يعتاش عدد كبير من المواطنين ال​لبنان​يين في الجنوب من زراعة شتول ​التبغ​ في اراضيهم ليصار الى قطفها وبيعها الى ادارة حصر التبغ والتباك اللبنانية (​الريجي​) فيما بعد والتي توفّر لهم مردوداً مالياً مهماً يستطيعون من خلاله العيش طيلة سنة كاملة.

وتنتشر زراعة الدخان في معظم المناطق اللبنانية وتحديداً في الجنوب وفي قضاء بنت ​جبيل​ على وجه التحديد، وهي زراعة قديمة تعود الى اكثر من 150 عاماً وقد ساهمت في انتعاش هذا القطاع جيلاً بعد جيل.

ولكن خسائر كبيرة ضربت موسم شتول التبغ هذا العام بشكل لافت بسبب اصابتها بمرض فطري يعرف بـ"البياض الزغبي" والذي يؤدي الى يباس الاوراق وتلفها وبالتالي تصبح ذات غير قيمة اقتصادية الامر الذي يهدد الالاف من المزارعين الفقراء في الجنوب. تداعى نواب وفعاليات وبلديات المنطقة الى التحرك لمطالبة الحكومة بالتعويض على المزارعين وتحديد قيمة الخسائر، فاقر ​مجلس الوزراء​ في جلسته الاخيرة قبل الاستقالة بتكليف الهيئة العليا للاغاثة بالكشف عن الاضرار وتحديد ​آلية​ للمساعدات.

وحول هذا الموضوع، كان لـ"الاقتصاد" مقابلة مع مدير التبغ الورق في "ادارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية" (الريجي) المهندس عبد المولى المولى، و​رئيس بلدية​ عيترون الجنوبية سليم مراد ورئيس بلدية رميش فادي مخّول.

ومن ناحيته اشار مدير التبغ الورق في ادارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي) عبد المولى المولى الى ان الخسائر في شتول التبغ اتت نتيجة الظروف المناخية السائدة لهذه السنة ، والتي لم يشهد مثلها منذ ​زمن​ طويل "

واضاف "انه انتشر في حقول التبغ، وبشكل ملفت مرض فطري يسمى الميلديو ، عدا عن الاصابات الحشرية التي تسبب خسائر في المحصول كماً ونوعاً وخاصة في منطقة بنت جبيل "

واوضح "بان هذا المرض هو مرض فطري ينمو وينتشر في الظروف الجوية الرطبة والحرارة ما دون الـ27 درجة مئوية وتشتد الاصابة في حالات الامطار الخفيفة او الزراعات الكثيفة في الارض ، حيث تظهر الاعراض على شكل بقع صفراء باهتة على السطح العلوي لورقة التبغ يقابلها على السطح السفلي زغب رمادي يصبح قاتماً مع تقدم الاصابة وتلون الساق باللون الاسود ، لذلك يجب مكافحة المرض من خلال استعمال المبيدات الفطرية المناسبة ".

وتابع " توجهت ادارة الريجي مباشرة من خلال ايفاد مهندسيها الى الحقول لارشاد المزارعين وتوجيههم للطرق الصحيحة لمعالجة الامراض الموجودة ، وقد تم توزيع مبيدات فطرية وحشرية من قبل الادارة للمزارعين المتضررين في المنطقة"، مشيرا الى انه كانت هناك جولة ميدانية لرئيس ​لجنة الادارة​ مدير العام الريجي برفقة رئيس الهيئة العليا للاغاثة ونواب المنطقة ونقابة المزراعين لعدد من البلديات ومنها عيترون، رميش، عيتا الشعب والبستان للوقوف الى جانب مزارعي التبغ والبلديات المعنية من اجل ​تكوين​ فكرة عن الاضرار وطبيعتها ونسبتها الفعلية .

ولفت المولى الى "الامراض ضربت شتول التبغ وخاصة في القطفتين الاولى والثانية من الموسم والتي تقدر بحوالي 20 % من المحصول علماً ان هذه النسبة تختلف من منطقة لاخرى ومن مزارع لاخر"، كاشفاً ان الكميات التي تشتريها الريجي عادة من المزارعين في الجنوب فتقدر بحوالي 5 مليارات كيلوغرام بسعر وسطي يقدر بـ13 الف ليرة، يختلف حسب النوعية والجودة من منطقة لأخرى وبحسب مستوى أوراق شتلة التبغ

وحول موضوع التعويضات على المزارعين كشف المولى "اننا ننتظر الاليات للتعويض بالتنسيق مع الهيئة العليا للاغاثة".

وختم قائلا: " لقد قامت الادارة بسلسلة جولات ارشادية لكافة القرى التبغية لتوجيه المزارعين حول ممارسات الزراعة السليمة وطرق مكافحة الافات وتزويد المزارعين بنشرات فنية خاصة بتلك الفترة من الموسم".

من جهته، قال رئيس بلدية عيترون في قضاء بنت جبيل والخبير الزراعي سليم مراد ان زراعة التبغ هي زراعة جنوبية منذ القدم ويعتاش منها حوالي 1200 عائلة في بلدة عيترون بالاضافة الى قرى اخرى مثل رميش وعيتا الشعب.

واضاف مراد ان ما حصل خلال السنة الحالية من تأخر للأمطار حتى شهري نيسان وايار بالاضافة الى ارتفاع ​الرطوبة​ وتجاوز الحرارة 25 درجة ساهمت كلها في انتشار مرض "البياض الزغبي" أو "الميلديو" وهو من اخطر الامراض الفطرية التي تصيب الشتول وتزداد خطورته في الاحوال الجوية الرطبة والامطار الخفيفة والتي مر بها لبنان مؤخراً ويصبح هذا المرض وبائي او فتّاك بدرجات حرارة معتدلة تترواح بين 10 و 20 درجة مئوية"، وموضحاً ان اعراض هذه المرض تظهر من خلال اصفرار الاوراق وظهور زغب رمادي اللون وبالتالي عند يباس هذه الاوراق تصبح غير صالحة للاستخدام وغير نافعة اقتصادياً ومحصول شتول التبغ يصبح تالفاً".

وتابع "بدأت الاصابة بهذ المرض بنسبة تراوحت بين 10 و20% وهو ينتشر بسرعة وحتى وصلت نسبة الاصابة الى 60% ونتيجة هذا المرض الوبائي الذي لم نعتد عليه في الطبيعة ومن هنا تداعينا كبلديات ومنها بلدية عيترون مع نواب المنطقة واتفقنا مع الوزير ​محمد فنيش​ بان يطرح القضية على مجلس الوزراء وهذا ما حصل بالفعل حيث ان الحكومة اقرت اعطاء مساعدات للمزارعين، فيما بقيت آلية تنفيذ قيد البحث، وقد استقبلنا في بلدية عيترون نواب المنطقة ومدير عام الريجي ناصيف سقلاوي امين عام الهيئة العليا للاغاثة اللواء الركن محمد خير للبحث في تحديد كمية الاضرار بشكل عام وكيفية التعويض، فكانت الانطلاقة من بلدة عيترون وانتقلنا الى رميش وعيتا الشعب وغيرها من القرى حيث لحظنا الاضرار بشكل عام وتم التأكيد على انها وبائية وبالتالي يجب ان تقوم الدولة بالتدخل للوقوف الى جانب المواطنين".

وقال "نحن كمزارعين ومعنيين نناشد ادارة حصر التبغ والتنباك لتبسيط هذه المسألة ولتثبيت المساعدة او التعويض ونأمل خيراً الا ان هذه المسألة بحاجة الى متابعة مع وزير المالية ومع الهيئة العليا للاغاثة ومع الريجي كي يصل الى المزارع جزء بسيط من حقه مع العلم ان زراعة التبغ هي من زراعة الفقراء ونناشد كل من يعنيه الامر التدخل لتسريع وتحديد آلية واضحة تجاه هذا المزارع حتى يشعر بان هناك جهة معيّنة وقفت الى جانبه".

واشار الى ان هناك ما بين 5 الاف الى 6 الاف مزراع لشتول التبغ في منطقة بنت جبيل، وفي منطقة ​صور​ بحدود 4 الاف مزارع، وفي منطقة النبطية هناك 2500 مزارع كما هو الحال في منطقة مرجعيون يستفيدون من زراعة التبغ ومضيفاً ان في هذه الزراعة هي مبكرة في منطقة الجنوب وبالتالي المرض الفطري ينتشر بسرعة واما في منطقة البقاع فزراعة التبغ متأخرة لان الطقس غير رطب وهذا لا يعني انتشار المرض بشكل وبائي كما حصل في الجنوب."

اما رئيس بلدية رميش فادي مخّول فاشار بدوره الى انه من المفترض ان تكون هذه الزراعة صيفية لكن المزارعين بدأوا باعمال الزراعة في وقت مبكّر وكان الطقس خلال هذه السنة ماطراً وخاصة في شهر ايار الامر الذي اثر على شتلة التبغ بشكل مباشر فاصيبت بمرض الميلديو والذي يؤدي الى يباس الاوراق والموسم قد ضرب بشكل كلي والناس التي كانت تنتظره لتعتاش منه كل السنة لن تستطيع ان تؤمّن مصاريفها ومصاريف عمالها حتى ان هناك وصف في القرية برز بان في كل بيت شخص ميت".

وكشف مخّول ان "موسم التبغ في رميش يباع الى الريجي بقيمة 4.5 مليار ليرة وان الخسائر بلغت 3 مليارات ليرة لبنانية وخاصة ان هناك 10 الاف نسمة في القرية يعيشون على زراعة الدخان".

وحول الخطوات التي اتخذتها البلدية لمعالجة الموضوع، لفت الى "اننا تواصلنا مع مدير عام الريجي ناصيف سقلاوي وتم ارسال ادوية كمساعدات للمزارعين وتم رشها ولكنها لم تنفع بسبب تفشي المرض بشكل كبير، ومضيفاً ان الهيئة العليا للاغاثة قامت بجولة للكشف على الاضرار منذ اسبوعين بحضور سقلاوي ونواب المنطقة وبالمبدأ قالوا انهم سيقومون بمسح اجمالي لكل المنطقة."

واضاف انه "بالنسبة لنا كبلدية قمنا بكل الاعمال اللازمة وطلبنا من الرئيس الحريري بتكليف الهيئة العليا للاغاثة ووعدنا خيراً بذلك واعتقد بان المعنيين في المنطقة لن يتركونا عرضة لاي محنة وسيجدون باب اخر او مصدر اخر للتمويل ونطالب الدولة بان تهتهم بالمزارعين لانهم يزرعون مواسمهم ليعتاشوا منه خلال السنة كلها."