لطالما اجمع المراقبون على ان شهر ايلول هو شهر الاستحقاقات، باعتباره نهاية الاجازات الصيفية وبداية الحسابات الفصلية وليس فقط الشتوية، خصوصاً انه لم يبقى من العام سوى 3 اشهر.

في ايلول هذا العام تختلف الامور مع تعقيدات تشمل :

اولا ً: الملف التربوي الذي يرسم عدة علامات استفهام حول مصير العام الدراسي وسط النزاع القائم بين مطالب الاساتذة ومواقف ادارات ​المدارس الخاصة​ بحيث يكون معها التلامذة كبش المحرقة .

الملف الخدماتي : وهو الاكثر تأزما ً لا يعرف معه المرء من اين يبدأ واين ينتهي ؛ فالكهرباء حدث بلا حرج انقطاع مستمر في التيار وان كانت الشبكة موعودة بتحسن التغذية في تشرين الاول مع تراجع الطلب والاستهلاك بفعل تحسن الاوضاع المناخية.

وفي هذا السياق، يعتبر وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الاعمال ​سيزار ابي خليل​ أن هناك "سببين لتضرر ​قطاع الكهرباء​ هما عدم الاستثمار في المعامل، واستهلاك النازحين اكثر من 5 ساعات من التغذية يوميا".

هذا فضلا ً عن ارتفاع فواتير اصحاب المولدات الخاصة الذين يصرون على إصدار فواتير عشوائية بعيدا عن اي عدادات رقابية منظمة للقطاع غير الشرعي الذي اصبح اقوى من الدولة.

وهنا ايضاً، لايمكن إغفال قضية البواخر التركية الراسية قبالة معملي الذوق والجية الى اجل غير محدد والتكاليف المتصاعدة باستئجارها .

اما بالنسبة للمياه فالهدر سيد الموقف مع او بدون الخطط الموضوعة. المشاريع متعددة ولكن ما من مستفيد غير المتعهدين واصحاب الصفقات.

وعلى صعيد ​الصناعة​، الارقام جاهزة لوصف الواقع وهناك مطبات كثيرة امام التصدير .

وهنا يصح القول ان الصناعة الوطنية دفعت الثمن الاكبر بفعل الازمة السورية مع توقف الصادرات ال​لبنان​ية عن التوجه برا إلى البلدان العربية وصعوبة ذلك بحرا، وإرتفاع كلفة النقل و​التأمين​ بسبب الوضع في ​سوريا​ وإغلاق معبر نصيب على الحدود السورية – الأردنية. وفي هذه المرحلة ، الترقب هو الحل الوحيد لإعادة فتح هذا المعبر علما ان الصناعة بحاجة الى ​تسهيلات​ اخرى لفتح الاسواق الخارجية امام منتجاتها.

واما في ما يتعلق بالزراعة ، فالمواسم تشكو من الاضرار الطبيعية تارة ، وطورا من عدم قدرة المزارع على تصريف انتاجه وغياب الدعم اللازم له .

وبالنسبة للقطاع العقاري، وفق مؤشر ​بنك بيبلوس​ فقد سجل تحسُّنا في نتائج المؤشر في الفصل الثاني من العام 2018 الا ان ذلك لا يعكس تغييراً أساسياً في دينامية السوق العقاري، لأن الارتفاع عقب نتائج متدنية جداً للمؤشر في الفصل الأول شكلت المستوى الأدنى له منذ 44 فصلاً. هذا وما زالت نتيجة المعدل الشهري للمؤشر في الفصل الثاني من العام 2018 تعكس انخفاضاً بنسبة %67 مقارنةً بالنتيجة الفصلية الأعلى له على الإطلاق البالغة 131 نقطة والمسجلة في الفصل الثاني من العام 2010، وتراجعاً بنسبة 60% مقارنةً بالنتيجة السنوية الأعلى المسجلة في العام 2010 والبالغة 109.8 نقطة. وقد جاءت نتيجة المعدل الشهري للمؤشر في الفصل الثاني أدنى بـ27% من معدل المؤشر الشهري البالغ 60 نقطة منذ بدء احتسابه في تموز 2007.

ويرى كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل ان ارتفاع المؤشر في الفصل الثاني من العام بشكل أساسي مرتبط بشكل اساسي بإعلان وزارة المالية ووزارة الشؤون الاجتماعية في نيسان عن نيّة الحكومة تخصيص ألف مليار ليرة لبنانية لدعم الفائدة على القروض السكنية، الأمر الذي رفع توقعات المواطنين ذوي الدخل المحدود بإعادة العمل بالقروض السكنية المدعومة بعد توقفها في بداية العام. وهناك عامل آخر ساهم في تحسين نتائج المؤشر ولم يُسلّط الضوء عليه بما فيه الكفاية هو إتمام ​مصرف لبنان​ و​​المصارف​ التجارية​ جميع الإجراءات المتعلقة بطلبات القروض السكنية المدعومة التي تمت الموافقة عليها والتي كان يُنتظر البت فيها خلال الفصل الأول من السنة، مما أراح المواطنين الذين تقدموا بهذه الطلبات في تلك الفترة.

وتبقى ​السياح​ة المتنفس الوحيد للاقتصاد اللبناني علما ان الجزء الاكبر منها يعتمد على اللبنانيين المغتربين . والقطاع السياحي من ​فنادق​ ومطاعم بانتظار دائم لاستعادة مواسم العز الذي يفتقدها رغم الحركة الملحوظة بسبب كلفة الاعباء التشغيلية التي يتكبدها .

واظهرت أحدث الأرقام الصادرة عن وزارة ​​السياحة​​ أن عدد السياح سجل زيادة سنوية بنسبة 3.9% في الأشهر السبعة الأولى من عام 2018 بعد زيادة بنسبة 12.3% في نفس الفترة من العام السابق.

و تصل نسبة إشغال الفنادق الواقعة في القرى السياحية من 90% الى 100%، خلال أيام المهرجانات وعطلات نهاية الأسبوع. لكنها لا تتعدى حدود الـ50% خلال أيام الأسبوع.

كما أن نسبة الاشغال الفندقي خلال موسم صيف 2018، سجلت نتائج أفضل من العام الماضي 2017، وقد تراوح التحسن ما بين 8% و10%.

على صعيد ​الاستثمارات​ ، هناك سبب رئيسي لتراجع الإستثمارات الأجنبية في لبنان هو كلفة الأعباء التشغيلية على الشركات والمؤسسات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، بالطبع هناك خلل محلي هو التحجج بالأوضاع الإقليمية ولاسيما الاوضاع في سوريا .

فالإقتصاد اللبناني مبني على الثقة، ​ثقة المستهلك​ وثقة المستثمر، وذلك يشمل أيضا المودعين في المصارف. و هناك تراجع في تدفق رؤوس الأمول إلى لبنان وسبب ذلك هو تراجع الإستثمارات الأجنبية المباشرة من 15% من الناتج المحلي في 2008 إلى أقل من 5% من الناتج المحلي في 2017.

الوضع الاقتصادي​ القائم في البلد ضبابي بامتياز ، وان كان وضع الليرة مستقراً بحماية ​حاكم مصرف لبنان​ الذي يتقن هندسة السياسات النقدية .

هناك أسباب داخلية وراء ما هو قائم في البلد، فالبنى التحتية على قدر كبير من الإهتراء. وهناك مسح أجراه المنتدى الإقتصادي الدولي حدد العوائق التي تعترض الأعمال في لبنان والشركات، اولها عدم الإستقرار السياسي. الثاني هو ​الفساد​. الثالث ترهل البنى التحتية. الرابع صعوبة المعاملات مع الدولة وكلفتها وما تستغرقه من وقت طويل لإنجازها. والخامس عدم وضوح السياسات المالية والإقتصادية. السادس هو ​التضخم​ والضرائب؛ فالتصور ان هذه الضرائب في لبنان هي منخفضة ليس ذلك صحيحا، بل إرتفعت منذ العام الماضي وكان ذلك كارثيا يضاف إلى ذلك إقرار سلسلة الرتب الرواتب.

في ايلول استحقاقات قادمة . وما من سلطة تنفيذية تواكب المستجدات . فتصريف الاعمال يخيب الآمال لأن البلاد بحاجة الى انطلاقة عجلة النمو .

ولكن هل هناك من ضغط دولي لتسريع التشكيل والسير بالاصلاحات الموعودة لكسب المساعدات الدولية التي أقرت من اجل لبنان ؟

حبيقة

برأي ​الخبير الاقتصادي​ الدكتور لويس حبيقة ان الجميع بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة.

في المفهوم الدولي ليس من مهلة محددة . وهناك تضارب بين نظرتين ؛ احداها تقول انه بامكان ​مجلس النواب​ التشريع وهو ما يعرف "بتشريع الضرورة" بدون المرور بالحكومة والثانية تنفي هذه الصلاحية.

ويقول الدكتور حبيقة " للاقتصاد" هذا الوقت ضائع وهو مكلف جداً للخزينة بغياب اي استثمارات جديدة ، مع تصاعد ارقام ​البطالة​ وانعدام فرص العمل .

والملاحظ هروب الرساميل والاستثمارات الى البيئات الحاضنة في الخارج مثل ​اندونيسيا​ ، الفيليبيين ، ​اليونان​ وغيرها...

تشكيل الحكومة جزء من حل المشكلة ولكن الخلل في التركيبة . فاي مستقبل ينتظرنا اذا كان علينا انتظار 9 اشهر لولادة حكومة .

والملاحظ اليوم بكل أسف، ان ثمة رغبة لدى معظم اللبنانيين في مغادرة لبنان بسبب الاوضاع السياسية السائدة والتي ترتد سلباً على معيشة اللبنانيين.

نعم ، نحن على ابواب استحقاقات جديدة في ايلول ، ولكن لا ننسى انه حتى تاريخه هناك أهل لم يتمكنوا بعد لغاية تاريخه من تسديد اقساط العام الدراسي السابق . وهناك شريحة من الموظفين لم تقبض بعد سلسلة الرتب والرواتب. نحن نعيش في بلد نسدد فيه الضرائب ، بدون اي مقابل .

اما بعد، فما ينقله الخبراء في الاقتصاد عن الوضع في لبنان لايختلف عن تقارير الهيئات الدولية المراقبة التي تشدد على ان تواكب الاصلاحات عملية انطلاق حركة ​اعمار​ البنية التحتية في لبنان. بالامس ، اتجهت "كل الأنظار نحو " سيدر" والرهان الحالي هو على الالتزام بتطبيق بنوده لتغيير واقع الجمود الذي يعيشه القطاعات المنتجة ولكن اين هو القرار السياسي؟ .