دخلت التحركات الشعبية اللبنانية يومها الثامن متجاوزةً كافّة المحاولات لإفشالها، بدءاً من الأسلوب العنيف الذي تعاملت به القوى الأمنية مع المتظاهرين في اليومين الأول والثاني، الى ورقة الرئيس سعد الحريري السحرية التي لم ترقَ بالنسبة للمتظاهرين لأن تعتبر "محاولة"، إلى استزلام عناصر الأحزاب في بعض المناطق على شركائهم في الوطن، لمحاولة وضع الجيش بوجه المتظاهرين يوم أمس.

اقتصادياً، توافق أهل المعرفة في هذا المجال على أن ورقة الحريري التي استغرق وضعها 72 ساعة، جاءت سيريالية بعض الشيء، وأكبر دليل على ذلك هو تحول مستهدف الحكومة (بوحي إلهي) من خفض العجز الى 7% في العام 2020 قبل الحراك الى 0.6% بعد الحراك.

ولمعرفة رأي ​المصارف​، التي دخلت يومها السادس من الإقفال، حول كافة التطورات وعن صحة كونها جزءاً من المشكلة في البلد، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع رئيس قسم الأبحاث والدراسات في "​بنك ​بيبلوس​" الخبير الإقتصادي ​نسيب غبريل​:

في أول تعليق لمؤسسة عالمية على ورقة الحريري، حذّرت وكالة ​التصنيف الائتماني​ الأميركية "موديز​"، من أن الثقة بقدرة الحكومة اللبنانية على خدمة ديونها قد تتقوض بدرجة أكبر، بسبب خطتها لإجبار ​​المصارف التجارية​​ على القبول بسعر فائدة أقل على دينها، ما هو رأيك بهذا التقرير؟

لا أستغرب من الوكالة تحذيرها، جوابها كان سريع على ورقة غير واضحة أصلاً. عدد كبير من البنود التي وردت في الورقة هي شعارات وعناوين بدون أية تفاصيل أو فترة زمنية معيّنة للتطبيق، كما أن هناك أمور جاءت من باب التمنّي وهي بعيدة عن الواقعية. ومرّة أخرى، جاء التركيز على الضرائب و​القطاع المصرفي​.

لا يمكننا تسميتها بالورقة، بل هي لائحة بنود تم وضعها بسرعة كبيرة تحت الضغط الشعبي. وبعض البنود هي أمور نطالب بها منذ سنوات كإشراك القطاع الخاص مع ​القطاع العام​ بإدارة مرافق حيوية كالكهرباء والإتصالات، ولكن هدف خفض العجز الى 0.6% في العام 2020 فجأةً من 7.6% في العام 2019 (وفقاً لأرقام ال​موازنة​) مفاجئ جدًّا وخاصةً أن موازنة العام 2020 قبل التحرك الشعبي كانت شبيهة بموازنة 2019.

هذا النهج الذي تتبعه الحكومة غير مقنع، لذلك، وقبل أن نسأل حتّى عن تفاصيل هذه البنود، يجب أن نسأل عن مصداقية هذه الحكومة. هناك أزمة ثقة بين المواطن اللبناني والمغترب والقطاع الخاص من جهة والحكومة والسلطة السياسية من جهة أخرى.

إذاً يمكننا الإستنتاج بأنه حتى ولو وافق اللبنانيون على هذه الورقة فإن الحكومة كانت ستواجه مشكلة في الإتفاق مع المصارف؟

نعم يمكن أن يحصل ذلك، البنود غير واضحة، فاجأتنا تماماً كما فاجأت اللبنانيين. قيل بعد اجتماع مجلس الوزراء أن هناك ضريبة استثنائية 25% على أرباح المصارف في العام 2020 لإدخال ما يوازي 400 مليون دولار الى الخزينة، ثمّ سمعنا أن الأمر ليس بالضرورة أن يحصل عبر ضريبة وأن الدولة يهمّها فقط الحصول على مبلغ الـ 400 مليون عبر طريقة يتفق عليها "​مصرف لبنان​" مع المصارف. هناك بند آخر غير واضح وهو الذي يقضي بامتناع الحكومة اللبنانية عن دفع فوائد ​سندات الخزينة​ لـ"مصرف لبنان" وهذا الأمر تراه وكالات التصنيف "تعثّر بالدفع انتقائي – Selective Default". الخلاصة أنهم، ومجدداّ، وضعوا العبء على "مصرف لبنان" والمصارف التجارية، من دون إيضاحات، لذلك، عقدت ​جمعية المصارف​ يوم أمس اجتماعاً مع الرئيس الحريري، كما عقد ​حاكم مصرف لبنان رياض سلامه​ بدوره اجتماعاً مع الرئيس الحريري أيضاً، ومن المفترض أنهم الآن بصدد دراسة هذه البنود. 

ألا ترى أية بنود إيجابية في الورق، كبند إعادة دعم الإسكان مثلاً؟

لا يوجد في الورقة أية حوافز لـ"الإقتصاد"، وكما العادة لا نسمع الا الوعود وفي النهاية لا نرى الا الزيادات الضريبية. الأزمة اليوم أزمة ثقة وعليهم التوقف عن نكران وجودها.

أما بخصوص بند الإسكان "ما يربحونا جميلة بهيدا الموضوع". هنا يجب أن نشكر "​بنك الإسكان​" ورئيس مجلس إدارة "بنك الإسكان" ​جوزيف ساسين​ الذي سافر في بداية العام الى ​الكويت​، بالرغم من العراقيل التي واجهها، وتفاوض مع "​الصندوق الكويتي​" للحصول على قرض ميسّر بقيمة 50 مليون دينار، وكان من المفترض أن تعود القروض السكنية منذ 6 أشهر، الى أن دخلت ​المؤسسة العامة للإسكان​ على الخط وطلبت إشراكها بهذا المبلغ، وهذه ليست طريقة عمل الصندوق الكويتي. اليوم قرّروا ان يبقى هذا القرض لبنك الإسكان على أن تقوم المؤسسة بتدبير قرض خاص بها.

اليوم، ومن شعارات المتظاهرين يمكننا أن نفهم أن ثقتهم مفقودة بالقطاع المصرفي أيضاً، بل أنهم يعتبرونكم جزء من المشكلة وشركاء السلطة، ما هو التبرير الذي تقدمونه لهم؟

لا يمكنني استخدام كلمة "مبرّر"، أتفهّم وجع الشعب المنتشر اليوم في كل ساحات لبنان ولكن الطبقة السياسية هي التي رأت أنه من المناسب استخدام المصارف التجارية و"مصرف لبنان" للتهرب من مسؤولياتها.

منذ العام 2002، المصارف تنادي بالإصلاحات البنيوية والشفافية والحوكمة الرشيدة وتفعيل الجباية ومكافحة التهرب الضريبي والهدر، وطبعاً كلها لم تطبّق نتيجة المنافسات السياسية. كما ساهمت بمؤتمر "​باريس​ 2" والقروض الإسكانية التي لم تكن مسؤوليتها الا أنها ملأت الفراغ في الملف السكني الذي أهملته السلطة. المصارف تساهم بـ60% من إيرادات الخزينة من الضريبة على أرباح الشركات و 33% من إيرادات الخزينة من الضرائب على الأموال المنقولة في كل لبنان ، 20% من إيرادات الخزينة من الضريبة على الرواتب و​الأجور​. وأخيراً وليس آخراً، المصارف تساهم ببقاء خدمة الدين عند مستويات مقبولة (هذا لا ينفي أننا مع تخفيض هذه الخدمة وحجم الدين العام...هذا أمر نطالب فيه منذ سنوات).