تتكثف الاهتمامات العالمية في هذا الزمن ، ولكن ثمة مشكلة غير مرئية بعيدة عن سلم الاوليات وهي ترتبطبجودة ​المياه​. تداعياتها اكثر خطورة ، مما كان يُعتقد سابقًا وتتطلب اجراءات عاجلة.

في حين يتركز الاهتمام على كمية المياه اي الكثير من المياه ، في حالة الفيضانات ؛ وكمية قليلة جدًا من المياه ، في حالة ​الجفاف​ ،لم يتم الاكتراث بنوعيتها.

وهكذا بقيت الجودة غير معروفة فيما هناك سلسلة مخاطر تقع تحت سطح ​الماء​.

وتحديات نوعية المياه ليست محصورة بالبلدان النامية ولكنها عالمية ويعاني منها جميع البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء. فالدخل المرتفع لا يمنح الحصانة . التحديات مع الملوثات تنمو وتواكب ​الناتج المحلي​ الإجمالي.

نوعية المياه معقدة .وكذلك آثارها على الصحة والقطاعات الأخرى هامة.

وكشف مؤخرا تقرير صادر عن ​البنك الدولي​ أن بعض الملوثات في المياه تترك اثارا لم تكن معروفة سابقًا وهي دون مستويات المعايير الآمنة المعمول بها.

في الواقع ، ان التحديات تتسارع. تكثيف الزراعة ، وتغّيرات استخدام الأراضي ، ومعدلات هطول الأمطار الأكثر تقلبًا بسبب تغير المناخ والتصنيع المتنامي بسبب تطور البلدان جميعها عوامل مؤثرة . وهذا يعني زيادة عدد الطحالب في المياه التي هي قاتلة للإنسان والنظم الإيكولوجية على حد سواء.

ووفق البنك الدولي فان سوء نوعية المياه يهدد النمو ويضر بالصحة العامة ويعرّض ​الأمن الغذائي​ للخطر.

كيف تؤدي نوعية المياه الرديئة إلى إعاقة التقدم الاقتصادي وإعاقة إمكانات الإنسان وتخفيض إنتاج الغذاء ؟

نعم ، تلوّث المياه يهدد النمو الاقتصادي. إن وجود التلوّث في مصدرالمياه يكون بمثابة رياح معاكسة تقلل النمو الاقتصادي في اتجاه مجرى النهر.

فعندما يتجاوز الطلب على الأوكسجين البيولوجي (BOD) - وهو مقياس لمدى ​التلوث​ العضوي في المياه ومقياس بديل للجودة الكلية للمياه عتبة معينة ، ينخفض ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي في المناطق السفلية بمقدار الثلث.

في البلدان المتوسطة الدخل ، حيث يمثل الطلب الأوكسجيني البيولوجي مشكلة متزايدة بسبب زيادة النشاط الصناعي ينخفض ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي في المناطق المصابة بتلوث شديد إلى النصف.

هناك عدة أسباب لذلك ، بما فيها:

• النيتروجين في الماء يقصّر الناس ويقصّر حياتهم. يستعمل الكثير من النيتروجين المستخدم كسمادويخرج الى الأنهار والبحيرات والمحيطات حيث يتحول إلى نترات. النيترات في الماء هي المسؤولة عن إلحاق الضررب​الاطفال​ والتسبّب بمتلازمة الطفل الازرق Blue Baby، بعد منعالاوكسيجين عن أجسام الرضع .

تلوّث المياه الجوفية بالنترات، وما يرافقها منتدن في قدرة الاوكسجين على حمل الهيموغلوبين الى الرضع قد يؤدي إلى الموت. ويمكن تلويث المياه الجوفية عن طريق ترشيح النترات المتولدة من ​الأسمدة​ المستخدمة في الأراضي الزراعية أو مقالب ​النفايات​ أو ​مراحيض​ الحفر. وتم الإبلاغ عن حالات متلازمة الطفل الأزرق في قرى في ​رومانيا​ و​بلغاريا​، وكان الاعتقاد دائما أنها ناجمة عن المياه الجوفية التي تعرضت للتلوث مع ارتشاح النترات من مراحيض الحفر.

وفي غضون ذلك ، يلفت التقريرالى أن أولئك الذين نجوا من عواقب التعرض المبكر للنترات لم ينجوا من أضرار طويلة الأجل رافقتهم طيلة حياتهم ؛ يكبرون في العمر ولكن قامتهم لا تواكب السن . ويكسبون أقل مما كانوا سيحصلون عليه. التقزم هو مؤشر لخطر العجز الجسدي والمعرفي.

بينما يزيد كيلوغرام إضافي من سماد النيتروجين في الهكتار الواحد من الغلة الزراعية بنسبة تصل إلى 5٪ ، فإن الجريان السطحي المصاحب في الماء يمكن أن يزيد من التقزم عند الأطفال بنسبة تصل إلى 19٪ وتقلل من إيرادات البالغين بنسبة تصل إلى 2٪. هنا التحدي بين استخدام النيتروجين لزيادة ​الإنتاج الزراعي​ وتخفيف استخدامه لحماية صحة الأطفال.

• الملوحة تقلل الإنتاج الزراعي. تنتشر المياه المالحة في التربة في معظم أنحاء العالم بسبب زيادة معدلات استخراج المياه ،والجفاف و هطول الأمطار ،وارتفاع منسوب مياه البحر وسوء إدارة شبكات الري. يوضح هذا التقرير أن المحاصيل الزراعية لا تناسبها اي زيادة للملح في الماء. مما يعني أن اي زيادة للملح في الماء تسفر عن تراجع في محصول الغذاء للعالم.

يكشف هذا التقرير أيضًا عن ضياع ما يكفي من الغذاء بسبب المياه المالحة سنويًا لإطعام 170 مليون شخص يوميًا - أي ما يعادل دولة بحجم بنغلادش. إن مثل هذه الخسارة الكبيرة في إنتاج الأغذية في المياه المالحة تعني أن الأمن الغذائي سيستمر في التعرض للخطر ما لم يتم اتخاذ أي إجراء.

التوقعات صادمة . لكن التغيير ممكن. هناك حاجة إلى زيادة الوعي والوقاية المعززة و​الاستثمارات​ الذكية باستخدام التكنولوجيا الجديدة لمواجهة موجة تلوّث المياه.

التحدي موجود لكنه ليس مستحيلا . توجد حلول للبلدان في جميع مراحل التنمية. والمسألة تتطلب مزيجًا من الأساليب التي تركز على المعلومات والوقاية والاستثمار.

تتمثل الخطوة الأولى في مواجهة ازمة جودة المياه في التعرف على حجمها. يحتاج العالم إلى معلومات موثوقة ودقيقة وشاملة تمهيدا لا كتشاف رؤى جديدة. ويمكن أن يكون صنع القرار قائماً على الأدلة وكذلك بامكان المواطنين الطلب باتخاذ إجراء. يعد تشجيع وتمكين هذه المعلومات ومشاركتها أمرًا ضروريًا للسيطرة على تلوّث المياه.

الوقاية خير من العلاج. على الرغم من أن أشعة الشمس قد تكون أفضل المطهرات ، إلا أن التشريعات والتنفيذ ضرورية أيضًا لتنظيف مجاري التلوث المائية في العالم.

باختصار ، يجب معالجة التلوث الذي لا يمكن منعه. الاستثمارات في معالجة المياه العادمة هي خطوة أولى من اجل مستقبل أنظف.

في ​لبنان

اما في لبنان ، فتلوّث المياه حدّث بلا حرج. وبناء لنتائج الدراسة التي تعدها مصلحة الأبحاث الزراعية، ان مياه لبنان بمعظمها ملوثة بنسب متفاوتة، تلوثاً جرثومياً وكيميائياً وبال​معادن​ الثقيلة. ووصلت نسبة التلوث في بعض الشواطىء لا سيما الصناعية وذات الكثافة السكانية الى نسبة 100%، ومنها بيروت و​عكار​ وبعض مناطق الجبل والبقاع، وفق النتائج المذكورة.

انها مشكلة حقيقية وخطيرة، ذلك ان التغيير المناخي وزيادة مفعول التلوث وانخفاض هطول الأمطار أدت الى تفاقم الواقع البيئي والجرثومي. وقد كشفت الفحوص وجود ملوثات كيميائية وجرثومية ومعادن ثقيلة ومنها الزئبق في مختلف الشواطىء وحتى الأنهار والينابيع، ويعود ارتفاع نسبة الزئبق في بعض الأنهار الى صب مجارير الساحل والجبال في البحر وعدم معالجة مشكلة النفايات بطريقة صحيحة.

وتشكل الامراض المرتبطة بالمياه، وخصوصا الاسهال، إحدى الاسباب الرئيسية للوفاة أو الاعتلال بين الاطفال تحت سن الخامسة. كذلك، تجر المشاكل الصحية الناجمة عن التعرض للملوثات المائية تكاليف للرعاية الصحية وتتسبب بالتغيّب عن العمل. كما تصيب أمراض حمى التيفويد والتهاب الكبد الناجمة عن نوعية المياه الرديئة عدداً كبيراً من الناس في كل المناطق . وباإلضافة إلى الآثار الصحية، تزيد رداءة المياه من تكاليف معالجتها وتدفع الناس إلى شراء المياه المعبأة بكميات تفوق تلك التي قد يشترونها عادة لو كانت مياه الشرب النظيفة متوافرة لهم. وقد أجرى مركز بحوث التنمية الدولية بالتعاون مع المركز الوطني للدراسات العلمية وجمعية الدراسات التنموية والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، دراسة ركزت على نهج قائم على النظام الايكولوجي من أجل إدارة مستدامة لنهر الليطاني.

واليوم قضية تلوّث مياه الليطاني تشكل تحديا كبيرا ومسؤولية تتقاسمها عدة وزارات على امل ان نصل الى صفر تلوّث .