من دون مقدمات اقترح مجلس الانماء والاعمار اعادة احياء مشروع "لينور" لتأهيل ساحل المتن الشمالي ، وعرض الامر على ​مجلس الوزراء​ الاسبوع الماضي فنال منه تكليفا ، بالتنسيق مع المجلس الاعلى للخصخصة، لاعداد دراسة اولية لتحديث المشروع وعرضه مجددا على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار اللازم بشأنه.

هذه الصحوة المفاجئة بعد اكثر من عشرين عاما على مشروع تجاوزه الزمن ، وتشوبه شوائب كثيرة ، تعيد طرح النقاش حوله . فالمشروع الذي يعود الى التسعينات مخصص لتوفير اراض لاستعمالات تجارية مختلفة ولكنه يغفل أهمية اعادة وظيفة الشاطىء واستعادته للبلدات المجاورة وتجاهل انعكاسات هذا الامر على المستقبل العمراني والسياحي لساحل المتن. وعدا عن المآخذ التي تناولت المشروع في الاصل ، فقد لحق به تشويه خطير من جراء قيام مطامر للنفايات في كل من برج حمود والجديدة ، واستحداث كاسرات الموج التي تحول دون التواصل بين السكان والشاطىء ، ما يستدعي تطوير المشروع الاساسي واعادة تنظيم المنطقة المعنية ما بين نهر بيروت وانطلياس.

كذلك فمنذ اقرار المشروع في عام 1995، حصلت تعديلات كبيرة على جغرافية الشاطىء المعني ، فبالاضافة الى مكبي النفايات في كل من برج حمود والجديدة بعد ردم مساحة من البحر، جرى استحداث مساحة مردومة لإنشاء محطة التكرير التمهيدية للصرف الصحي ، كما تخصيص قطعة أرض لكل من بلدية برج حمود وبلدية الجديدة/ البوشرية في عام 2016 وإنشاء عبّارة خرسانية لتمديدات شركات ​النفط​ و​الغاز​، واخيرا تأهيل ​مرفأ​ الصيادين في برج حمود. وكل هذه التعديلات تعيق جذريا مشروع "لينور" .

الذريعة الاساسية المقدمة لاعادة احياء " لينور" هي إنشاء الطريق البحري من محطة شارل حلو إلى الضبية. وهي الطريق التي يمكن إنشاؤها اليوم قبل الغد، فلا رابط فعلياً بينها وبين المشروع، بما أن الاستملاكات ستكون في كل الأحوال على عاتق الدولة.

ومع تجدد الحديث عن هذا المشروع تجدد الحديث عن ​المحاصصة​ السياسية والطائفية فقد كان مشروع حين طرح بمثابة النسخة المسيحية لمشروع "​سوليدير​"، الذي يقابله أيضاً مشروع "أليسار" كـنسخة شيعية عند شاطئ الضاحية الجنوبية. وفقا لبعض الصحف . وبالنتيجة، رفضت الثنائية الشيعية "اليسار" لانه سيهجر سكان الاوزاعي ، وهم في غالبيتهم الساحقة بنوا منازلهم على اراضي الغير، ولم يجد "لينور" الدعم السياسي اللازم فتجمد ، وبالتالي لم ينجز سوى مشروع "سوليدير".

شبهة اخرى تحوم حول الموضوع تعلق بمساحة الاراضي التي ستكتسب من عملية ردم البحر والتي تفوق قيمتها مليار دولار، وتدور حولها الكثير من الأطماع .

في المقابل أحالت وزارة الاشغال العامة والنقل في العام الماضي على المجلس الاعلى للخصخصة مشروعا طموحا يغطي على مشروع "لينور " لانه يحقق اهدافه ، ويزيد عليها باقتراح حل ينهي ازمة العبور الى الشمال ، تحت عنوان "طريق الشمال السريع " ، وقد اعدته مجموعة من المستثمرين في ضوء مؤتمر "سيدر " والحديث عن مشاريع لتأهيل البنى التحتية بقيمة 12 مليار دولار .

يتضمن المشروع الانشاءات التالية:

1- انشاء طريق سريع مقفل ما بين نهر بيروت ونهر ابراهيم ، يقام على الاملاك العامة المتوفرة ، لتحاشي الاستملاكات الباهظة التكلفة ، والتي يتطلب انجازها مهلا طويلا ، ما يعطل امكانية التقيد بالمهل المطلوبة للانجاز ، وتتضمن هذه الطريق خمسة محولات دخول وخروج بالاضافة الى النفق المشار اليه في الفقرة التالية .

2- انشاء نفق بطول 11 كلم ما بين نهر الكلب وطبرجا يوفر مسارين في كل اتجاه ، قابلة للتوسعة الى ثلاثة مسارات في المستقبل، ومجهز باحدث وسائل الوقاية و​الامان​ لراحة العابرين وسلامتهم.

3-اعادة دراسة وتنظيم وتطوير منطقة (لينور)لاعادة تكوين الشواطىء البحرية ذات المشهدية المميزة الجاذبة للمستحمين وللسياح ولاعادة التواصل بين السكان وبحرهم .

4- اقامة المنشآت البحرية وكاسرات الموج لحماية الشواطىء الرملية ولتجهيز المساحات المستعادة والمستحدثة بالبنى التحتية والطرقات والحدائق العامة والساحات وممرات المشاة .

5-دراسة ومعالجة مطامر النفايات التي تراكمت في منطقة "لينور" لمنع اضرارها وللتخلص من افرازاتها وتحويل مواقعها الى حدائق عامة وملاعب وسوى ذلك من المنشآت العامة.

6-جرف الرواسب المتراكمة في جوار الشاطىء الى عرض البحر وضخ الرمول من البحر لردم واستدامة الشواطىء الرملية المستحدثة .

7- مواكبة تنفيذ المشروع ، مع بلورة الحلول للمشاكل المستعصية المعطلة للنمو الاقتصادي ولرفاه المواطنين ، وبشكل خاص :

أ-اعادة تنظيم وتجهيز الاوتوستراد الحالي العابر للتجمعات السكنية والتجارية وتحويله الى طريق حضري،صالح لتوفير وسائل النقل العام لخدمة السكان على جانبيه،وانشاء مسارات وممرات ومواقف واشارات ضوئية ، مع المحافظة على الاساسية للطريق لتنقل من لايرغب استخدام الطريق السريع.

ب-توفير المكان في جوار نهر بيروت لاقامة مجمع حديث لمعالجة المياه المبتذلة و​النفايات الصلبة​ لبيروت والمتن ، ومن الممكن ان يقضي عقد المشروع باسناد مسؤولية تنفيذ وتشغيل هذا المجمع الى الشريك الخاص.

تبلغ الكلفة التقديرية للمشروع ملياري دولار لن تدفع الدولة منها ليرة واحدة ،اذ يمكن تنفيذه بالتعاون بين القطاعين العام والخاص.نصف الكلفة مخصصة لانشاء الطريق السريع(بما في ذلك النفق ) والنصف الآخر يكرس لتطوير وتجهيز ساحل المتن. يضاف الى هذا المبلغ حوالى نصف مليار دولار لبناء مجمع معالجة المياه المبتذلة والقمامة الصلبة ومجمع خزانات النفط في الاماكن المخصصة لكل من المجمعين اذا تم اعتماد هذا الخيار.

يمكن للقطاع الخاص في ​لبنان​ ، بالتعاون مع الشركات الدولية ، ان يمول متطلبات المشروع ، لقاء العائدات التي ستجنيها شركة المشروع من عائدات استثمار طريق الشمال للمرور السريع والمرافق المستحدثة في المنطقة المعنية ، بالاضافة الى تملك نسبة من الاراضي الفائضة التي سيتم تقاسمها بين الشريكين العام والخاص.

الكرة في ملعب المجلس الاعلى للخصخصة المناط به التعاون مع مجلس الانماء والاعمار لتقديم الحل الامثل لمشكلة ساحل المتن ، فاما يعاد احياء مشروع " لينور" المجتزأ ، او يذهب البحث الى ابعد من ذلك ، اي الى مشروع اشمل واجدى من جميع النواحي.