يشكل التقدم الشاسع الذي حققته المرأة ال​لبنان​ية في مختلف المجالات، تاريخا مشرفا وإرثا حقيقيا لجيل صاعد من السيدات الرياديات والناجحات. فرغم أننا نعيش في مجتمع ذكوري، يميز بين المرأة والرجل على أصعدة عدة، تمكنت النساء من العمل والتميز في مجالات كانت مقتصرة على الرجال، فدخلن بقوّة الى سوق العمل ونجحن في انتزاع إنجازات محلية، إقليمية وعالمية، كما لمعت أسمائهن في المحافل الدولية وحصدن العديد من التقديرات والجوائز والتكريمات.

ولكن مهما تقدمت المرأة على الصعيد الفردي - أي من خلال تأسيس الشركات والمؤسسات والعلامات التجارية والمشاريع الخاصة - تبقى الفجوة في ​الأجور​ بين الجنسين موجودة بشكل عام في مجتمعنا، وتعد واحدة من المؤشّرات التي تدل على اللامساواة الاقتصادية؛ لكن لبنان لا يعاني وحده من هذه المشكلة، اذ يسود في العالم بأكمله مفهوم يقضي بأن تحصل المرأة على راتب أقل من الرجل، وذلك لاعتبارات عدة، لا تتعلق معظمها بالتحصيل المهني أو الجدية في العمل أو حتى الكفاءة المهنية.

فقد ظهرت أولى التظاهرات النسائية المُطالِبة بالمساواة في الأجور قبل عام 1915، إلا أن المعضلة لا زالت مستمر حتى القرن الـ21، في ظل الجهود البطئية لسدّ هذه الهوة؛ مع العلم أن هذه القضية بالتحديد تثير جدلا عالميا واسعا، فحتى النساء العاملات في عالم هوليوود وفي الشركات الكبرى مثل "غوغل"، يقعن ضحية فجوة الأجور في بعض الأحيان.

اذ يرى البعض أن المرأة هي كائن أضعف من الرجل، أو حتى أقل إنتاجية والتزام، وهي بالتالي لا تماثله قدرةً، جسدية أو فكرية، ولهذا السبب لا تستطيع الخوض في غمار مهنة مختصّة بالرجال، أو أنها لا تحصل على الراتب ذاته حتى لدى قيامها بالمهام ذاتها.

أما من الناحية القانونية، فقد أقر ​قانون العمل​ اللبناني مبدأ الأجر المتساوي للعمل المتساوي، كما حدد ​الحد الأدنى للأجور​ دون تفرقة بين الجنسين؛ في حين أن ما يزيد عن هذا الحد الأدنى، يخضع لمبدأ العرض والطلب في ​القطاع الخاص​، مع العلم أن الإحصائيات تكشف أن الأجور التي تتقاضاها النساء في هذا القطاع، تقل عن تلك التي يتقاضاها الرجل لعمل متكافىء.

ومن جهة أخرى، يفتقر القانون إلى آلية واضحة لتأمين المراقبة في القطاع الخاص وتحديد ​العقوبات​ الرادعة لكل ​مخالفة​ قانونية لا سيما تلك التي تميز بين الجنسين.

فالتمييز المستمر ضد المرأة، وحرمانها من المساواة في الحقوق، ومن إمكانية الوصول الى المراكز العليا، تشكل عوامل تعيق مساهماتها الفاعلة في تحقيق عملية التنمية؛ اذ يمكن للمرأة أن تكون كفوءة، مؤهلة، مجتهدة، ملتزمة، صبورة، وتتحلى بعزيمة صلبة، مثل الرجل تماما. الا أنها ما زالت بحاجة الى الدعم العائلي والمجتمعي والسياسي، من الرجل بشكل خاص، لكي تصل الى المناصب التي تناسب قدراتها وإنجازاتها ودورها المحوري في المجتمع، وتظهر فعاليتها في صنع القرار ورسم الاستراتيجيات على الأصعدة كافة. لتتحول بذلك العلاقة بين المرأة والرجل في مجالس الادارة، الى تنافسية وتكاملية.

لقد حققت المرأة في لبنان العديد من الانجازات في الفن والتعليم والعلوم والسياسة وريادة الأعمال وغيرها من المجالات، وأثبتت جدارتها عبر مشاركتها الفاعلة في عملية التنمية، ومساهماتها الواسعة في سوق العمل للوصول الى غد أفضل، بالاضافة الى تضحياتها الكبيرة لكسر الصور النمطية والتقوقع القاتل. ولعل الإنجاز الأكبر الذي حصل مؤخرا يتمثل في استلام المرأة لحقائب وزارية أساسية ومصيرية في البلاد مثل وزارة الداخلية والبلديات ووزارة الطاقة والمياه. ورغم هذا التقدم يحتكر الرجل سوق العمل معنويا وماديا، وتبقى الأولوية له!

فالحرية المطلقة في السوق المحلي لا تزال مقيدة بالعقلية الذكورية، التي تلتفت الى الجنس قبل الكفاءة والمهارة ، وتركز على التمييز بدلا من الإصرار على المساواة، كما تهتم بالأفكار التقليدية و"الحجرية" التي اعتادت عليها في الماضي، قبل النظر الى القدرات التي من شأنها زيادة الإنتاجية وتحقيق التقدم؛ ما يقلل فرص تمثيل المرأة في مجالس الإدارة بصورة عادلة. فنسبة النساء المنخرطات في سوق العمل أي الـ29%، غالبيتهن تتولّين مراكز متدنية من الوظائف، وقلّة منهن فقط تشاركن في إدارة المؤسسات وفي قراراتها، ولا يختلف الأمر في وظائف القطاع العام إذ يكاد يكون التواجد النسائي في الوظائف من الفئتين الأولى والثانية شبه معدوم مقارنة بالرجال.

فمن الواضح جدا أن عدد النساء في المراكز العليا لا يزال قليلا جدا مقارنة بالقوة العاملة ككل، مع العلم أن الأبحاث قد كشفت أن التنوع في مجالس إدارة الشركات له نتائج إيجابية على أداء هذه المجالس، ومنها تحسين الأداء بشكل عام، وزيادة الإنتاجية والابتكار؛ وفي العام الماضي، أصبحت كاليفورنيا أولا ولاية أميركية تلزم الشركات العامة بإدراج نساء في مجالس إدراتها ضمن سلسلة قوانين تهدف الى تعزيز المرأة وحمايتها. وينص القانون على ضرورة وجود امرأة واحدة على الأقل في مجلس إدارة كل شركة عامة بحلول نهاية 2019 وإلا تواجه غرامات. كما ستكون الشركات بحاجة الى إدراج ما يصا الى ثلاث مديرات مع نهاية 2021، بناءا على عدد المقاعد في مجلس إدارة كل شركة.

أما محليا، فكشف التحليل الكمي للدراسة الصادرة عن "​مؤسسة التمويل الدولية​"، "IFC "، التابعة للبنك الدولي، أن ​الشركات اللبنانية​ التي تراعي تواجد المرأة في مجالس إدارتها، تتفوق بأدائها على الشركات التي تتألف مجالس إدارتها من الرجال فقط.

فهل يجهل أصحاب الشركات هذه الصفات لكي يواصلوا رفضهم لتعيينها في مراكز الإدارة؟ من يقرر أنّ الجنس هو عامل أساسي لدى اختيار موظف لهذا المنصب أو ذاك؟ ومَن يمنع المرأة من مزاولة ما تحبه وتبرع فيه، بغضّ النظر عن جنسها؟

"الاقتصاد" التقت مع نساء لبنانيات رائدات لسؤالهنّ عن آرائهن في ما يتعلق بالفجوة في الأجور بين الجنسين، وبغياب المرأة في مجالس إدارة الشركات المحلية.

د. زينة زيدان معلولي

رئيسة مجلس إدارة شركة "Royal Financials"، وأول امرأة تتبوأ هذا المنصب في شركة مالية رائدة.

أشارت د. معلولي الى أن الفجوة في الأجور، والحصول إلى التمويل، والنساء في المجالس، هي قضايا مختلفة الى حد كبير، لكنها مرتبطة بشكل معقد ببعضها البعض. وذلك لأنها تتصل جميعها بمشاكل موحدة مثل إعادة التوزيع، وعدالة السوق، والمصداقية، والأداء الفردي، والوصمة الاجتماعية، بالاضافة الى مسألة الفرص غير المتكافئة.

وتابعت "أما موضوع الأجر المتساوي للعمل المتساوي، فيرتبط بعوامل قصيرة الأجل، وأخرى لمدى الحياة. فالمرأة التي تأخذ إجازة من العمل لبضع سنوات من أجل الاهتمام بأسرتها، أو التي تعمل بدوام جزئي لقضاء بعض الوقت مع أولادها خلال فترة ما بعد الظهر، أو تلك التي تعمل في مجال يتطلب مهارات أو قوة بدنية، غالبا ما ستعاني من مشكلة الفجوة في الأجور، مقارنة بشخص يمارس وظيفته دون انقطاع".

كما لفتت الى أن الثغرات المرتبطة بالأجور ستبقى موجودة دائمًا، طالما أن أولويات المرأة في الحياة مختلفة عن أولويات الرجل، وطالما أن تقسيم الأعمال يشكل أهمية كبرى بالنسبة الى النمو الاقتصادي. وهذا هو الواقع القائم عمليا في جميع فترات الحياة، أي منذ أن اكتشف الخبير الاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث، أن تقسيم العمل هو واحد من خصائص الإنتاج الاقتصادي.

وأضافت د. معلولي "ولكن إذا كانت الفجوات في الأجور، تستند إلى التمييز بين الجنسين ، فهنا تكمن المشكلة الأكبر. ومع ذلك، من الصعب التمييز بين الفوارق في الأجور المرتبطة بالاعتبارات غير العادلة، وتلك التي تعكس اختلافات وجودية بين البشر".

"الثغرات المرتبطة بالأجور ستبقى موجودة لأن أولويات المرأة مختلفة عن الرجل"

وكشفت أنه من أجل تحقيق هذه الغاية، يجب البحث في كل حالة، مع العلم أن هذه الاستراتيجية لن تساعد على تحقيق المساواة الإيديولوجية، لا سيما وأنها تتعارض مع السعي لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية خلال الـ400 سنة الماضية.

أما مسألة الحصول على التمويل، فتتضمن بالعادة الجدارة الائتمانية وسجلات الأداء. ومن المحتمل أن يتغير هذا المفهوم بشكل كبير خلال العشرين أو الثلاثين عامًا القادمة، بسبب اعتماد طرق أفضل لتقييم الجدارة الائتمانية للأفراد من خلال تتبع سلوك عبر الذكاء الاصطناعي. ولكن في الوقت الحالي، يجب الاعتراف بأنه يمكن تحسين العدالة الاجتماعية في الحصول على التمويل، وبأن الظلم في تحقيق هذا الأمر، لا زال يمثل حاجزًا اجتماعيًا، وذلك بحسب ما أفادت به د. معلولي.

وقالت "تجدر الإشارة أيضًا، إلى أن توفر التمويل والتقييم الشامل للمخاطر المالية، قد تطور الى حد كبير، ويستمر في التطور؛ فأقل من 10% من رواد الأعمال وأصحاب الأفكار الخلاقة، يتمكنون من الحصول على تمويل لتحويل أفكارهم إلى شركات ناشئة، كما أن النساء الرياديات يواجهن مشاكل وحواجز أكثر من الرجال في ما يتعلق بالتمويل.

وفي المستقبل، من المتوقع أن تحصل المرأة على تمويل أقل تقييدًا، ولكن ليس من المؤكد أنه سيكون عادلاً تمامًا، وذلك بغض النظر عن معايير ومنهجية تقييم الجدارة الائتمانية، أو مخاطر الاستثمار في بيئات فردية أو ريادية".

أما في ما يتعلق بموضوع وجود المرأة في مجالس الإدارة، فكشفت أن هذا الموضوع يتعلق بالدرجة الأولى بالقيمة المضافة التي تقدمها، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. فعند النظر الى الأعمال التجارية المملوكة من النساء وتعيينهن في المناصب العليا، ستتوسع قائمة المرشحين، وستتحسن فرص اختيار المرشح الأفضل لتحقيق أكبر زيادة في الإنتاج. وفي المقابل، لدى تقييد سوق العمل في ما يتعلق بإشغال وظيفة مهمة في مشروع ما، سيتم تحديد فرص العثور على المواهب الاحترافية المثالية؛ فاذا أراد صاحب العمل توظيف شخص ما ذات مؤهلات وظيفية ومهارات ممتازة، عليه الاطلاع على المجموعة المرشحة بأكملها، بغض النظر عن الجنس، من أجل اختيار الأفضل. ولكن عند اختيار امرأة لشغل منصب في مجلس الإدارة، تكون الأمور مختلفة!

فإذا كان أعضاء مجلس الإدارة والمدراء التنفيذيين للشركة هم من الرجال، فإن إدخال التنوع عن طريق تعيين امرأة في المجلس، سيزيد من فرص تحسين الأداء، وخاصة في عصرنا المعقد وسريع التغير. وهذا التنوع الإضافي قد لا يترجم تلقائيًا بتحقيق أداء اقتصادي أعلى، بل سيكون له تأثير إيجابي بطيء، ولكن ثابت، ذلك لأن جميع أشكال التنوع تعدّ حيوية.

وذكرت د. معلولي، "في النهاية، يجب أن يكون هدف أي شركة تطلعية تعيين أعضاء مجلس الإدارة بذكاء، لكي يتمكنوا من وضع إستراتيجيات مفيدة، على ضوء الدورات الاقتصادية الجديدة واتجاهات الطلب والأسواق. فصاحب الشركة بحاجة إلى أكبر مجموعة من المواهب المتميزة للاختيار من بينها، أكانت من الرجال أو النساء.

"صاحب الشركة بحاجة لأكبر مجموعة من المواهب للاختيار منها، أكانت من الرجال أو النساء"

وهذا الأمر يسلط الضوء على أهمية النظر إلى النساء الأعضاء في مجلس الإدارة بشكل إيجابي، وذلك بسبب التقدير الكبير من الجمهور والرأي العام للشركات التي عينت نساء في مناصب قيادية. فوجود المرأة في المراكز العليا يحرر الشركة من هياكل إدارية موجهة نحو الذكور، إلى أخرى أكثر تنوعاً. وقد أظهرت الأبحاث أن هذا الواقع يكشل حافز على الارتباط، والوفاء، والرضا الوظيفي، وفي نهاية المطاف الإنتاجية".

وأضافت "لقد لاحظت مؤسسة "AllBright" - وهي مبادرة سويدية-ألمانية لدمج النساء وتمكينهن في وظائف قيادية للشركات – أن هناك العديد من الاتجاهات المشجعة من جهة، والمحبطة للآمال من جهة أخرى. ففي الوقت الذي يرتفع فيه عدد الشركات المملوكة من النساء على المستوى الدولي، تكشف المؤسسة أن وجود المرأة كعضو في مجلس الإدارة، لا يعني أن القيادة التنفيذية تتجه تلقائيًا نحو التساوي في تمثيل النساء.

وذكر التقرير الصادر عن "AllBright" في نيسان 2019 أن السبب الرئيسي لاستمرار الرجل في الاستحواذ على المراكز العليا في مجالس الإدارة (c-suites)، يعود الى أن لجان الترشيح للمدراء التنفيذيين في الشركات المدرجة في البورصة، لا زالت تتألف، إلى حد كبير، من الذكور. وفي عام 2018، وجدت المؤسسة أن 13% فقط من أعضاء لجان الترشيح في السويد، مؤلفة من النساء؛ مع العلم أن السويد تشتهر بالمساواة بين الجنسين، على عكس لبنان. وعلاوة على ذلك، لم يحصل أي تغيير إيجابي في هذه النسبة بين 2012 و2018.

كما أن أكثر من نصف لجان الترشيح بشكل عام، تفتقر إلى عضوية الإناث بالكامل، في حين أن 9% فقط تتحلى بالتوازن بين الجنسين، و1% من هذه اللجان تتخطى فيها النساء عدد الرجال.

وبحسب "AllBright"، يتحدث أعضاء لجان الترشيح عن أهمية المساواة بين الجنسين في مجالس الإدارة، ولكن عندما يتعلق الأمر بإعادة النظر في مجالسهم الخاصة، يصبحون غير مستعدين تماما للقيام بهذه الخطوة، وبالتالي فإن الطريق ما زال طويلا، وهناك الكثير من الأمور التي يجب القيام بها في هذا الخصوص.

ومن جهة ثانية، يشير مقال نشرته "هارفارد بيزنس ريفيو" مؤخرًا، الى أن تحقيق التنوع في مجالس الإدارة، ليس بالأمر السهل. فقد وجدت الأبحاث أن ثقافة مجلس الإدارة، تعتبر عاملا مؤثرا في أداء المجالس المتنوعة، بالاضافة الى الاحترافية المتبعة في القيام بالمهام والواجبات، والإشراف على سير عمل الشركة، بدلا من التنوع وحده.

فمفتاح التقدم يتمثل في عدد كبير من أشكال التنوع، مثل العمر، العرق، وحتى الخبرات المهنية والخلفيات، أي أن التنوع بين الجنسين ليس كافيًا، ومع ذلك يعد مفتاحًا لإطلاق قوة تحقيق النتائج العظيمة. كما أن تسليم الأشخاص مناصب قيادية بشكل رمزي هو أبعد ما يكون عن المثالية. ولهذا السبب، فإن النهج المثالي يكمن في تشجيع جميع أشكال التنوع في المجالس، وجميع أنواع مبادرات المساواة في الأجور، وذلك بحسب ما أشارت اليه د. معلولي في حديثها لـ"الاقتصاد".

رنا الحجيري

المسؤولة الإقليمية لبرامج صندوق دعم المساواة بين الجنسين التابع لهيئة ​​الأمم المتحدة​​ للمرأة (UN Women).

في سؤال حول الفجوة الواسعة الموجودة بين رواتب الرجال والنساء في لبنان، أشارت الحجيري الى أن "هذه الفجوة حاضرة في كل العالم وليس فقط في بلادنا، لكن لبنان موجود في المراتب المتدنية بين الدول العربية، في المساواة بين الأجور – وذلك على الرغم من أن أكثر من 55% من النساء اللبنانيات هن من خريجات الجامعات. إلّا أن ذلك لم ينعكس إيجاباًعلى هدم هذه الفجوة، كما اذا نظرنا الى المناصب التي تشغلها المرأة، سنلاحظ أن نسبة النساء في المراكز العليا والقيادية، محدودةا؛ فهي موجودة بقوة في القطاع الخدماتي (مثل التعليم والتمريض)، في حين أنها مشاركتها في مراكز صنع القرار خجولة؛ فقد ترشحت أكثر من 112 سيدة الى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إلا أن النتائج لم تأتِ بالدفع المطلوب.

"المرأة بحاجة للظهور في شخصية "المرأة الخارقة" لنيل ثقة الجمهور"

وتابعت "أتفاءل اليوم برؤية نساء في مراكز قيادية حساسة، في الحكومة الحالية، ولكن علينا التطلع أكثر نحو الأمام لأن هذا العدد لا يعتبر منصفا بالنسبة الى قدرات ​المرأة اللبنانية​"، موضحة أن الوضع السياسي والطائفي، وقانون الأحوال الشخصية يحد من المساحة المرأة في خرق هذا السقف الأكثر من زجاجي بل الفولاذي، والمنافسة على قدم وساق مع الرجل.

حول إنتاجية المرأة أكدت الحجيري أن المشكلة الأساسية تكمن في أن المرأة بحاجة للقيام بجهد مضاعف لكي تثبت نفسها، عندما تتواجد في أي منصب. فهي مضطرة أحيانا لتظهر في شخصية "المرأة الخارقة"، من أجل نيل ثقة الجمهور وولائهم.

وقالت "حتى في إطار الشركات العائلية، ليس من السهل أن تثبت نفسها وتظهر أنها على قدر التوقعات، وبالتالي قد تتعرض أيضا الى ضغوط كثيرة".

مايا مرجي يونس

رئيسة مجموعة التسويق في "Bank BLC".

قالت يونس "أن تقرير ​المنتدى الاقتصادي العالمي​ حول الفجوة العالمية بين الجنسين، كشف أنه مقابل كل دولار يكسبه الرجل، تحصل المرأة على 25 سنتا فقط؛ وبالتالي فإن الفرق شاسع.

وفي أيسلندا، أصبحت الشركات التي تدفع للمرأة راتب أقل من الرجل، تعتبر مخالفة للقانون. ولكن في لبنان، نحن بحاجة الى المزيد من الوقت من أجل سد هذه الفجوة. وبحسب الدراسة، اذا استمرينا على هذه الوتيرة، سنكون بحاجة الى 202 سنة لكي نتمكن من سد الفجوة الموجودة بين الرجال والنساء".

​​​​​​​

وتابعت "نفتخر في "Bank BLC" أنه منذ إطلاقنا لـ"WE Initiative"، قررنا الاهتمام بالدرجة الأولى، بالنساء اللواتي يعملن في البنك. وقد وقعنا على التزام مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، "UN Women"، التي تركز على سبعة مبادئ لتمكين المرأة، بهدف الحصول على الإرشادات التي تتيح لنا معرفة كيفية دعم النساء العاملات في "Bank BLC".

وقد لاحظنا أن معظم النساء يتركن وظائفهن بعد الولادة، بسبب عدم قدرتهنّ على التنسيق بين العمل والمنزل. ومن هنا، أعطينا لكل سيدة حامل، شهرين إضافيين على إجازة الأمومة بأجر كامل، تغادر خلالهما العمل عند الساعة الثانية بعد الظهر. وبالاضافة الى ذلك، نقدم للنساء دورات تدريبية حول المسارات الوظيفية والتخطيط لتحقيق النجاح، لكي نتمكن من دعمهن للوصول الى أعلى المراكز".

كما لفتت يونس الى أنه في "Bank BLC"، حوالي 51% من الموظفين هم من النساء مقابل 49% للرجال، وبالتالي فإن النسبة مرتفعة جدا. ولكن اذا نظرنا الى المناصب العليا، سنرى أن عدد الرجال أكثر من النساء؛ اذ أن 43% من هذه المناصب للنساء مقابل 57% للرجال. ومن هنا، نركز على هذا الموضوع بهدف الوصول الى تحقيق نسبة متساوية، مع العلم أن هذه النسبة تعتبر عادلة بالمقارنة مع شركات أخرى.

"إنتاجية المرأة مرتبطة بجدارتها وتعبها"

أما إنتاجية المرأة فهي، بحسب يونس، مرتبطة بجدارتها وتعبها و"شطارتها". ولكن في معظم الشركات العائلية، نرى أن الأفضلية تعود دائما الى الابن، فهو يحصل على المراكز الأفضل، ويكون على سبيل المثال، إما المدير العام أو المدير المالي، في حين أن الابنة تستلم مراكز أقل مسؤولية ومخاطر على المؤسسة، مثل المبيعات والتسويق.

وبالتالي ما زال المجتمع بحاجة الى المزيد من الوقت لكي يكتشف قدرات الابنة، ويقتنع أنها قادرة على القيام بمهمات الرجل مثله تماما أو حتى أفضل منه في بعض الأحيان. ومن هنا، يجب إعطاء الفرص للمرأة، بناءً على مؤهلاتها فقط!

إيمان غصين

رئيسة المجلس الإنمائي العربي للمرأة والأعمال.

بدورها، لفتت غصين الى أن العقلية الذكورية لا تزال سائدة في لبنان، ومنذ سنوات بدأنا نطالب بأن تستلم المرأة المراكز العليا، مع العلم أننا نرى اليوم نماذج كثيرة من السيدات الناجحات والرائدات. لكن بعض الرجال لا يتقبلون هذا النجاح، لأنهم يعتبرون أن المرأة تأتي للسيطرة، ومن هنا، نتخوف من عودة هذه العقلية القديمة.​​​​​​​

وأشارت الى أن المرأة اللبنانية بارزة، وهي قادرة على مساعدة عائلتها ووالديها أكثر من الرجل، كما أنها تستطيع أن تحلّ مكان الرجل، الى حد ما، وتأخذ دوره في المنزل، في حين أنه من المستحيل أن يحل الرجل ​​​​​​​مكان الأم أو الأخت أو الابنة.

وذكرت غصين أن عدد النساء في المراكز العليا يعتبر خجولا لكنها ستصل حتما في المستقبل القريب، وذلك بسبب القرار الصادر عن الأمم المتحدة، والذي يقضي بأن تستلم المرأة مراكز الإدارة. وقالت "يجب تحقيق التوازن في مختلف القطاعات، اذ لا يمكن الاستمرار دون تحقيق الشراكة الكاملة بين الجنسين".

أما بالنسبة الى موضوع الفجوة في الأجور، فأوضحت غصين أن المرأة تحصل على راتب أقل بكثير من الرجل، وقد سمعنا الكثير من الوعود حول التوصل الى حلول لهذه المشكلة. فالمرأة لا تزال تفتقد الى بعض حقوقها الأساسية في لبنان، فهي موجودة عمليا ومعنويا، لكنها للأسف لم تنل حقها دستوريا وقانونيا.