يترّقب الخبراء الاقتصادييون و​رجال الاعمال​ ما ترصده تقارير الهيئات الدولية من مؤشرات حول الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، وحول واقع بيئة الاعمال بحيث ان اي مبادرات يتم التحضير لها من قبل ​القطاع الخاص​ تبني الاشياء بمقتضاها.

وفي لبنان، للقطاع الخاص دور سجل حافل من المبادرات واعمال الانقاذ للبلد في ظل تغييب الدولة المتكرر من قبل السلطة السياسية الدكتاتورية .

اليوم بات مطلوبا اكثر من السابق العمل على مشاريع إعادة هيكلة القطاعين العام والخاص والتوجه معا نحو أسواق جديدة لتصدير السلع والخبرات اللبنانية، وإقتراح مشاريع القوانين التي يحتاجها القطاع الخاص اللبناني وممارسة اللوبي القادة السياسيين لتحسين بيئة الأعمال التي تعاني من تراجع مستمر وفق تقرير ​البنك الدولي​ حول ممارسة الأعمال التجارية في لبنان.

في تقريره الاخير عن لبنان، يوصي البنك الدولي الحكومة بوضع خطّة إقتصادية يكون عمادها إعادة هيكلة الإقتصاد لصالح القطاعين الصناعي والزراعي مع مكانة خاصة للقطاع الرقمي، الذي أثبت قدرة نمو في ظل أصعب الظروف.

ولكن كيف يستطيع البنك الدولي مساعدة لبنان على النهوض بالقطاع الاقتصادي؟

زمكحل

يقول ​رئيس تجمع​ رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم الدكتور فؤاد زمكحل "للاقتصاد": انه يتمنى لو يعقد البنك الدولي مؤتمراً يكون محوره كيفية تعليم اللبنانيين على مساعدة انفسهم كلبنانيين.

بالطبع ، ان البنك الدولي ليس مؤسسة خيرية تساعد لبنان ، وانما نريد منه المساعدة في عملية انقاذ لبنان ، في تعليمنا كيفية بناء الاقتصاد، كيفية بناء القطاعات المنتجة بما يمّهد في تحريك النمو وايجاد فرص العمل.

ما من احد يملك العصا السحرية لحل المشاكل. والبنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية تساعد ضمن الامكانات المتاحة. لقد سبق وساعد البنك الدولي كل من ​قبرص​ واليونان . وفي لبنان المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية خفض العجز.

نحن امام طبقة سياسية لاتحسن تقدير خطورة الوضع الراهن ودقة المرحلة. الكل يبحث عن اغراض سياسية ، يختلف على المقاعد وتوزيعها على الطوائف بغياب اي خطة سياسية اجتماعية واقتصادية.

لقد ساعدنا البنك الدولي على تمويل مشروع سد بسري عن طريق قرض تقدر قيمته ب 500مليون دولار ، ولولا التحرك الذي قمنا به والضغط الذي مارسناه كتجمع رجال وسيدات اعمال لبنانيين في العالم لكان البنك سحب المبلغ المذكور بسبب التأخير الذي حصل .

ويتابع: نحن نعلم بالتواصل المفروض والقائم بين البنك والسلطتين التنفيذية والتشريعية في لبنان ، ولكن نسأل في المقابل اين هو دور القطاع الخاص ؟

هذا القطاع الذي نجح في الصمود رغم كل الازمات المتتالية ، المطلوب اليوم مساعدته في مكافحة التعطيل السياسي، في إزالة تعقيدات مرور المشاريع بالدولة المتمثلة بالسلطة السياسية.

وما نعنيه انه هناك غياب وزاري اليوم يعطل سير كل الامور في كل القطاعات المنتجة ويشلّ اعمالها ، ولكن هل ننسى الجهود التي يبذلها القطاع الخاص من اجل تجميد الاقتصاد ومنعه من الانهيار.

لإنجاح مهمة هذا القطاع في صيانة الاقتصاد من المفترض ايجاد وسيلة تساعد في تمويل المشاريع بدون ربطها بالسلطة التنفيذية .

ويشير الدكتور زمكحل الى ان هناك قوانين قد تم الالتزام بها في مؤتمر باريس ، ولكن حتى تاريخه لم يتم تنفيذ اي منها. كما انه لم يطبقاي من الاصلاحات التي تم إقرارها سابقاً ورغم ذلك، لم تتوقف ​المساعدات​ والقروض الى لبنان.

ال​ضرائب​ ولكن اي ضرائب؟

اما بالنسبة لوجهة نظر البنك الدولي بوجوب رفع الضرائب لخفض العجز في الموازنة إلى 5% على مّدة 5 سنوات (بمعدّل 1% سنويًا) دون تحديد طبيعة هذه الضرائب التي لايمكن ان تكون للقطاع الاقتصادي، يعتبر الدكتور زمكحل ان اي ضرائب جديدة يتم التفكير بها من المفترض ان تكون غايتها تحسين ​الواردات​ . ويقول : نحن نرفض اي ضرائب جديدة مع ارقام جباية لا تتعدى نسبتها ال 50% في ظل ركود مستمر منذ 8 سنوات.

لا شك ان اي ضرائب جديدة ستقضي نهائياً على النمو ، وعلى إطلاق اي مشاريع منتجة ،وبالتالي على جذب ​الاستثمارات​. واليوم اي ضريبة تضاف الى السلة الضرائبية المطبقة ستزيد العجز حكماً الذي وصل الى الخط الاحمر.

ويؤكد زمكحل ان البنك الدولي يتفهّم مشاكلنا، وقد طلبنا منه من خلال تواصلنا المستمر التشديد على موضوع الاصلاحات المفترض مواكبتها لكل المشاريع.

في الماضي ، لقد رأينا تبخّر كل الوعود السابقة بتنفيذ الاصلاحات . هناك رزمة من الاصلاحات يجب الإسراع بها، او على الأقل المباشرة بالاولويات منها.

السوق المحلي ينشد ها والجميع متفق على اهمية إجراء إصلاح واحد ملحّ اقله ، الا وهوفي قطاع ​الكهرباء​. فمن المعروف ان هذا المرفق يكلّف الدولة ملياري دولار سنوياً، اي ثلثي ​الموازنة العامة​. والنتيجة لا كهرباء. فالمواطن يدفع اكثر من فاتورة كهرباء وخسائر الخزينة تتفاقم بفعل سوء الاداء المطبق.

ويسأل الدكتور زمكحل من يستطيع اليوم اكثر من البنك الدولي تقديم المساعدة الى لبنان ، فتتم استعادة ثقة المواطن ببلده ؟ . هناك اليوم سلسلة مشاريع مطلوب تنفيذها فلنباشر باهمها بعد تحضير الارضية المناسبة .

ويؤيد الدكتور زمكحل فكرة لجوء البنك الدولي الى الضغط اللازم اذا لم تنفّذ الاصلاحات . كما يؤيد امتناع البنك الدولي عن تقديم اي تمويل جديد اذا ليس هناك من خطوات جدية للمباشرة بالاصلاح اللازم.

ويختم : نعم، هناك تجاذب سياسي، ازمة سياسية متفاقمة في لبنان تنعكس تراجعاً خطيراً على الاقتصاد ، ولكن رغم كل ذلك لا احد يستطيع تجاهل ما قدمته شركات القطاع الخاص بشكل منفرد للنهوض بلبنان رغم كل القيود السياسية المعرقلة . من هنا، اصبح من الضروري تحفيزها في مبادراتها الشجاعة و دعمها عن طريق صناديق التمويل ، عبر ​مصرف لبنان​ و​المصارف​ العاملة.

من المعلوم ان البنك الدولي يقف دائما في موقع المراقب لسير التنمية الاقتصادية في البلاد. وفي تقريره عن لبنان لعام 2018 يلحظ بقاء الآفاق الاقتصادية في الأمد المتوسط في خانة الضعف ، كما لا تزال ​المخاطر الاقتصادية​ الكلية والمالية مرتفعة. وتدور تنبؤات النمو السنوي حول 2% في الأمد المتوسط. واذ توقع أن يُسجِّل ​الإنفاق​ زيادةً مدفوعةً بأثر الانتخابات البرلمانية ، لكن برأيه هذه الزيادة سيبطل أثرها تشديد شروط الإقراض التي فرضها مصرف لبنان (حيث تذهب التقارير إلى أن نسبة ​الديون المتعثرة​ زادت زيادة كبيرة بعد إعادة ​تصنيف​ أوضاع مديونية العملاء). وعلاوةً على ذلك، من المتوقع مع ارتفاع الواردات أن يظل صافي الصادرات من السلع والخدمات عقبة أمام النمو.

وفي جانب المالية العامة، مع غياب ​إيرادات​ ضريبية مفاجئة في 2018، واستمرار الزيادة في مدفوعات الفائدة على الدين العام، من المتوقع أن يتسع عجز المالية العامة إلى نحو 8.3% من إجمالي ​الناتج المحلي​.

تقارير البنك الدولي والسلطة السياسية المعطلة في لبنان في سباق مستمر. فهل ينجح القطاع الخاص في الفوز بماراتون الانقاذ الذي يحسن ويستحق قيادته؟