نقلت مؤسسات ​الخدمات المالية​ في ​المملكة المتحدة​ أصولاً تتخطى قيمتها حاجز تريليون دولار إلى الدول الأوروبية من بداية التصويت على انفصال بريطانيا عن ​الاتحاد الأوربي​، وذلك وفقاً لما أكدته أحدى الدراسات الحديثة.

وكانت شركة "إرنست آند يونغ" للاستشارات قد نشرت تقريراً أوضحت من خلاله أن مؤسسات الخدمات المالية البريطانية حرصت على نقل حوالي 800 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل نحو 1.02 تريليون دولار أميركي، وذلك منذ بدء التصويت على "البريكست" في عام 2016.

وأعلنت العديد من البنوك بالفعل عن نقل أنشطتها أو جزء منها إلى مكاتب جديدة في عدد من المدن التابعة للاتحاد الأوروبي تحسباً لتوقف عملياتها في التكتل الموحد بعد "بريكست".

وذكرت الشركة الاستشارية "إرنست أند يونغ" أن التريليون دولار المشار إليها تشكل ما يقرب من 10% من إجمالي أصول ​القطاع المصرفي​ البريطاني كما أنها بيانات مبدئية نظراً لأن بعض البنوك لم تكشف عن خطط نقل مقراتها وأنشطتها وأصولها بعد.

وصرّح مدير الخدمات المالية في مؤسسة "إرنست أند يونغ" عمر علي بأن "أرقامنا تعكس فقط التحركات التي تم الإعلان عنها رسميا".. وأضاف "نحن نعلم أنه من وراء الكواليس، تستمر الشركات في التخطيط لسيناريو "عدم وجود صفقة".

ويشير التقرير إلى أن شركة "إرنست أند يونغ" تتبعت ما يقارب من 222 مؤسسة خدمات مالية ضخمة في المملكة المتحدة، وذلك فيما يتعلق بمجهوداتهم للحد من النتائج السلبية المحتمل ظهورها عند تنفيذ البريكست.

هذا ومن المفترض ببريطانيا أن تغادر ​الإتحاد الأوروبي​ كما هو مقرر في 81 يوما فقط، ولكن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تبقى بحاجة لأن تكسب تأييدا من برلمان البلاد لصفقة الإنفصال مع الإتحاد الأوروبي.

ومن المقرر أيضا أن يصوّت البرلمان البريطاني على الصفقة في منتصف الشهر الجاري، ولكن إذا لم تستطع ماي في النهاية أن تدفع بالإتفاق، فإن فرص الخروج الخطر للمملكة المتحدة من ​الاتحاد الأوروبي​ بدون صفقة سوف ترتفع.

هذا وأكّد ​بنك إنكلترا​ بأنّ تداعيات ذلك السيناريو ستكون أسوأ من ​الأزمة المالية​ لعام 2008.

وبالنسبة للمؤسسات المالية، فسيكون خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بمثابة كابوس. فإن اتفاقيات البلاد مع المنظمين الأوروبيين سوف تتوقف وستجد البنوك نفسها في فراغ قانوني، مما يعني أنها لن تكون قادرة على الاستمرار في القيام ببعض أعمالها عبر الكتلة.

وفي حين أكّد الاتحاد الأوروبي على أنّه سيطبق بعض الخطوات لتجنب الانهيار التام، فقد قال إن خطته للطوارئ ليست سوى حل قصير الأجل يهدف إلى حماية مصالحه الخاصة.

وأضاف مدير الخدمات المالية في مؤسسة " إرنست أند يونغ" بأن المؤسسات المالية لا يوجد أمامها خيار سوى محاولات استعداديه لمواجهة السيناريو المتوقع وهو عدم التوصل لإتفاق مرضي بشأن البريكست، وذلك تحسبا لتصويت البرلمان خلال الشهر الجاري.

وأشارت المؤسسة إلى أنه من المقرر نقل ما يزيد عن 7000 وظيفة تابعة للخدمات المالية من ​لندن​ إلى ​أوروبا​، وذلك فضلاً عن خلق حوالي 2000 وظيفة جديدة خاصة بالشركات المالية البريطانية في أوروبا.

وكان المصرف الألماني "​دويتشه بنك​" قد أشار إلى أنه بفعل البريكست سيتم نقل حوالي 4000 وظيفة من المملكة المتحدة إلى فرانكفورت وعدد من المواقع الأخرى بالاتحاد الأوروبي، لافتاً إلى أن هذه العملية تعد من أكبر عمليات النقل التي قامت بها ​المصارف​، في حين أعلن "​جي بي مورغان​" أنه سوف يقوم بنقل مئات الوظائف نحو 3 دول أوروبية خلال العامين القادمين، وذلك وفقاً لخطط مدروسة.

في حين قام "​بنك أوف أميركا​" بالإعلان عن استعداده لنقل المقر الخاص بفرعه الرئيسي إلى دبلن بدلا من لندن.

كما اختار بنك "​رويال بنك أوف سكوتلاند​" مدينة أمستردام الهولندية لتكون مقراً جديداً له عقب البريكست.

هذا، وكان مصرف "أم يو اف جى" الياباني قد أعلن في وقت سابق من العام الماضي أن كلا من ​باريس​ وأمستردام ضمن المقرات المفضلة لدى البنك لاستكمال أعماله المالية بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وتنقل شركات مالية أيضاً عملياتها الإقليمية وأصولها إلى دول لا تزال ضمن الاتحاد الأوروبي لحماية عملائها من تذبذب الأسواق والتغيرات التنظيمية المفاجئة عقب خروج لندن من التكتل الموحد.

وأضاف علي أنه "كلما اقتربنا من 29 أذار دون التوصل إلى اتفاق، سيتم نقل المزيد من ​الأصول​ وعدد الموظفين المعينين محليًا أو الذين يتم نقلهم".

لقد كانت لندن العاصمة المالية لأوروبا بلا منازع منذ عقود، وتعد موطناً للمقر الدولي لعشرات ​البنوك العالمية​.

هذا ويوظف ​قطاع الخدمات​ المالية 2.2 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد، ويساهم بنسبة 12.5% من ​الناتج المحلي​ الإجمالي. وتدر دخلاً ضريبياً قدره 72 مليار جنيه إسترليني (100 مليار دولار) سنوياً، وفقاً لشركة مدينة لندن.

لقد عانى ​الاقتصاد البريطاني​ بالفعل من "Brexit". فقد انخفضت ​ثقة المستهلك​، مما أضر بقطاع التجزئة في البلاد. وانخفض الاستثمار التجاري بشكل كبير، حيث وضعت الشركات خططها بسبب عدم اليقين. وقد حذرت كبرى الشركات المصنعة، بما في ذلك "إيرباص"، من أنها قد تضطر إلى الإقلاع عن المملكة المتحدة إذا لم يكن هناك اتفاق خروج "بريكست".

وجاء أحدث دليل على الألم مؤخرا، عندما قالت الجمعية البريطانية لمصنعي السيارات والتجار إن تسجيلات السيارات الجديدة في البلاد انخفضت بنسبة 6.8% في عام 2018. وكانت هذه هي السنة الثانية على التوالي من الانخفاضات.

وبحسب التقرير الصادر عن شركة الإستشارات "إرنست أند يونغ" فإنه منذ بداية التصويت على البريكست أعلنت نسبة 36% من مؤسسات الخدمات المالية البريطانية عن نيتها في نقل أعمالها وموظفيها موظفيها إلى أوروبا، ومن ثم زادت هذه النسبة إلى نحو 56% بين المؤسسات لتشمل المصارف العالمية والاستثمارية.