أعلنت إدارة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، بداية الأسبوع الجاري، عن تصنيفها للصين كـ"دولة تتلاعب بالعملة" متّهمةً ​بكين​ بعدم الوفاء بالتزاماتها في المفاوضات لإنهاء النزاع التجاري المستمر منذ عام بين الدولتين، وذلك بعد أن سمح "البنك المركزي ​الصين​ي" بهبوط سعر عملته إلى ما دون 7 يوان مقابل ​الدولار الأميركي​ لأول مرة منذ 10 سنوات.

ونتيجة لذلك سيدعو وزير ​الخزانة الأميركية​ ستيفن منوتشين "صندوق النقد الدولي" إلى "إلغاء المزايا ​التنافسية​ غير العادلة التي خلقتها الإجراءات الصينية الأخيرة"، وفقاً لوزارته.

واعتُبرت خطوة "​بنك الشعب الصيني​" أشبه بإجراء انتقامي ردّت به الصين على تهديد ترامب بفرض تعرفة جمركية بنسبة 10% على300 مليار دولار من البضائع الصينية.

ومن جهته، رأى ​البنك المركزي الصيني​ أن هذا التصنيف بمثابة صورة "لأحادية حمائية"، مضيفاً أنه "سيواصل... اتخاذ إجراءات ضرورية ومستهدفة ضد (سلوك القطيع) الذي قد يحدث في سوق الصرف الأجنبي".

وهنا، اعتبرت الخزانة الأميركية أن "هذا اعتراف صريح من جانب بنك الشعب الصيني بأن لديه خبرة واسعة في التلاعب بعملته، وأنه لا يزال مستعدا لفعل ذلك بشكل مستمر".

أما ​الاحتياطي الفدرالي​، الذي خفّض الأسبوع الماضي ​معدلات الفائدة​ للمرة الأولى منذ 11 عاما، فقد أعلن بوضوح أنه لن يستجيب لمطالب ترامب بالرد على "تلاعب" الصين بقيمة عملتها.

وقال عضو مجلس إدارة الاحتياطي الفدرالي جيمس بالارد: "لا يمكننا على أرض الواقع إقحام ​السياسة النقدية​ في الإجراءات الانتقامية للحرب التجارية".

والجدير بالذكر هنا أن ​الولايات المتحدة​ الأميركية لم تصنّف أي حكومة على أنها "دولة تتلاعب بالعملة" منذ أوائل التسعينيات عندما صنّفت الصين كذلك في عهد الرئيس الأسبق ​بيل كلينتون​. ولمعرفة المزيد حول هذا الموضوع ومواضيع متعلّقة، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير الإقتصادي د. سمير الضاهر:

- هل تتوقع أن يتم فرض أي عقوبات على الصين بعد أن صنّفتها الولايات المتحدة بأنها "دولة تتلاعب بالعملة"؟

تلاعب الصين بعملتها كان دائماً، ولا يزال، نقطة خلاف بين الصين من جهة والولايات المتحدة واوروبا من جهة ثانية. فهو ليس خلافاً حديثاً، بل جزء من الصراع المتفاقم بين الولايات المتحدة والصين حول التجارة الخارجية، والتي شرعت بصددها الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات (جمركية) على السلع الصينية. وليس من المستبعد أن تزيد الولايات المتحدة عقوباتها على الصين إن لم يتوصل البلدان إلى إتفاق حول مواضيعهما الخلافية.

- ذكر "معهد التمويل الدولي"- الذي يرصد تدفقات الأسواق المالية- أن تصاعد التوترات التجارية بين ​أميركا​ والصين دفع المستثمرين من المؤسسات إلى سحب ما إجماليه 6.8 مليارات دولار من الأسواق النامية منذ الخميس الماضي، بما في ذلك أكثر من ملياري دولار من ​الأسهم الصينية​. ما هي النهاية المتوقعة برأيك للحرب التجارية بين واشنطن وبكين؟ ومن الخاسر الأكبر حتى اليوم؟

برأيي أن الخاسر من تمادي الحرب التجارية بين البلدين هو الصين التي تطمح لتكون القوّة الاقتصادية العالمية الأولى، وذلك عبر تطوير ورفع المستوى التكنولوجي لإنتاجها وصناعاتها ، ولن يكون ذلك بمتناولها إن مُنِعَتْ من الحصول على التكنولوجيا الاميركية المتطورة (مثلاً الحظر على شركة هواوي، أو إن جَفَّت أو انخفضت ​الاستثمارات​ الاميركية ( وما يصحبها من معرفة فنِّية) في الصين.

- تتزايد احتمالات خفض الفائدة الأميركية في الشهر المقبل، الا أن رئيس المركزي جيروم باول أكد أن الخفض الذي حصل، وهو الأول منذ 11 عاماً، ماهو إلا للتعامل مع الظروف الاقتصادية الحالية وليس اتجاهاً عاماً نحو دورة للتيسير النقدي، ما هي توقعاتك على هذا الصعيد؟

ليس من المؤكّد أن يعمد المصرف المركزي قريباً إلى تخفيض ثانٍ لسعر الفائدة المرجعية. فالعديد من المراقبين الاقتصاديين -- ومن بينهم أربعة رؤساء سابقين للمصرف المركزي -- إنتقدوا بقوّة التتخفيض الذي حصل، إذ إعتبروا ذلك انصياع من المصرف لمشيئة السياسيين. كما أن جيروم باول برَّر التخفيض بسبب الخلافات حول التجارة الخارجية وفرض ​الرسوم الجمركية​ والرسوم المضادة وما ينتج عن ذلك من ضغوط على الصادرات الاميركية.

كما أنه في حال استمرار أو ارتفاع الرسوم الجمركية على ​الواردات​ الصينية خاصة، ستكون النتيجة ارتفاع مؤشر ​اسعار السلع​ الاستهلاكية، أي منسوب التضخّم ما قد يتطلّب رفع وليس تخفيض سعر الفائدة.

- ثلاثة دول فاجأت ​الأسواق العالمية​ هذا الأسبوع بخفض معدل الفائدة، وهي ​الهند​ و​تايلاند​ و​نيوزيلندا​، هل ترى أن المزيد من الدول ستحذو حذوها في الفترة المقبلة؟

إنما الأهمّ من تلك الدول الثلاث في خفض معدل الفائدة، هي السياسة التى أعلن عنها ​المصرف المركزي الأوروبي​ بأنه سوف يعود إلي "التسييل النقدي" عبر ضخّ السيولة في السوق ومعاودة شراء سندات الدين الحكومية. ذلك أن ​الركود​ يُهَدّد ​اقتصاد الدول​ الأوروبية لأسباب جمّة (من تباطؤ النمو في المانيا، إلى تأثير "بركسيت"...). ففي ​اليابان​، حيث معدّل الفادة هو صفر، فلا طاقة فعلية للتخفيض، علماً أن الفائدة وصلت أحياناً إلى معدّلات سلبية.

(أما في الهند، فكان قرار التخفيض مفروضاً سياسياً، ما أدّى إلى استقالة رئيس المصرف.. كذلك الحال في ​تركيا​ حيث أُعفيَ رئيس المصرف من مهامه لرفضه تخفيض الفائدة).