رفض شهر أيلول 2019، مغادرة هذا العام، من دون أن يترك بصمة سلبية على الأوضاع المالية والإقتصادية والإجتماعية. نهاية أيلول حملت معها أزمات بالجملة، انفجرت في وجه ال​لبنان​يين دفعة واحدة، وذلك على ايقاع أزمة شح الدولار الأميركي، لدى القطاع المصرفي اللبناني، في مقابل إرتفاع سعر الدولار في السوق الموازية (مؤسسات الصيرفة) إلى مستوى 1620 ليرة للدولار الواحد.

واقع إرتفاع الدولار في السوق الموازية، وعدم توافره إلا ما ندر في الجهاز المصرفي، ولد أزمات خانقة في قطاعات عديدة، في مقدمها قطاع ​المحروقات​ وقطاع ​القمح​ وقطاع الأدوية، التي وجدت نفسها أمام أزمة عميقة، لم تختبر مثيلاً لها منذ سنوات طويلة. هذا الأمر انفجر فجأةً في الشارع وتحديداً يوم الخميس الماضي، حينما أقفلت محطات المحروقات، فشهدت بيروت ومعظم المناطق اللبنانية ازدحاماً ​شديد​اً للمواطنين أمام محطات المحروقات، في مشهد ذكر الكثيرين بأيام الحرب الأهلية. كما أعلن تجمع أصحاب المطاحن في لبنان، تراجع احتياط القمح، وذلك بسبب أزمة إرتفاع الدولار لدى الصيارفة وعدم توافره في ​المصارف​.

أمام المشهد المأزوم، وخوفاً من إنفجار الوضع الإجتماعي، سارع رئيس الحكومة سعد الحريري، إلى إجتماع عاجل مع نقابة أصحاب المحطات وشركات توزيع المحروقات، أفضى إلى رفع الإضراب، بعد وعود للطرفين المذكورين، بإعتماد ​آلية​ جديدة، لإستيراد وتوزيع وبيع المحروقات، على أساس السعر الرسمي للدولار الأميركي، أي 1507 ليرات.

وفي خطوة موازية، وداعمة لتهدئة الوضع، أعلن حاكم مصرف لبنان، أن المصرف سيصدر يوم الثلاثاء المقبل، تعميماً، يلحظ بموجبه إعتماد آلية جديدة، لتنظيم عملية إستيراد المحروقات والقمح والأدوية، وذلك في خطوة تهدف إلى كسر الجمود القائم في الأسواق، نتيجة ​الوضع النقدي​.

وبإنتظار ما سيحمله الأسبوع الطالع، يبقى الإقتصاد اللبناني في دائرة الوهن الشديد، اذ سجلت جميع مؤشرات القطاع الحقيقي، تراجعاً ملحوظاً في الأشهر المنصرمة من العام 2019. تراجع عدد عمليات المبيعات العقارية في الأشهر الـ 8 الأولى من هذه السنة بنسبة 18.3% سنوياً. كما انخفضت قيمة معاملات ​مبيعات العقارات​ بنسبة 23.5% خلال الفترة.

وسجل ميزان المدفوهات في نهاية شهر تموز أول فائض له (72 مليون دولار منذ أيار 2018). كما شهد ​العجز التجاري​ إستقراراً نسبياً خلال الأشهر الـ 7 الأولى من العام الحالي ليصل الى 10.2 مليار دولار، وفقاً لآخر ​احصاءات​ التجارة، الصادرة عن هيئة الجمارك اللبنانية.

في المحصلة، لبنان يعيش هذه الأيام، وضعاً صعباً، شديد التعقيد، لا سيما بعد أن تكشفت بوضوح، عيوب النموذج الإقتصادي اللبناني، الذي بات بحاجة إلى عملية "تجميل" سريعة، إن لم يكن بمقدور أهل الحكم إسقاط هذا النموذج في المرحلة الراهنة. المؤشرات كلها سلبية، والوضع النقدي يقلق بال اللبنانيين، فهل تقدم الحكومة على إنقاذ الوضع؟ أم أنها ستبقى تدور في الحلقة المفرغة؟