ما بين تأجيلات الإستشارات النيابية المتكرّرة، والأحداث الأمنية التي يقدُّر لها أن تكون ليلية، يقفُ الاقتصاد اللبناني على شفا انهيار تتشعّب فيه الأزمة من مالية ونقدية واقتصادية تطال كافة القطاعات. تغيب الحلول فترتفع الأسعار.. تندر قرارات وزراء تصريف الأعمال فتصاب قطاعات بالشّلل.. يتأجّل تشكيل الحكومة فتغيب الثّقة بالاقتصاد.. نقترب من الإنهيار فتمهد وكالات التصنيف الائتمانية الطريق.

القطاع الصناعي الذي يعيش كغيره من القطاعات فصول الأزمة في لبنان، أعطى قبل أيام مهلة للمعنيين قبل بدء التصعيد، وذلك لغياب المواد الأولية وعدم القدرة على الإستيراد لأسباب عدة والخوف الأكبر ينصب اليوم على الـ 150 ألف موظف في قطاع الصناعي.

وكان لـ "الاقتصاد" مقابلة خاصة مع نائب رئيس جمعية الصناعيين ​زياد بكداش​، للحديث عن الأزمة الحالية، وخطوات تصعيد الصناعيين، ومصير آلاف العمال:

- أي مصير ينتظر قطاع الصناعة؟

"ككل القطاعات، إن القطاع الصناعة في لبنان متضرر بشدة والصناعة أكثر من غيرها تعاني اليوم لأننا نعاني أزمة مواد أولية.

والمصانع التي تُصدِّرُ عادة، تُحضر في المقابل مالاً وعملة صعبة نظير السلع المصدّرة، والمُصنِّع بشكل عام، لديه الحق ليعيد استخدام هذا المال لاستيراد المواد الأولية لإبقاء عجلة الصناعة في دوران.

هناك الكثير من المصانع لا تصدّر إنتاجها، وبيع سلعها تقتصر على الأراضي اللبناني، وعلى رأس هذه المصانع التي تختص بالتغليف، وبالتالي تفتقد هذه الصناعة اليوم للعملة الصعبة، ومن خلالها المواد الأوّلية، وهنا تتجلى بعض فصول الأزمة الجديدة. حيث أن المصانع الأخرى لا تستطيع العمل لأنها تعتمد على التغليف، وإذا توقفت مصانع التغليف عن العمل تتضرر المصانع كافة، ويطالُها التوقف القصري، وهذه السلسلة تربط المصانع ببعضها في مجالات مختلفة.

- وأين تكمن المشكلة الأساسية للصناعيين اليوم؟

"ما يحصل اليوم، أن المُصنّع يقبض من ​التجار​ والزبائن بالليرة اللبنانية، ويلجأ إلى الصرافين ليحصل على الدّولار ويدفع 30 % فرق سعر صرف العملة.

كنا نعمل بزخم منذ بداية العام، ووجد المعنيّون حلولاً لمشاكل الكلف والإغراق وكل ما يتعلّق بالصناعة، وكانت الأمور إلى تحسّن، إلى أن جاءت الأزمة الجديدة وتأثرنا بإجراءات ​المصارف​.

الإجراءات القاسية التي اعتمدتها المصارف وتفاجأنا بها، أضرت الكثير من الصناعيين، نتيجة فقدان التسهيلات المصرفية وعدم القدرة على سحب الأموال اللازمة لتغطية الاستيراد و​الأجور​ والأكلاف على أنواعها.

ونحن اليوم نعيش في دوّامة، وأسبوعياً نتبلّغ من المصارف بقرارات وإجراءات مختلفة، وهذا الأسبوع تفاجأنا بخفض جديد لسقوف كانت قد أعطيت لنا للسحب الأسبوعي، وهو ما سيترتب عليه مزيداً من الأعباء."

- ما مصير العمال في قطاع الصناعة في ظل الأزّمة؟

"في قطاع الصناعة اليوم، يوجد 150 ألف عامل لبناني، ومن غير السهل الإستغناء عن أي فرد منهم، نتيجة الخبرات التي باتوا يتمتّعون بها.

كل مَصنعٍ لديه خصوصيّاته، وعندما تنتهي المواد الأولية في أي مصنع فإنه سيلجأ للإغلاق.

وهنا أذكر بعض إيجابيات الصناعة والإستثمار فيها على الصعيد الإجتماعي، إذ إنَّ كل 50 ألف دولار إستثمار في القطاع الصناعي، تثمر وظيفة واحدة، وكل وظيفة واحدة في القطاع الصناعي، تساهم في 2.2 وظيفة في القطاعات الأخرى.

والمليون دولار اليوم في الصناعة تساهم في 20 وظيفة عمل، وهنا أهمية هذا القطاع."

- ما الذي يميز قطاع الصناعة عن باقي القطاعات في ظل الأزمة؟

الأزمة في الصناعة أصعب، نتيجة وجود مواد أوّلية تستورد من الخارج، أما ما نعانيه اليوم فهو أن كل المورّدين كانوا يصدّرون بضائعهم إلى المُصنِّع في لبنان، وكان الدّفع يجري بعد نحو 90 يوماً، أما اليوم فالمُورّد الأجنبي لم تعد لديه ثقة بلبنان عامّة، وبات يقول إن السوق مضطرب، وبتنا إلزاماً على الصناعيين الدفع نقداً للمُورّد، دون أي تسهيلات من الخارج والداخل.

والصناعة بحاجة لتسهيلات نتيجة أن المواد الأوّلية بحاجة لوقت محدّد، يتراوح بين أسبوع و 3 أشهر ليتم التصنيع، وكانت هذه التسهيلات تعطى للمُصنِّع من قبل المُورِّدين و​المصارف اللبنانية​، واليوم لا توجد تسهيلات من هاتين الجهتين."

- هل تواصلتم مع المعنيين للحصول على بعض التسهيلات لمواجهة الأزمة؟

"إن الوزراء المعنيين غير قادرين على القيام بأي إجراء يخفف الأعباء على الصناعيين اليوم، ووزير الصناعة وحده لا يستطيع إيجاد حل وحده."

- كيف تأتي الحلول؟

"أولاً، حكومة تضم وزراء يستطيعون معالجة الأزمات بحسب اختصاصهم والنهوض في جميع القطاعات ومنها الصناعة.

المطلوب لجم الصرّافين، فلو كان الفرق بين سعر صرف الرسمي والصرافين 10 %، يستطيع الصِناعي تحمّلها، ولكن الفرق الذي وصل إلى 30 % و 35 % ولّدت الأزمة الحالية.

- كيف أثّرت الأزمة في الصناعة على أسعار السلع الأخرى وخاصة الاستهلاكية؟

هناك تأثير أكيد للأزمة الصناعية على باقي القطاعات، وهنا أعطي مثالاً: إذا حُصدت الخضراوات بأنواعها من الأرض في لبنان، أليس هناك حاجة للمعلّبات حتى يتم عرضها على ​المستهلك​؟

وما يحصل اليوم هو التّالي، يذهب المُصنِّع إلى الصراف ويدفع فرق سعر الصرف ويخسر بين 30 % و 35 % من ماله، للحصول على المال لاستيراد مواد أولية ليُصَنع في لبنان، وبالتالي هذا يرتّب زيادة في الأسعار يتحمّل الصناعيون جزءاً منها، والمواطن الجزء الآخر."

- أيهما أوفر اليوم.. الصناعات المستوردة أو المصنّعة محليّاً؟

"لو كنا في وضع طبيعي لكانت الصناعة تسير في مسار إيجابي اليوم، بسبب أن الصناعة المحلّية اليوم في ظل أزمة سعر صرف العملة مازالت أرخص من السلع المستوردة.

التاجر سيشتري الصناعات الخارجية بأسعار أعلى بسبب سعر الصرف، أما الصناعات المحلية فستكون أرخص، لأن التكلفة لا تنصب كلها على المواد المستوردة اللازمة للتصنيع، بحيث أن 50 % من الكلفة مخصصة لهذه المواد، والـ 50 % هي لليد العاملة اللبنانية وهنا تبقى السلعة المصنعة محلياً أرخص.

- ما الخطوات التصعيدية التي ستتخذونها ومتى يُعلن عنها؟

"الخطوات ستُعلن الأسبوع الجاري أو بداية الأسبوع المقبل على أبعد تقدير، والأربعاء ستجتمع لجنة داخلية للصناعيين وهي قاعدة تضم 1000 صناعي، للبتِّ في قرارات التصعيد.

هناك عدّة سيناريوهات واللجنة تقرر الأنسب والأفضل للصناعيين الموجوعين والخوف كل الخوف على العمال الصناعيين أصحاب الوجع الأكبر."