قبل احدى عشر عاما حاول بن لادن أن يكبّد الولايات المتحدة الاميركية خسائر اقتصادية لم يقوى عليها "احدهم" لا في عهد كريستفر كولومبوس الذي ظنّها الهند قبل أن تنهض، ولا في عهد الاتحاد السوفييتي قبل ان يتفكك. فما قدِر "الارهابي" كما صنّفه الرئيس الاميركي السابق جورج بوش إلا على برجي مركز التجارة العالمي -على المستوى الاقتصادي- خلال أحداث11 ايلول من عام 2001، حيث انه لم يكن في الحسبان ان تُسبب "إحداهنّ" وهي "السيدة ساندي" خسائر مالية قُدّرت بنحو 45 مليار دولار اميركي خلال 48 ساعة فقط حتى الان، اي ما يعادل 900 مليون دولار اميركي كل 60 دقيقة.

ما يجعلنا نتساءل هل ما تقوم به الطبيعة تجاه اميركا هو انتقام بحجة التقارير البيئية الاخيرة التي تضع 90% من مسؤولية "تلوّث العالم" على كتف الولايات المتحدة وأوروبا والدول الصناعية الكبرى.

وفي تلك البلاد "سوابق" حيث ابتلع إعصار "كاترينا" الاول من نوعه عام 2005 منطقة نيو أورلينز التي لم تستعد قواها الاقتصادية حتى اليوم، علماً أنّ هذا الاعصار ليس هو الاقوى في تاريخها، حيث نجمت عنه خسائر مادية قدرت بـ 66 مليار دولار، منها 41.1 مليار دولار من الممتلكات المؤمنة. وهذا ما لا يمكن مقارنته بالـ45مليار دولار التي سجّلتها "ساندي" لانّ الوقت وحده هو الكفيل باثبات اكتشاف الخسائر المستمرّة، كما ساهم كل من اعصار "ايرين" عام 2011 في خسائر قدرت بـ15 مليار دولار، و"آيك" عام  2008 بـ20 مليار.

وبعيداً عن مصلحة رئيس "الامبراطورية الكبرى" باراك أوباما في ما سمّاه بـ"الكارثة الكبرى" وذلك لان الاعصار يعطيه فرصة جديدة لإثبات قدراته الاقتصاديّة في احتضان "ساندي" كما يقول بعض الخبراء الاميركيين، فضلا عن توقع صحيفة "فاينانشل تايمز" البريطانية بتأجيل إصدار مؤشرات البطالة التي قد لا تكون لصالحه بعد هذه الكارثة والتي تؤثر بدورها على المؤسسات والشركات، حيث ستضطرّ الى تسريح موظفين او تخفيض رواتبهم، فقد يؤدّي الاعصار الى انخفاض ما لا يقلّ عن 0.2% من اجمالي الناتج المحلّي في الربع الاخير من العام، وفقاً لما اشارته وكالة "بلومبرغ" عن احد الخبراء الاقتصاديين تزامناً مع هبوط في الانفاق على الخدمات الثانوية.

هذا وتمّ تعليق التداول في بورصة "وول ستريت" بنيويورك لمدّة يومين، ما لم يحصل منذ هجمات 11 أيلول، لتكون أول مرة تقفل فيها البورصة الاميركية لمدة 48 ساعة، بسبب حالة الطقس الرديئة بعد عام 1888. كما توقعت شركة "ايكيسات" ان تبلغ "الاضرار التي تشمل بوالص التأمين 10 مليار دولار."

فيما توقّع المحلّلون ان تصل تكلفة إعمار ما دمر الى 20 مليار كمرحلة أولى. ويشمل اجمالي هذه الخسائر ممتلكات مؤمنة بقيمة 7 الى 8 مليارات دولار، لتلغي شركات الطيران 14 الف و200 رحلة على الاقل، مما يزيد نسبة الخسائر ويقطع الطرق امام آلاف المسافرين.

وبحسب توقعات سابقة لجمعية عالمية متخصصة في السفر فإنّ "ساندي" سيلغي 580 ألف رحلة جوية. ويتسبب بخسائر تتجاوز قيمتها 700 مليون دولار، ممّا يزيد من احتمال الافصاح عن الغاء رحلات غير التي تم الاعلان عنها، وذلك في وقت لاحق، عدا عن تعطيل حركة الحافلات والمترو الذي لم يتوقف منذ 108 اعوام. ما يؤكّد تطلعات بعض الخبراء لانخفاض حركة المرور بنسبة 40% في المناطق المتضرّرة بعد الحادثة.

وفي كل، الاعصار وقصصه ما يلفت اللبنانيين الذين سلموا من الاعصار هي تلك "اللحظة المشتركة" التي عاشها الاميركيون معهم بعد انقطاع التيارالكهربائي. طبعاً مع فرق بسيط، هو ان وزير الطاقة والمياه هو جبران باسيل، ليتوقف امداد التيار عن 6.8 ملايين اسرة بسبب سقوط  الاشجار. ولتعلن شركة الكهرباء الرئيسية عن اغلاق محطة الطاقة النووية كما افادت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية، فضلاً عن  تعطيل المؤسسات والمدارس والمستشفيات ليضطرّ مركز "لانجون" الطبي، إلى نقل 215 مريض من مشفى الى أخرى، فضلا عن إجلاء مستشفى "نيويورك الجامعي" مرضاه بسبب انقطاع الكهرباء.

الى ذلك ادى الاعصار الى احتراق 50 منزلاً بالكامل في حي كوينز، على اثر اعاقة 170 رجل اطفائي في الوصول الى احدى المناطق، فضلاً عن فيضان منازل عديدة في مناطق اخرى. ولا بدّ ان نذكّر هنا في انه لا يزال ما يفوق عن 370 ألف شخص محصور في مراكز إيواء جرّاء تضرّر منازلهم أعقاب زلزال هاييتي الذي ضرب البلاد عام 2010.

من جهته أكّد مسؤول في هاييتي أن الإعصار تسبب في تدمير 70% من المحاصيل الزراعية بجنوب البلاد. وهو ما ينذر الى احتمال حدوث مشكلة في بطون الاميركيين وامنهم الغذائيّ.

ويقول المحلّل في شركة "سيتي غروب" أن "ساندي" سيؤثر على حجم المبيعات في قطاع الألبسة بنسبة 3 % خلال الشهر المقبل، مما سيؤدي الى انخفاض 22% من اجمالي المبيعات.

أمّا ما حصل على الارض جرّاء "ساندي" لم تصدّقه البحار إذ اُطلقت الشائعات حول اسماك القرش على انها تجوّلت في انحاء ولاية نيويورك، في حين قد ادّى هذا الاعصار بالفعل الى إغراق "اتش ام اس باونتي" وهي احدى اطول السفن في العالم بعد أن تركها طاقمها الذي فقد العديد من عناصره. باختصار أثرت "ساندي" حتى "خبر اليوم" على 60 مليون أميركي اي ما يعادل ثلث سكان الولايات المتحدة.

بالمقابل تحاول حقبة أوباما التقليل من قيمة الخسائر التي كشفها الخبراء للرأي العام. ابتداءا من تحويل مفهوم الاعصار الذي "طمّ" رؤوس المواطنين-حيث ارتفعت الفيضانات في الجهات الثلاث لشبه جزيرة مانهاتن بمقدار 4.15 أمتار. وهو ما  لم يحصل  منذ 52 عاما- الى عبارة "عاصفة قويّة"، وصولاً الى تقدير وكالة إدارة الطوارئى الفيدرالية لهذه الخسائر بثلاثة مليار دولار !