المصرفي يوّجه ضربة قاصمة الى سوق التأمين في لبنان ، اذ ان بعض شركات اعادة التأمين الاجنبية وجد هذه التدابير ذريعة لوقف تغطية شركات التأمين اللبنانية ضد الاخطار التي تتجاوز قدراتها الذاتية. هذا ما يؤكده رئيس سابق لجمعية شركات الضمان في لبنان "للإقتصاد".

ويقول : اضف الى ذلك، فان احتلال الساحات الجاري منذ اكثر من 4 اشهر في وسط بيروت وبعض الساحات، والمواقع الرئيسية في ​طرابلس​ و​صيدا​ والبقاع ومناطق اخرى ، جعل منها اخطار عالية ، غير قابلة للتأمين.

وليس سرا ان رساميل ​الشركات اللبنانية​ هي متدنية ما يجعلها غير قادرة على مزاولة عملها دون ان تلقى دعما من شركات اعادة التأمين الاجنبية . كما انه مع رفض تحويل الاقساط الى الخارج ، تعطل المصارف اعمال شركات التأمين وتجعل استمرارها وتقديم خدماتها مهددا بالتوقف في اي لحظة .

ويضيف : قطاع التأمين مثل قطاع المصارف يشكو من ​رسملة​ ضعيفة إجمالا ، باستثناء بضع شركات اضطرت إلى رفع رساميلها كي تتمكن من العمل في ال​دول الخليج​ية حيث رأس المال لا يقل عن 30 مليون دولار أميركي .أما في لبنان فالحد الأدنى لرأسمال شركة التأمين ما يزال 1.5 مليون دولار أميركي فقط . وقبل ذلك، كان 200 ألف دولار لا غير، وقد رفعناه إلى 1.5 مليون دولار أميركي عندما أجرينا تعديلا شاملا لقانون هيئات الضمان سنة 1998.

ومنذ ذلك التاريخ، تطوّرت الأمور في صناعة التأمين ، وبعد ألازمة المالية العالمية 2008 ،رفعت رساميل شركات التأمين إلى مليارات الدولارات ما يساعدها على تغطية الأخطار المستحدثة والتي تتسبب بأضرار كارثية مثل الاعتداءات الالكترونية و​العنف​ السياسي (Cyber Political Violence ) ويعتبر ان رفع رأسمال شركات التأمين في لبنان يحتاج إلى تعديل قانون هيئات الضمان أي إلى موافقة مجلس النواب. كما ان المتاعب التي تواجهها المصارف جراء ضعف الرقابة ادّى إلى انحرافات كثيرة واوصل شركات إلى الإفلاس.

لقد اعد وزير ال​اقتصاد​ السابق منصور بطيش مشروع مرسوم لتعيين مجلس رقابة مكوّن من رئيس وأربعة أعضاء كما هو منصوص عليه في قانون هيئات الضمان وقدمه إلى ​مجلس الوزراء​، إلا انّ الرئيس الحريري قدم إستقالته فطار المشروع.

وهنالك مشاريع اخرى قدمها منصور بطيش من بينها مشروع مرسوم لإضافة الأضرار المادية إلى التأمين الإلزامي للسيارات كما هو منصوص عليه في ​قانون السير​.

ويسأل كيف يستطيع الاقتصاد العمل بغياب شركات التأمين؟

التأمين الصحي​ والتأمين على ​السيارات

لاشك ان سوق التامين لحظ تراجعا دراماتيكيا في حجم الاعمال في المدة الاخيرة بنسبة تجاوزت ال 50% .

وقد بلغ حجم القطاع في لبنان وفق آخر إحصاءات لجنة مراقبة هيئات الضمان نحو 1.7 مليار دولار في 2019، فيما حقق أرباحاً توازي 175 مليون دولار. وتوزعت الأقساط ما بين تأمينات الحياة (32%) وتأمينات الطبابة (31%) وتأمينات السيارات (21%) والتأمينات العامة الأخرى (16%). علما أن القطاع سدّد مطالبات تأمينية طبية بنحو 364 مليون دولار و210 مليونا من المنافع المرتبطة بتأمينات السيارات. وبلغ إجمالي الأصول نحو 5 مليار دولار، توزعت استثماراتها ما بين المنتجات المصرفية (54%) والسندات (31%).

ما هو واقع هذه الفروع الحقيقي اليوم ؟

يعتبر المصدر نفسه ان عدم توفير الرعاية الصحية الرسمية الا للعاملين في ​القطاع العام​ واجراء ​القطاع الخاص​ المضمونين الزاميا لدى صندوق الضمان ، مع الابقاء عما يزيد عن مليوني لبناني بدون تأمين صحي ، يجعل التداول في سوق التأمين الصحي مقتصرا على الافراد المقتدرين ماليا وارباب العمل ، لاسيما ​الشركات الكبيرة​ ، ومنها من يقدم للاجراء العاملين لديها ، تأمينا مكملا للتأمين الصحي الذي يوفرّه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي . والاقساط التي توفرّها شركات التأمين في المجال الصحي تشكل 40% على الاقل من مجموع الاقساط المكتتبة في لبنان .

واللافت ان شركات التأمين التي تغطي الامراض الصحية تعيد تغطية كل الاخطار اللبنانية ، وفي ظل هذه الظروف ،فان التأمين الصحي الخاص لن يكون قادرا على الاستمرار .

ويعتبر التأمين على السيارات الرافد الثاني الاكثر ايرادات لاقساط التأمين بعد التأمين الصحي وهويشكّل 20 % تقريبا من مجموع اقساط التأمين المكتتبة في لبنان.

وقد ادى تراجع مبيع السيارات الجديدة خلال الازمة الاخيرة الى تراجع اقساط التأمين على السيارات بصورة دراماتيكية حتى ان وكلاء السيارات في لبنان اضطروا الى اعادة تصدير السيارات التي كانت في مستودعاتهم الى دول الخليج العربي حيث باعوها باسعار بخسة.

على رغم تسجيل قطاع التأمين في لبنان معدلات نمو مرتفعة مقارنة بالمحيط في السنوات الاخيرة ، فإن الحقيقة الاقتصادية تبدو في مكان آخر. إذ أظهرت دراسة أعدها البنك الدولي عن القطاع أخطاراً ترتبط مباشرة بكثرة عدد الشركات العاملة فيه، واحتدام المنافسة في ما بينها بما تقود إلى حرب أسعار وتدني أرباح هذه الشركات، الأمر الذي يهدّد استقرارها المالي على المدى الطويل. واليوم تعددت الاخطار وبات القطاع رهينة اقتصاد هرم بحاجة الى رزمة اصلاحات ضروية لانهاضه وضخ الاوكسيجين في سائر القطاعات.