بثبات كان التنين ​الصين​ي، يسير نحو تخطّي الولايات المتّحدة كأكبر ​اقتصاد​ عالمي.. حاول الخبراء جاهدين قراءة خطط الصين وردّ الولايات المتّحدة، وما شهده البلدان من حرب اقتصادية ضروس، بين أكبر اقتصادين عالميين انتهت بعض مفاعيلها بتوقيع اتفاق ​تجارة​ مرحلي أولي، لم يطفئ شرارة الصين الصاعدة اقتصادياً، والمخاوف الأميركية من المارد الاقتصادي الصيني المتنامي.

لم يخطر ببال أحد من الخبراء، أن يهتز ثاني أكبر اقتصاد في العالم بسبب أزمة صحّة طارئة، وفي ظرف زمني قياسي، لم يتعدّ بضعة أسابيع.

فيروس​ "كورونا" الصيني، الذي انتقل إلى نحو 24 دولة أخرى، أعاد ذاكرة الصينيين إلى الوراء لقرابة 17 عاما، حين انتشار "فيروس سارس الذي أودى بحياة 800 شخص، مسجلا بذلك نسبة إماتة بلغت 10.

وكما كانت لـ "سارس" تداعيات على اقتصاد، فإن تأثيرات "كورونا" سرعان ما ظهرت، لكن لا أحد بمقدوره حتى اللحظة تحديد التكلفة، أو أي أرقام ثابتة حول تأثير "كورونا"، بسبب مقدار عدم اليقين الموجود في الوقت الحالي".

ويقول ​الخبير الاقتصادي​ كامل وزنه لـ "الاقتصاد"، إن "تقدير التداعيات سيكون صعبا في هذه المرحلة، لكنه ربّما "فيروس كورونا" بخسائر تفوق كل ما سببته الفيروسات السّابقة التي انتشرت خلال السنوات الماضية، ومنها ​إنفلونزا​ "إتش1 أن1"، وفيروس "سارس"، حيث بلغت خسائر الفيروسان، بين 40 مليار دولار و50 مليار دولار لكل فيروس".

مؤكد أن الانتشار السريع للفيروس، من شأنه أن يعطل الاقتصاد خلال الربع الأول من العام الجاري، خاصة أنه تزامن الانتشار السريع لـ "كورونا" مع الاحتفال برأس السنة القمرية الصينية الجديدة، الذي ينتظر أن ينفق خلاله المستهلكون كثيرا من المال، ولهذا انعكاس مباشر على الاقتصاد الصيني، مع تنامي أدوار ​الإنفاق​ الاستهلاكي على النمو في الصين خلال الأعوام الأخيرة، ما يعيد إلى الأذهان، تداعيات "الصدمة الاستهلاكية" التي شهدتها البلاد عام 2003 على النمو الإجمالي.

أما على الصّعيد العالمي فيقول وزنه: "إننا نعيش عصر العولمة وعصر ​التجارة الدولية​، وبالتالي فإن التأثيرات بالتأكيد ستتجاوز الصين، ومن التداعيات، إنخفاض النّاتج القومي للصين والدول العالمية التي ترتبط بالصين تجارياً واقتصاديا، بنسب تتراوح بين 0.5 و 1 %".

وأشار وزنه إلى خسائر ​الأسواق المالية​، الأوروبية والأميركية والآسيوية، وما شهدته الصين من تهاوي لمؤشرات الأسهم في بروصتا الصين، بعد استئناف التعاملات مع نهاية عطلة رأس السنة القمرية عند الصينيين.

وفي غياب أي رؤية واضحة لمعالجة الفيروس يتوقع الخبير وزنه، أن تكون التداعيات أكبر، خاصة في ظل اتهام ​بكين​ لواشنطن، بمحاولة تضخيم هذا الفيروس وانتقاد الصين لأميركا بأنها تقوم بـ "إثارة الذعر ونشره"، بعدما فرضت ​الولايات المتحدة​ قيوداً على دخول المواطنين الصينيين إلى أراضيها بسبب "فيروس كورونا".

وبحسب وزنه، فإن "هذا الفيروس سيؤثر على ​الصادرات الصينية​ وهي الأكبر في العالم، وسيؤثر بدوره على ​الشركات العالمية​ التي تعتمد على السلع الصينية، ومن هناك نرى التسويق الأميركي لضرب الصين أقله في موضوع التنافس الاقتصادي، ولاشك سيكون لانتشار الفيروس تأثيرات على تموضع ​الشركات الأميركية​ داخل الصين، بعدما سعى جاهداً الرئيس الأميركي منذ فترة، لعودة هذه الشركات إلى الولايات المتّحدة".

يوم أسود للبورصة الصينية

تسببت المخاوف من انتشار الفيروس وأثره الاقتصادي في موجة بيع بأولى جلسات التداول في سوق ​الأسهم الصينية​ بعد عطلة العام القمري الجديد، ليتكبد المؤشر الرئيسي خسائر بلغت 393 مليار دولار.

وهبط ​مؤشر شنغهاي​ المجمع نحو 8 % في أسوأ أداء ليوم واحد في أكثر من أربع سنوات. وانخفضت قيمة اليوان عن مستوى 7 يوانات للدولار. وسجلت السلع المتداولة في شنغهاي، من زيت النخيل إلى ​النحاس​، أكبر نسبة هبوط مسموح بها.

وتراجعت أسهم أكثر من 2500 شركة بالحد الأقصى البالغ 10 %. وأغلق مؤشر شنغهاي المجمع على انخفاض 7.7%، مسجلا 2746.6 نقطة، وهو أدنى مستوى له منذ آب، لكنه يشكل تعافيا متواضعا عن خسائر بداية التداولات والتي وصلت إلى 9 %.

وأربك "فيروس كورونا"، الكثير من الأنشطة الاقتصادية في الصين والعديد من الدول، لا سيما حركة الطيران، التي قال محللون ومتعاملون إن تفشي الفيروس أصابها بالضرر، ما قد يخفض الطلب على ​النفط​ بأكثر من 250 ألف برميل يومياً في الربع الأول من العام الجاري، ويتسبب في انخفاض ​أسعار النفط​ المحاصر بالفعل بفائض من الإمدادات.

وتتجه أجواء الصين ومطاراتها المدنية نحو حالة من الشلل، الذي ربما يُصبح كلياً مع الانتشار المتزايد لنطاق الفيروس، إذ تتسع على نحو متسارع قرارات ​شركات الطيران​ العالمية بتعليق رحلاتها تزامناً مع إجلاء دول مواطنيها.

شركات رابحة استفادت من "كورونا"

عاد فيروس كورونا الجديد بأرباح طائلة على أصحاب أسهم شركات ​الأدوية​ والشركات المصنعة لمنتجات الحماية الكيميائية، التي حلقت أسعار أسهمها في ​البورصات العالمية​ بالتزامن مع انتشار المرض القاتل.

وجاءت أسهم شركة "نوفاسيت" للرعاية الصحية في ​فرنسا​، الأكثر ارتفاعاً بعد أن أعلنت عن تدشين اختبار جزيئي جديد لفيروس كورونا، إذ قفزت بنسبة 68.7 %، بحسب سجلات التداول في البورصات العالمية.

كما ارتفعت أسهم الشركات التي تنتج الكمامات الطبية (الأقنعة) والمواد الكيميائية الواقية، وبينها شركة "ألياد هلثكير" بنسبة 27.5 %. و"إينوفيو" للأدوية في أستراليا بنسبة 13.3 %، و"نوفافاكس" الأميركية للتكنولوجيا الحيوية، بنسبة 2.3 %.