صحيح انه زمن العجائب، وصحيح ان وضع لبنان المأزوم على كل الصعد السياسية، ال​اقتصاد​ية والاجتماعية والمعيشية يحتاج الى اعجوبة سماوية، ولكن بانتظار حدوث ذلك لم يعد مقبولا الابقاء على الستاتيكو القائم من المناكفات والكيديات، وتعطيل أمور الناس وضرب ارزاقهم، وزيادة حجم الفقراء وعدد العاطلين عن العمل، بالتزامن مع انهيار الهيكل الاقتصادي ودخول الدولة في نفق التعثر المتفاقم . ثمة تشوّهات كبيرة في الإقتصاد ، وتداعياتها الإجتماعية والمالية والمصرفية كبيرة. لكن من المتوقع ان تكون الأزمة اكثر حدة في لبنان خلال الايام المقبلة ، لأنها تحصل في سياق اقتطاع وتضخم ومعدل ​بطالة​ ناهز الـ40% ، وتوزيع غير عادل للدخل، وبنية تحتية مهترئة مع غياب شبه كامل للتقديمات الإجتماعية .

السياسات السيئة التي افضت الى الازمة البنوية قادت البلاد الى هذه الأزمة النقدية الحادة ،

وقضت على معظم القدرة الشرائية للمواطن .

اليوم ، خيارات الخروج من الأزمة محدودة. فلبنان مضطر الى طلب مساعدة مالية دولية لا مفر منها، أكان من ​صندوق النقد الدولي​ او من مجموعة أصدقاء لبنان، في حين بدأ ت تتكشف المعلومات عن محاولات مع بعض ​دول الخليج​ ومنها قطر للحصول على الودائع .

منذ مدة أشارت وكالة "​موديز​" للتصنيفات الائتمانية إلى أن مسعى ​لبنان​ للحصول على مساعدة محتملة من ​صندوق النقد​ الدولي و​​​البنك الدولي​​،​ له تأثير إيجابي على تصنيفه الائتماني ويقلل خطر اضطراب شديد في ​الاقتصاد​ الكلي.

وأكدت الوكالة أنه "دون دعم فني ومالي من ​صندوق النقد الدولي​ والبنك الدولي ومانحين دوليين، تزداد احتمالات سيناريو انعدام شديد في استقرار الاقتصاد الكلي، يتضمن حدوث إعادة هيكلة للديون مع فقدان حاد لاستقرار ربط العملة، وهو ما ينتج عنه خسائر كبيرة للغاية لمستثمري ​القطاع الخاص​".

صندوق النقد هو هيئة مخوّلة لدارسة وضع يشبه ما يمر به لبنان.

فكيف ستكون مساعدته وما هي شروطه ؟

كيف سيكون وضع ​القطاع المصرفي​ الذي يخشى مصيره المودعون بعدما شعروا انهم خدعوا واصبحوا ضحية تدابير مصرفية ضاغطة ، غير عادلة وغير قانونية ؟

بدارو

الاقتصادي الدكتور روي بدارو يقول " للاقتصاد": لا ننتظر ان يقدم صندوق النقد الدولي لنا المبلغ الكبير، فحصة لبنان هي اقل من ملياري دولار. و في حال حظي لبنان على القرض فان المبلغ سيكون اقل من 900مليون دولار . واذا اراد رفع قيمة المساعدة فان المبلغ لن يتعدى ال 3مليار دولار.

ولكن رغم ذلك، لن تحل المشكلة التي هي اكبر من ذلك بكثير، فهي مرتبطة بخيارات كبرى للدولة من سياسة خارجية كبرى وسياسات عامة داخلية. ومع اي خيار جيد من قبل الدولة علينا السعي للحصول على مساعدات عربية واوروبية و​اميركية​ وغيرها ...

فان تدخل صندوق النقد هو نوعا ما يزيد الثقة بالتزامات ​الدولة اللبنانية​ تجاه الدول المانحة .

وعلى لبنان التحاور مع صندوق النقد من اجل ايجاد خطة اقل كلفة على الصعيد الاجتماعي ، وهي في نفس الوقت تسمح باعادة الانتظام المالي والنقدي في لبنان.

ويقول : شروط صندوق النقد عكس المسار اللبناني الحالي.

ومن اولويات هذه الشروط:

اولا: تأليف حكومة تضم مجموعة من الاقتصاديين اللبنانيين ، من اهل الاختصاص المشهود لهم بخبرتهم وكفاءاتهم وجديتهم ، عندهم الاستعداد الكامل للعمل بكل اخلاص .

ثانيا: منح الحكومة سلطة التشريع بموجب مراسيم، بدون الرجوع الى ​مجلس النواب​ واللجان ، وذلك لتسريع تنفيذ القرارات الضرورية المتخذة والمتعلقة بالقضايا الاقتصادية.

امام لبنان مدة اقصاها 90 يوما للتحرك بسرعة وانقاذ ما يمكن انقاذه بعد. لأنه اذا فرضنا ان ​مصرف لبنان​ قد سدد استحقاقات آذار ونيسان بعد اجراء عمليات "السواب" بسندات اليوروبوندز ، فلا يجب ان ننسى انه في كل يوم هناك شركات تنهار ، ومصارف تتعثر .

من هنا ، يجب التحرك بسرعة.

وتوقع انه مع الاعتماد على هذه الخيارات ، علينا الانتظار اقله ما بين 3 سنوات و 5 سنوات لكي يسترجع لبنان قسما من عافيته ، وليعود حجم الاقتصاد الى ما كان عليه 55مليار دولار في العام 2018 ، فيما انه لا اعتقد انه سيتجاوز ال 50مليار دولار في 2019.

ويلفت الدكتور بدارو الى وجوب ربط هذه الشروط بأخرى لا تقل اهمية ومنها عدم ابقاء لبنان كبلد مواجهة ، بل بابعاده عن سياسة المحاور ، مما يتيح له ان يكون ناضجا اقتصاديا ، بعيدا عن منطق الاستجداء والتوّسل . وبدون ذلك ، فمع استمرار ​هجرة​ ​الشباب​ وتراجع معدلات الانجاب ، سنجد ان لبنان اصبح دولة فيها القسم الاكبر من ابنائه في مرحلة الشيخوخة.

باختصار، امامنا 3 اشهر لاختيار طريق الانقاذ السريع والسليم .

دمج ​المصارف​ والشركاء الاجانب

وعن وضع ​المصارف اللبنانية​ وامكانيتها في الصمود يشير الى حل وحيد لانقاذ القطاع وهو تحقيق الدمج. فهناك عدد منها وضعه غير مطمئن . ولا يجب بالتالي ابقاء سوى عدد قليل من المصارف في السوق .

ويرى بدارو وجوب ادخال عدد من الشركاء الاجانب لرسملة المصارف اللبنانية . لقد طالب الحاكم بمبلغ 4 مليارات دولار من اجل زيادة الرسملة ، ولكن برأيه هذا الرقم غير كاف ، والمطلوب هو ما بين 20 و25 مليار دولار خلال العامين المقبلين.

من هنا ، من الضروري استقدام مصارف اجنبية لشراء حصص، وهي تكون اما عربية ، واما اوروبية واما اميركية .لقد منح مؤتمر سيدر لبنان مبلغ 11 مليار دولار من اجل القيام بمشاريع مختلفة ، فلا بأس من تخصيص مليار دولار منها لانشاء صندوق لضمان مخاطر الاستثمار الاجنبي في المصارف اللبنانية ، لأن هذا يطمئن المستثمرين ، ويحثهم على دخول الشرق الادنى من خلال منصة لبنان الى ​سوريا​ والعراق من اجل المساعدة في اعادة الاعمار.

اي اقتصاد في لبنان !

يشير بعض الخبراء الى انه منذ سنة 1992، تم ارساء اقتصاد منحرف ومختل، كان نتاجه دينا داخليا وخارجيا. اقتصاد استهلاك و​استيراد​ وليس انتاج مع استهتار كامل بالتقديمات الاجتماعية الملحة .

كما أن سياسة تثبيت سعر صرف الليرة المتبعة منذ سنة 1997 انتجت مشكلة وقد انتقدها الكثيرون من الخبراء ، سيما وانها عززت الموجودات في البنوك، وجعلتها اكبر 4 مرات من حجم الإقتصاد، وهذا خلق دولرة للاقتصاد ، فاصبح لبنان أسيرلعبة هذه العملة .

و في سياق تقييم السياسات المالية المطبقة يسجل انه كان يتم ضخ ما يناهز 70% من قيمة الإنفاق على الاجور وخدمة الدين والتحاويل الى شركة كهرباء لبنان على مدى ال 27 سنة ، دون ان يحظى الانفاق الإستثماري على بنية تحتية تعزز تنافسية ​الإقتصاد اللبناني​ باي حصة تذكر ، الى جانب تشريع ابواب ​التهرب الضريبي​ والجمركي ، والفساد في الادارة ، ومخالفات الاملاك البحرية والنهرية والصفقات بما يخدم توزيع الحصص وتكبير ثروات اصحاب النفوذ والسياسيين .

في منتصف الشهر الاول من العام 2020، لبنان بدون حكومة ، والشعب ينتفض على واقعه المرير الممزوج بالمرض و​الجوع​ والفقر، على حكامه غير العابئين لهمومه ، فيما النزيف مستمرفي الاقتصاد ، والمنطقة في قلب ​العاصفة​ التي ستولّد واقعا جديدا فهل من جهة تلبي دعوة اسعاف لبنان؟