الى جانب همروجة الانتخابات النيابية، وزخم الترشيحات، وحماس المرشحين على الشاشات، واعلان اللوائح في كل الدوائر وما يواكبها من نفقات خيالية للدعم، كثر الحديث عن تلزيمات التنقيب عن ​النفط​ والغاز في ​لبنان​ بعدما تم توقيع رخصتي الاستكشاف والاستخراج لائتلاف يضم شركات ​توتال​ و​ايني​ ونوفاتيك مع مخطط لبدء حفر الاستكشاف خلال العام 2019. ومن المتوقع ان تستغرق مرحلة الاستكشاف ما يقارب 5 سنوات، يليها بضع سنوات لتجهيز البنى التحتية قبل بدء تحقيق ايرادات مالية من هذا القطاع المربح الموعود.

الا انه في المقابل، ينسى المسؤولون انه في لبنان ثروة جاهزة طبيعية، وهي الاهم في المنطقة، يُحسد عليها ويتفرد بها، ولكن للاسف هي ثروة مهدورة ومهددة بالزوال في غياب المخططات اللازمة والسليمة لإستثمارها وتضارب المشاريع المطلقة بين اهمية انشاء السدود وبين خطر هذه السدود على البيئة وغيرها...

الظروف المناخية والجغرافية في لبنان بتباينات كبيرة في مدى توفر المياه، حيث تكثر الفيضانات في فصل الشتاء، تليها موجات جفاف في الصيف. كما أن كمية المياه التي يخزنها لبنان لا تزيد عن 6% من إجمالي موارده المائية مقارنة بالمعدل الإقليمي الذي يبلغ 85%. كما يساهم التوسع العمراني السريع وتآكل ​البنية التحتية​ لشبكة المياه وعدم كفاءتها وتأخر ​الاستثمارات​ الجديدة والإصلاحات في زيادة سرعة تدهور قطاع المياه في لبنان. وخلال السنوات الماضية، تسبّب ​الجفاف​ الحاد و وارتفاع الطلب على المياه بفعل وجود أكثر من 1.6 مليون لاجىء سوري، الى أزمة مياه غير مسبوقة.

وفق الدراسات وآخرها ما جاء في تقرير مركز الدراسات الاقتصادية​ في "فرنسَبنك" ان المياه المتجددة في السنة المتوسطة في لبنان تقدّر بنحو 4.1 بليون متر مكعب، منها 1 بليوناً تعبر الحدود اللبنانية، و0.4 بليوناً تذهب إلى البحر، مما يجعل الموارد المائية المتاحة نحو 2.7 بليوناً تتوزع بين مياه جوفية (0.5 بليوناً) وسطحية (2.2 بليوناً).

كما تشير الدراسة إلى أن إجمالي الموارد المائية السطحية والمستخرجة من الآبار الخاصة وعبر السدود تقدّر بحوالي 1.6 بليون متر مكعب، وأن المياه من السدود لا تزيد عن 235 مليون متر مكعب وهي تمثّل نحو 6% فقط من إجمالي الموارد المائية المتجددة، مقارنة مع نسبة %295 في ​مصر​ و117% في ​سوريا​.

وترى الدراسة أن لبنان يمكن أن يشهد عجزاً مائياً متزايداً خلال السنوات القادمة، في ظل تنامي الطلب على المياه والثبات النسبي في حجم عرض المياه.ومن المقدّر أن يزداد الطلب على المياه من نحو 1.5 بليون متر مكعب عام 2015 إلى نحو 1.8 بليوناً عام 2035، مما سيرفع العجز المائي من نحو 291 إلى 610 ملايين متر مكعب خلال ذات الفترة.

في الخلاصة، الثروة المائية لم تعد تحمل معناها ومضمونها بل تحولت الى مادة تدّرس في كتب الجغرافيا مغزاها ان لبنان يتمتع بثروة مائية تضم ينابيع وشلالات تغذيها الامطار والثلوج.

واليوم اين هي الثروة المائية ؟

من الواضح ان فصل الشتاء الحالي لم يكن على قدر الآمال ، ولم تسمح امطاره المتواضعة وثلوجه القليلة بتخزين اي كميات يمكن الاعتماد عليها، ما يعني ان موسم الشحائح سيتفاقم وسيأتي مبكراُ هذا العام مع انه كان متواصلاً ، بحيث ان المياه غير متوافرة في معظم المناطق وزيادة التقنين ترتفع عند مستوى الانقطاع الكامل لمصلحة شركات نقل وتوزيع المياه .

شح ومصاريف خيالية

اللبنانيون في اغلبيتهم لا يحصلون على المياه وان تم ذلك فهو لساعات قليلة في اليوم. ويؤكدون أن المياه الشحيحة التي يحصلون عليها من البنية الأساسية العامة رديئة بشكل عام. واكثر هؤلاء يلجأ إلى شراء المياه المعبأة المكلفة وإلى مياه الصهاريج.

وفي هذا السياق، تقول الخبيرة في شؤون إمدادات المياه في ​البنك الدولي​ كلير كفوري، إن متوسط تكلفة تأمين المياه إلى منازل المواطنين اللبنانيين أعلى بدرجة كبيرة من المعايير الدولية، ويؤثر ذلك على الفقراء والبيئة وكفاءة قطاع المياه عموما. ومع تدفق مياه الشرب النظيفة بوفرة مباشرة إلى منازلهم، سيكون بمقدور الأسر تقليص الاعتماد على صهاريج نقل المياه والآبار غير المرخصة والبدائل الأخرى، مما يؤدي بدوره إلى خفض ما تتحمله من مصاريف.

ويقول أستاذ الهندسة في "كلية مارون سمعان للهندسة والعمارة"(MSFEA) في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) البروفسور معتصم الفاضل الذي اجرى دراسة ضمن فريق عن واقع المياه في لبنان :" إن السكان الذين يعيشون في بيروت يدفعون أعلى أسعار للمياه في العالم. ويدفع كثير من الناس أربعة فواتير للمياه فاتورة من الحكومة لمياه لا يحصلون عليها وفاتورة للمياه التي تُبتاع من الصهاريج، وفي معظم الحالات تكون نوعية هذه المياه رديئة وفاتورة المياه المعبأة للشرب، وغالبا تكون معبّأة من شركات غير مرخص لها وفاتورة لتحلية مياه الآبار التي تُضخ في مبانيهم".

وأضاف البروفسور الفاضل: "لدينا في لبنان الكثير من المياه، لكنها بحاجة إلى تنظيم".

فكرة الحصول على المياه النظيفة الصالحة للشرب بشكل مستديم تلازم كل لبناني على مدى العقود ..

وقد وضعت ​مجموعة البنك الدولي​ سلامة المياه في صدارة جميع ​مشاريع المياه​ التي تمولها في لبنان.وهيتساند قطاع المياه اللبناني من خلال الدعم الفني ومجموعة كبيرة من العمليات التي تشمل مشروع تعزيز إمدادات المياه، المعروف باسم سد بسري. وقررت ​الحكومة اللبنانية​ تحديد موقع السد بعد سنوات من دراسة الخيارات، وإجراء تقييمات للآثار الاجتماعية والبيئية، وتجميع الآراء من المشاورات العامة. تقضي الخطة ببدء تشغيل السد عام 2024!

في الوقت نفسه، تمثل إدارة إمدادات المياه في بيروت تحديا حقيقيا ما لبث أن ازداد صعوبة بسبب التدفق غير المتوقع لأكثر من مليون لاجئ سوري إلى لبنان، مما أدى إلى تفاقم النقص الحاد بالفعل في المياه واستغلال الحد الأقصى من موارد المياه و​الخدمات العامة​ الأخرى.

في مطلق الاحوال، السباق محتدم بين تزايد شح مصادر المياه و ارتفاع الطلب دون ان ننسى سلامة هذه الثروة.

يمثل الأمن المائي تحديا لكثير من البلدان اليوم وهي تحاول معالجة مشاكل المياه المعقدة التي تغطي مختلف القطاعات الاقتصادية. وقد خلق ​النمو السكاني​ والاقتصادي ضغوطا غير مسبوقة على الموارد المائية. وتظهِر التقديرات أنه إذا استمرت الممارسات الحالية ، فإن العالم سيواجه نقصا نسبته 40% بين الطلب المتوقع على المياه والإمدادات المتاحة منها بحلول عام2030. واليوم، فإن الزراعة تستهلك ما نسبته 70% من مسحوبات المياه في العالم .

وسيتطلب توفير الغذاء لـ 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050 زيادة ​الإنتاج الزراعي​ بنسبة 60% وزيادة استهلاك المياه بنسبة 15%. وسيحتاج العالم مزيدا من المياه لتوليد ​الكهرباء​ وإن كان لا يزال هناك اليوم أكثر من 1.3 مليار شخص يفتقرون إلى الكهرباء. ويعيش أكثر من نصف سكان العالم الآن في مناطق حضرية ، ويزداد هذا العدد سريعا. وتتعرض المياه الجوفية للاستنزاف بمعدل أسرع من معدل إعادة تغذية مكامنها. وبحلول عام 2025، سيعيش حوالي 1.8 مليار شخص في مناطق أو بلدان تعاني ندرة مطلقة في مجال المياه.

ويشير تقرير للبنك الدولي، إلي إن ندرة المياه التي تتفاقم بسبب تغّير المناخ قد تؤدي إلى فقدان بعض المناطق ما يصل إلى 6% من إجمالي ناتجها المحلي، وتحفز على الهجرة، وتؤدي إلى تأجيج الصراعات. وستؤدي الآثار المجتمعة لنمو السكان وارتفاع مستويات الدخل وتوسع المدن إلى زيادة الطلب على المياه زيادة كبيرة بينما سيصبح المعروض منها غير منتظم وغير مؤكد بدرجة أكبر. ويحدث كل هذا في سياق لم تكتمل فيه بعد الأجندة الحيوية المتعلقة بإمكانية الحصول على الخدمات.