"بحثت عنه ولكنني لم أجده، فليس من السهل العثور على عمل بوظيفة ثابتة في هذا البلد، لم يكن امامي حلاً وان كان مؤقتا، الا ​العمل​ كـ"فري لانسر" خجلاً من لائحة العاطلين عن العمل في دولة لم توفّر سطرين بدستورها لتعرّف عنا !"

ما تقوله بسخرية الصحافية ​الفري لانسر​ عليا خاطر لـ"النشرة الاقتصادية" عن وضع عملها هو  حال معظم الشباب اللبناني الذي يهرب من سوق "​البطالة​ الدائمة" إلى سوق "البطالة المؤقّتة" إلا إنّ هذا الوضع لا يقتصر على اللبنانيين بل يتعداه الى نحو 25% من عمّال العالم بينهم 35% في اوروبا، ووسط تزايد هذه الظاهرة، يتبيّن انّها لا تقتصر على من لا يجد وظيفة ثابتة بل تشمل الكثير ممّن يفضلون الدوام الجزئي، او العمل بـ"القطعة"، على ان يتقيّدوا بدوام ومدير وسلطة.

من ناحية أخرى  يقول المخرج الفري لانس وائل بودرويش انّه يفضل اختيار وقت ومكانونوعية عمل بحسب "مزاجه" دون الخضوع الى أنظمة وقوانين الشركة، وذلك على الرغم من عدم الاستقرار المهني الذي يشعر فيه ، وتوضّح الدكتورة في  علم النفس الاجتماعي بشرى قبيسي لـ"النشرة الاقتصاديّة" أنّ  تأقلم العامل مع ظروف مهنيّة غير ثابتة لا سيما بوقت ومكان عمل أشبه بأن يكون "متقطّعا" فضلاً عن غموض إجازاته او تخطيطه المهنيّ،  يشعره بالحيرة  والخوف والاستفزاز وحرق الاعصاب إذ يعتقد انه يقوم بعمل ضائع غير قابل للتطور في ظل الاوضاع الاقتصادية الراهنة التي تجبر البعض على الدخول الى هذا المجال هربا من البطالة.

لا قانون واضح وصريح في بلادنا بما يتعلّق بـ"الفري لانس"،  في هذا السياق يقول الخبير بالشؤون القانونيّة شادي كمال الدين انّ المادة الثامنة من قانون العمل اللبناني قد نصّت على ما يلي "يخضع لاحكام هذا القانون جميع ارباب العمل والاجراء الا ما استثني منه بنص خاص" موضّحاً أنّهم لا يرتبطون بعقد عمل ولا يتمتعون بحماية مباشرة من الدولة، لذا يضطرون في هذا الوضع اللجوء الى قانون"الموجبات و العقود"، ويكون العقد اشبة بما يكون بعقد المقاولة اما بصيغته الخطيّة ،اوالشفهية. وهنا ينبه الى انّه لا بدّ من توفّر شروط  الاثبات في العقد الشفهي للحفاظ على وضعيته القانونيّة، وانّ اي نزاع بين المؤسسّسة والفري لانسر يعود حلّه الى المحكمة المدنيّة فمثلا  بحال ورود اي خطا في مقال كتبه صحافي فري لانسر فان الجريدة تستطيع رفع كافّة المسؤؤليّة القانونيّة على عكس طريقة التعاطي مع اي موظف ثابت.

اما المستشارة الاقتصادية الفري لانسر نورا غندور، فتلوم الدولة اللبنانية على الوضع المعيشي الذي يحصّله هذا القطاع قائلة "الدولة لا تعترف فينا أصلا،لا كعمال و لا كعاطلين عن العمل، فعن اي دولة  تعترف بعمالها اذا لم توفّر لهم الحد الادنى من حقوقهم؟، كالمرض وحوادث العمل والاجازة والضمان خاصّة وان مردودنا المادي لا يذكر،فعملنا كالكهرباء يوم يأتي، وعشرة ينقطع" وهنا يرد كمال الدين عدم الاعتراف باي حق من الضمان الاجتماعي للفري لانسر الى عدم خضوعه او ارتباطه بسلطة رب العمل والمؤسسة وفقا للمادّة الثانيّة من قانون العمل، فضلا عن عدم تبعيّته الى نظام ضريبة دخل الاجر المدفوع من قانون العمل، إلا أن ذلك لا يعني  أنّه لا يحق للشركة توجيهه والاشراف عليه.

من جهته رئيس الاتحاد العمالي غسّان غصن يعتبر أنّه "اصلا لا حقوق للفري لانسر لنطالب بها الا في حال استخدامه كعامل ثابت من قبل المؤسسة وهذا ضد القانون"، مشيرا الى أنّه " يمتلك مجلس النواب تشريع في ما يتعلّق بالتوقيع الالكتروني الذي غالبا ما يستخدمه هؤلاء العمّال ولكن الى الان لم يقرّه."

بالمقابل  تصرّ رئيسة الجمعيّة اللبنانية للتنكنلوجيا والمعلومات منى جبور على ضرورة اقرار قانون خاص لهذه الشريحة من العماّل لا سيّما وسط العقود الالكترونية بينهم و بين رب العمل إذ أن معظم هذه الاعمال تقوم عبر مواقع وسيطة على شبكة الانترنت وتشدّد جبور على ضروة "أخذ الحيطة والحذر عند ابرام العقد والتمعن في البنود التي تثبت قيام الفري لانسر بعمله وفق الشروط المتّفق عليها والتي لا نمتلك قانوناً خاصّا لمعالجتها."

وإّذا قارنّا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفري لانس في لبنان بدول الشرق الاوسط  فنجد أنّ معظم هذه الدول تحظّر امكانية تنظيم اعمالهم او اقامة نقابات خاصة بهم على عكس لبنان، لاسيما في كلّ من السعودية والامارات، في حين تسمح لهم دول أخرى بذلك شريطة ترخيص مسبق من الحكومة كما في مصر وفلسطين والعراق و ليبيا.

كما يسمح الدستور الايراني بانشاء الجمعيات المهنية، مع مراعاة  مبادئ الوحدة الوطنية و الجمهورية الإسلامية بينما تمنح كلّ من الجزائر، والبحرين ، وتونس و مصر و المغرب وفلسطين هؤلاء العمال حقّهم في تكوين النقابات والمفاوضة الجماعية، إلّا أنّ  الشكل الرئيسي للمنظّمة عند هؤلاء هي الجمعيات المهنية.

بالمقابل تعتبر الدول الاوروبية محيطا اقتصاديا واجتماعيا مؤهّلا لاستيعاب هذه الشريحة من العمّال بالمقارنة مع غيرها،  فنجد انّ فرنسا وفقا للمادّة 2.761 من قانون العمل و ما يعرف بنظام الـ"بيغيست" توفّر اكبر حماية للصحافيين الفري لانس في العالم وبذلك تنطبق معظم حقوقهم مع بقية الموظيفين في حالة المرض والامومة والحوادث الصناعية والبطالة والتقاعد والطرد وتوفير اجازة مدفوعة الاجر ليفعّل فيها قانون "نهاية المرض".

على الرغم من قدرة "البيغيست" على تأمين الكثير من المتطلبّات الاقتصادية والاجتماعية للفري لانسر إلا أنهم لا يزالون يطالبون بمزيد من الحماية المهنيّة.

الى ذلك يعقد هؤلاء العمال في ايطاليا عدة مناقشات للبحث في توحيد حقوقهم الاقتصاديّة مع بقيّة العمّال، حيث توّفر لهم الدولة التامين الصحي مصنفة العقد بين طرفي العمل بـ"التعاون و التنسيق" علما ان كلّ من ايطاليا و النرويج والسويد هم من الدول التي توفر للفري لانس اجور" ادنى من المتوسط المدني" في حين توفّر لهم معظم الدول الاوروبية "ادنى مستوى من اجر الصحفي المتوسّط" بعكس بريطانيا.

ويلجأ  "العمّال المستقلّون" كما يعرفون في المانيا الى المحكمة المدنية ليكون العقد بين الطرفين عقدا مدنياً، يطبّق فيه قانون "ضمانة المرض " كما يفعّل هذا القانون في النرويج مع بعض التحفظات القانونيّة.

ونشير استنادا الى تحقيق في مركز "ادفا"بتل ابيب عن "الحق في العمل في اسرائيل" انّها لا تعتبر الفري لانسر عاملا قانونيّا فهو لا يتمتع لا بحقوق و لابحماية كما انّ العقد بينه و بين رب العمل يكون عقد شخصي في محكمة مدنيّة.