تالا​ صافية، شابة ​لبنان​ية شقت طريقها بثبات في عالم ​التصميم​ الغرافيكي حتى أصبحت خلال وقت قصير، اسما لامعا في سماء ​المرأة اللبنانية​. فنجاحها تخطى حدود الوطن، وموهبتها خوّلتها التعامل مع شركات ومؤسسات عالمية كبرى.

أفكارها هي بطاقتها الشخصية التي تفرض بها اسمها في كل مكان تذهب اليه، فقد استطاعت أن تثبت موهبتها المميزة بعمر 27 عاما فقط، وتؤكد بذلك على أن النجاح قابل للتحقيق في أي مرحلة، وأن التقدم هو حليف كل من يعمل بجرأة ويأخذ المبادرات والقرارات غير التقليدية.

أين كانت البداية ومتى؟

تخصصت في التصميم الغرافيكي في "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، وتخرجت في العام 2013؛ وقد ​نلت​ "​جائزة​ التميز في التصميم" (Areen Project Award of Excellence in Graphic )، التي تمنحها الجامعة، عن مشروع التخرج الذي قدمته.

بعد ذلك، انتقلت الى أمستردام وتدربت عند "De Designpolitie"، ومن ثم عدت الى بيروت، حيث عملت لمدة ثلاث سنوات في "Studio Safar". وكنت سعيدة جدا بالعمل مع المؤسس حاتم إمام، واكتسبت مهارات عدة، منها كيفية تطوير طريقة إدارة الوقت لجعل عملي أكثر إنتاجية. لكن بعد فترة، شعرت بالحاجة الى خوض التجارب الجديدة، فسافرت الى نيويورك لنيل شهادة الماجستير من "School of Visual Arts".

وخلال السنة الدراسية الثانية، عملت مع "المعهد الأمريكي للفنون الغرافيكية"، "AIGA"، والذي يعد أكبر مؤسسة متخصصة في التصميم الغرافيكي في ​الولايات المتحدة​. ولا أزال أعمل معها الى حد اليوم أتعاون معهم في مجلة "Eye on Design"، التي تعتبر من بين أهم 10 مجلات في العالم في هذا المجال.

ومؤخرا، بدأت بالعمل مع صحيفة "​نيويورك تايمز​" كمديرة فنية للقسم الذي يُعنى بمتابعة شؤون الفنون والأدب والسينما والمسرح والرسومات.

كيف وصلت الى ما أنتِ عليه اليوم؟

عملي في "Eye on Design" أتاح لي التعرف الى عدد كبير من الأشخاص. فقد التقيت بمديري الحالي في "نيويورك تايمز" خلال مؤتمر لـ"AIGA"، وبقينا على تواصل. وبالتالي عندما فتحت أبواب التوظيف في الصحيفة، اتصلوا بي وأجريت مقابلات عدة، واتبعت إجراءات طويلة، وفي نهاية المطاف حصلت على الوظيفة.

برأيك، ما هي الصفات التي تساعدك على التميز في عملك؟

لا أسعى الى تشجيع الناس على مغادرة لبنان، ولكن من المهم أن يكون الشخص مخاطر وفضولي ومحب للاطلاع.

كما عليه أن يخوض التجارب الجديدة والمغامرات، ويتخذ القرارات غير التقليدية.

من جهة أخرى، يجب أن يعمل الانسان بجدية ويحاول كثيرا؛ فقد أرسلت مئات ​الرسائل​ الالكترونية لشركات وأفراد عدة، قبل حصولي على مشروعي الأول. اذ أن مدينة نيويورك واسعة للغاية، ويجب أن لا يستسلم الانسان، لأن الأمور لن تسير بشكل سلس منذ المرة الأولى.

وبالاضافة الى ذلك، أعتبر نفسي محاورة جيدة، اذ أعرف كيفية التواصل مع الناس، لتقديم أفكاري والكشف عن مهاراتي.

والأهم من ذلك كله، أن يكون الانسان متواضعا؛ فليس من الضروري أن يضع المصمم الغرافيكي من نفسه في أفكاره، كما يفعل الفنان، وذلك لأنه يعمل، الى حد ما، خلف الكواليس.

معنويا، ماذا يعني لك أن يصبح اسمك معروفا في بلدك الأم بعمر صغير؟

الأمر لا يتعلق حقا بالعمر، بل بالخبرة المكتسبة! فالقرارات التي اتخذتها منذ تخرجي والى حد اليوم، دفعتني الى التركيز بشكل أكبر على العمل منذ عمر مبكر. وهذا الواقع يدل على أن الشخص قادر على اكتساب خبرة مهنية على الأرض خلال فترة الدراسة، ما سيساعده على التقدم بشكل أكبر في المستقبل.

هل تفكرين بالعودة يوما ما للاستقرار والعمل بشكل دائم في لبنان؟

بالطبع، هذه الفكرة موجودة وترد الى ذهني كثيرا، ولكن تطبيقها لن يكون في المستقبل القريب، اذا لا أزال في بداية الطريق، ومن المبكر جدا أن أعود الآن.

وبالتالي لا أمانع اتخاذ هذا القرار اذا توافرت الفرصة المناسبة للعمل في لبنان. فدراستي في "الجامعة الأميركية في بيروت" مهمة للغاية بالنسبة لي، وقد أغنت مسيرتي المهنية. كما أن عملي في "ستوديو سفر" أعطاني القاعدة المناسبة لمسيرتي، ما يدل على أن بلدي لبنان يضم جامعات ممتازة وأساتذة موهوبين وشركات رائدة.

     ما هي التحديات التي تواجهك خلال العمل في الولايات المتحدة؟

 التحدي الأكبر يكمن في حصولي على تأشيرة الدخول (الفيزا)، فقد تقدمت مؤخرا لنيل   "تأشيرة فنان"، التي تتيح لي العمل لمدة ثلاث سنوات. لكن المشكلة أنني أشعر دائما بأن   وضعي غير مستقر، وذلك لأن صلاحية هذه الورقة ستنتهي، وستكون حينها بحاجة الى   التجديد مرة أخرى.

وبالتالي أعاني قليلا من القلق والضغوط، والخوف من المستقبل.

ولكن على الصعيد المهني، أنا سعيدة للغاية، فالعمل في "نيويورك تايمز" و"Eye on Design" رائع ومحترف الى أقصى الحدود، وذلك لأنهم يهتمون بالمصمم وراحته، ويحترمون الأوقات ودوامات العمل.

هل لديك أي خطة أو هدف أو حلم للمستقبل؟

أطمح الى إطلاق مجلتي الخاصة، لكن المشكلة تكمن في عدم إيجاد الوقت المناسب لذلك. فقد ربحت "جائزة بوغوصيان" منذ أشهر، وسأتمكن بفضلها من تحقيق حلمي بإنشاء مجلة أو منشور خاص بي.

هل تتلقين الدعم المعنوي من العائلة لاستكمال المسيرة؟

والدتي تشجعني على الدوام، وتحثني على القيام بما هو أفضل لمسيرتي المهنية. فالفراق صعب، لا محال، ولكن من خلال دعم العائلة المتواصل أركز على عملي ومستقبلي.

ولا بد من الاشارة الى أنني أزور لبنان مرات عدة في السنة، من أجل رؤية عائلتي وأصدقائي. كما أنني أشارك في العديد من المشاريع الحرة، وخاصة تلك التي أؤمن بها؛ فقد تعاونت مع جمعية "Samandal"، ونشرنا معا كتاب "تجريب"، الذي حصد جائزة في ​فرنسا​.

وبالتالي أحب المشاركة في المشاريع ذات الطابع الثقافي، لأن هذا الجانب يهمني كثيرا. كما أحب إعطاء بعض الوقت لبلدي الأم من أجل البقاء على تواصل وصلة معه.

من خلال تجربتك الخاصة في الدراسة والعمل، ماذا تنصحين المرأة اللبنانية، وخاصة الشابات؟

أولا، من المهم أن تثق المرأة بنفسها.

ثانيا، يجب أن تقف النساء في صف واحد لمساعدة بعضهن البعض، وخاصة في لبنان، حيث الدعم شبه مفقود.

ثالثا، على المرأة أن تحاول كثيرا، وتكون فضولية، وتتطلع الى زيادة المعرفة على الدوام.

ورابعا وأخيرا، عليها أن تأخذ زمام المبادرة من أجل التقدم وتحقيق أحلامها.