أصدر ​مصرف لبنان​، تعميما بتاريخ 30 كانون الأول 2019، يجيز بموجبه للمؤسسات غير المصرفية، دفع التحاويل الواردة بذات عملتها، ما يعني أنه عند تلقي حوالة من الخارج، يمكن قبضها ب​الدولار​، في حين أنها كانت تُقبض خلال الأشهر الماضية، بالليرة اللبنانية حصرا، وبسعر الصرف الرسمي؛ أي أن الشركات المعنية، حققت، عبر تطبيق هذا الإجراء، أرباحا طائلة من كل دولار يرسله المغتربون الى ذويهم، وذلك بسبب الفرق الشاسع بين السعر الرسمي، والآخر الموازي!

وكان من المقرر أن يبدأ وكلاء شركات تحويل الأموال، بتطبيق هذا التعميم، إبتداء من 8 كانون الثاني الجاري، إلا أنهم طلبوا تأجيله لأسباب معلنة، وأخرى خفية... والأسباب الظاهرية، تقنية، على حد قولهم، حيث أن التطبيق يتطلب تغييرا في البرامج الإلكترونية لدى الأطراف الداخلية والخارجية، كما أن قيود ​المصارف​، قد تعيق عملية التطبيق، ومن هنا تخوفت الشركات من عدم قدرتها على الالتزام بالتعميم. أما بالنسبة الى الأسباب "المبطّنة"، فتتمثل بالإجراءات القاسية التي تمارسها ​المصارف التجارية​ على تحويل العملة الصعبة.

وفي 15 كانون الثاني، كشفت شركة "OMT"، عن نيتها تسليم ​الحوالات​ المالية الواردة من الخارج بالدولار​​ الأميركي، بالنسبة الى كل العمليات المرسلة إبتداء من التاريخ المذكور وما بعده، موضحة أنه سوف يتم تسليم قيمة الحوالة الواردة من الخارج، نقداً، وبالدولار الأميركي حصراً، دون إجراء أي عملية صرافة. وفي حال عدم توفر الدولار لدى الوكيل عند تسليم الحوالة، ستوجه الشركة، الأشخاص المعنيين، إلى أقرب مركز وكيل بإمكانه الدفع بالدولار الأميركي.

وضمن ​آلية​ العمل ​الجديدة​، سوف تستحصل"OMT" ، على المبالغ النقدية اللازمة بالدولار الأميركي عبر شحنها من الخارج، بهدف تأمين ​السيولة​ اللازمة لدفع الحوالات للزبائن.

ولكن... ستخضع هذه الحوالات إلى رسم بنسبة 2%، بدل شحن الدولارات، تأمينها، نقلها، توزيعها، حراستها، وإدارتها! 

هل سيدفع المواطن رسمين؟ هل يحق لشركات التحويل فرض المزيد من الرسوم؟ هل أتى هذا الإجراء، استثنائيا، بسبب الأحداث الحاصلة على الساحة الداخلية؟ كيف تفسر "OMT" هذه الزيادة؟

تحدث موقع "الاقتصاد" مع الخبيرين الاقتصاديين، د. أنيس بو دياب، ود. ايلي يشوعي، وقد تعارضت آراؤهما، وتفاوتت الرؤية ما بين مبرّر وغير مبرّر، كما تواصلت مع شركة "OMT"، لتبرير الرسم الإضافي المفروض.

بو دياب

رأى عضو هيئة مكتب ​المجلس الاقتصادي​ والاجتماعي والأستاذ الجامعي، د. أنيس بو دياب، أن هذه الخطوة مبررة، حيث قال: "قبل الحديث عن الرسم الإضافي، لا بد من الإشادة بخطوة البدء بتطبيق تعميم مصرف لبنان، بعد التأخر لمدة أسبوع، ونتمنى التزام الشركات المعنية به، 100%؛ فهذه العملية ستريح سوق الصرف المحلي، الى حد ما، كما ستريح المواطنين".

وأكد أن ​التحويلات​ تراجعت من 7.5 مليار دولار في 2018، الى 5.2 مليار دولار في 2019، وأحد أسباب هذا التراجع، يتمثل في الإجراء المتبع من قبل وكلاء شركات تحويل الأموال (أي دفع التحويلات كافة بالليرة اللبنانية، وبحسب سعر الصرف الرسمي)، بالاضافة طبعا الى الـ"capital control" (القيود التي فرضتها المصارف على المودعين)، في حين أن هناك العديد من هذه التحويلات، تصل الى لبنان من خلال "OMT" وغيرها.

وأوضح د. بو دياب، أن بدء الشركات بتطبيق التعميم، سيؤدي الى حركة إيجابية في السوق، تتمثل في عودة التحويلات بالدولار.

أما بالنسبة الى رسم الـ2%، فأشار الى أن "OMT" هي بنهاية الأمر، شركة خاصة، وهي مسؤولة عن عملية الشحن و​التأمين​ على الشحن، كما أن لبنان يعاني من عدم الاستقرار، وتصنيفات المؤسسات العالمية، تتراجع شيئا فشيئا، ما يعني أن المخاطر مرتفعة، وتحوطا لهذه المخاطر، تتم زيادة الرسوم؛ وهذا أحد أسباب الرسم الإضافي الذي فرضته الشركة.

وتابع: "تعتبر الشركات أنها تقوم بجهد إضافي، بسبب إلزامها بتسليم التحويلات بالدولار، ومن هنا، قد يكون ذلك مبررا، من ناحية معينة، وخاصة بسبب الأزمة الحاصلة في البلاد".

كما لفت الى أن الرسم مقبول الى حد ما، قياسا بفرق سعر الصرف؛ اذ كانت الشركات تسلّم التحاويل بـ1510 ليرة، في حين أنها باتت تعطيها الآن، بالدولار، مشيرا الى أن الوضع الاستثنائي دفع بهذه الشركات – التي تبغى الربح – الى زيادة الرسوم، ولكن في نهاية المطاف، لا أحد يتمنى أن يبقى الأمر على ما هو عليه.

يشوعي

من جهته، تساءل الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي: "لماذا لم يكن رسم الـ2% موجودا في السابق؟ ألم يبادروا من قبل، الى شحن الدولارات والتأمين عليها؟ هل باتت مخاطر الشحن الى لبنان محفوفة بهذا الكم من المخاطر؟".

وأكد أن "هذه الأمور، ترتبط بالعادة، بدرجات المخاطرة، ومن هنا، لا أرى فعليا، أن درجة المخاطرة، بالنسبة الى شحن الدولارات النقدية الى لبنان، قد زادت، وبالتالي لا مبرر لوضع هذا الرسم الإضافي"، موضحا أن هذه المسألة غير مبررة من خلال الكلام العمومي، ويجب على الشركة شرح أسبابها؛ على سبيل المثال، حجم الارتفاع في كلفة الشحن، أو نسبة زيادة تكلفة توفير الدولارات في الخارج، وغيرها من الأمور.

وشدد د. يشوعي، على أن الظروف الاستثنائية التي يعيشها لبنان، لا تبرر هذا الرسم، واذا لم توضح الشركة السبب الاقتصادي لهذه الزيادة، فسوف يكون هذا الإجراء، نوعا من استغلال عدم توافر الدولار، وعمدها الى إعطائه بكلفة أعلى، من أجل زيادة أرباحها.

وأشار الى أن شركات تحويل الأموال ونقلها، لا تخضع لقانون النقد والتسليف، ومن الممكن أن تقوم لجنة الرقابة، أو حتى المصرف المركزي، بسؤالها حول سبب هذا الرسم الإضافي، والمطالبة بتبرير، ولكن لا أكثر!

وذكر د. يشوعي، أن الدولار النقدي غير موجود بسهولة في الأسواق، ولكن يمكن إيجاده، مقابل دفع مبالغ ضخمة، ومن هنا، هناك بعض الجهات التي تستغل هذا الأمر بغية تحقيق المزيد من الربح. وأكد مصرف لبنان لم يعد قادرا على القيام بأي شيء، كما أن خزينة الدولة والمصارف، قد خسرت بموجوداتها، وباتت كل أموال هذه الجهات، موجودة على الدفاتر فقط، وبالتالي، تُرِك ​الوضع المالي​ لمصيره.

رد الـ"OMT"

وحرصا منا على حقّ الرد، كان لـ"الاقتصاد" اتصال مع قسم خدمة الزبائن في "OMT"، حيث أوضحت الشركة أن رسم الـ2%، جاء نتيجة شحن المبالغ النقدية اللازمة بالدولار الأميركي من الخارج، وبالتالي، يمثل بدل شحن هذه الأموال والتأمين عليها، ونقلها، وحراستها.

وذكرت أن الرسوم التي كانت مفروضة في السابق على التحاويل، يدفعها المرسل، ويتم تحديد قيمتها بحسب قيمة التحويل، أما الرسم الإضافي الجديد، فقد تم فرضه، لكي تتمكن الشركة من دفع التحويلات للزبائن بعملة الدولار، بسبب الأوضاع الاستثنائية الحاصلة في لبنان.

وتابعت "OMT": "إن الأزمة الحاصلة في السوق اللبناني، وشح الدولار، دفعتنا الى فرض هذا الرسم الجديد؛ ففي الماضي كنا ندفع التحويلات بالدولار للزبائن، دون فرض أي رسوم إضافية، لأن الدولار كان موجودا في السوق المحلية، ويمكن الحصول عليه بسهولة، لكننا نضطر اليوم الى شحن الدولار من الخارج، بسبب افتقاد السوق اللبناني اليه، ما أدى الى زيادة التكاليف علينا".