انتهت يوم أمس الجمعة، ولو مؤقتاً، "همروجة" مؤسسات التصنيف الدولية التي حازت على اهتمام غير مسبوق ليس من قبل ​أركان​ الدولة فحسب، إنما من قبل الناس من دون استثناء، الذين وجدوا أنفسهم فجأة وسط خضم التصنيف السيادي للبنان وإن كانوا بغالبيتهم لا يعلمون من الموضوع أي شيء، إنما تضخيم الحكومة ومن خلفها وسائل الإعلام في موضوع التصنيف جعل منه "نجماً" طوال الأسبوعين الماضيين.

وعلى رغم نجاح لبنان وبدعم واضح ومباشر من الولايات المتحدة الأميركية في إقناع مؤسسة التصنيف الدولية "​ستاندرد آند بورز​" في الإبقاء على التصنيف السابق للبنان "-B" بعد أن كانت المؤسسة في صدد الإعلان عن تخفيض التصنيف الى "CCC"، جاءت المفاجأة غير السارة من قبل ثاني مؤسسات التصنيف الدولية "​فيتش​"، لتؤكد المؤكد ولتعيد الأمور الى نقطة البداية من خلال تخفيض تصنيفها لدين لبنان السيادي من "B-" الى "CCC". هذا التصنيف المباغت والذي فشلت الحكومة في تأجيل الإعلان عنه كما نجحت مع "ستاندرد آند بورز"، وضع لبنان عموماً وقطاعه المصرفي خصوصاً أمام تحديات كبيرة وخطيرة تتطلّب أولاً وأخيراً من ​الحكومة اللبنانية​ اجراءات احترازية وجدية على مستوى الإصلاح المالي والإقتصادي في العام 2020، وإلا فقد تعود مؤسسة "ستاندرد آند بورز" في غضون ستة أشهر من تاريخه الى تخفيض تصنيف لبنان الى درجة "CCC" وعندها يصبح لبنان بالمفهوم الدولي من الدول غير القادرة على تسديد ديونها.

وبالعودة الى تقرير "فيتش"، فقد استند في تخفيضه ​التصنيف الإئتماني​ لدرجة "CCC" الى تراجع الإحتياطات المالية لدى "​مصرف لبنان​" والى تباطؤ حركة دخول الأموال الى ​المصارف​، وهو أمر يعني عدم وجود سيولة كافية في السوق اللبناني وعدم قدرة المصارف على تمويل ​الدولة اللبنانية​.

وكان "مصرف لبنان" انشغل طوال أسبوع كامل في معالجة الأسباب التي استندت اليها مؤسسة "فيتش" في تصنيفها للبنان، حيث طالب المصرف بإعادة النظر في هذا التصنيف بناءً على معلومات إضافية زوّد بها المصرف المؤسسة إلا أن الأخيرة أصرّت على موقفها.

وأمام المخاوف التي أثارها تقرير "فيتش"، أصدرت وزارة المال بياناً ليل أمس أفادت من خلاله بأن تصنيف "فيتش" و"ستاندر آند بورز" يذكران بأهمية "خفض العجز المالي وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي بدأنا بها، وسنزيد وتيرتها في ​موازنة​ العام 2020 وما بعد".

وفي استطلاع رأي لـ"الإقتصاد" مع عدد من الخبراء الإقتصاديين المحليين حول تقريري "ستاندرد آند بورز" و"فيتش"، كان الرأي الجامع أن "المؤسستين المذكورتين عكستا في تقريرهما حقيقة ​الوضع المالي​ والإقتصادي الراهن في لبنان، لكن هذا لا يعني أن لبنان بلغ فعلاً درجة الإنهيار، إنما علينا أن نستفيد من هذه الفرصة لننطلق بسرعة في عملية الإصلاح الإقتصادي والمالي لا سيما وأن لبنان لا يزال يملك الكثير من الإمكانات والمقومات التي تمكّنه من مواجهة التحديات الراهنة والخروج منها لاحقاً وبسرعة في حال باشرت الحكومة وتحديداً من خلال موازنة 2020 في تنفيذ ورشة الإصلاحات الموعودة والإستفادة من ​قروض​ "سيدر" لتحريك عجلة الإقتصاد وتسريع وتيرة النمو. وعند ذلك، يمكن لمؤسسات التصنيف الدولية إعادة النظر بدرجة تصنيف لبنان وهو الأمر الذي تم التوافق عليه بين لبنان و"ستاندرد آند بورز"، التي وافقت على منح لبنان فترة سماح لستّة أشهر لإعادة النظر بتصنيفها السيادي له".

الجدير ذكره أن احتياطي "مصرف لبنان" يشهد منذ بداية العام الحالي تراجعاً ملحوظاً نتيجة اضطرار المصرف الى تسديد استحقاقات يوروبوندز عن الخزينة اللبنانية، كما أن الودائع المصرفية تشهد تراجعاً ملحوظاً مقارنةً مع العام 2018 وما قبله، أضف الى كل ذلك استمرار انعدام نسب النمو نتيجة تراجع النشاط الإقتصادي في مختلف القطاعات باستثناء ​القطاع السياحي​ الذي شهد هذا الفصل تحسّناً ملحوظاً.