مواضيع سوق العمل و​البطالة​ في كل دول العالم تهز عروش وتسقط حكومات. وكم من الثورات انطلقت من هذا الباب .

المثل الفرنسي يقول " البطالة أم الرذائل".

يعتبر الباحث مصطفى خضري، البطالة مقوّما أساسيا من مقوّمات تنامي الفكر المتطرف بين ​الشباب​ العربي.لكن خضري يستبعد، إمكانية اتفاق ​الدول العربية​ على استراتيجية عربية موحدة لمواجهة البطالة، واصفا ذلك بأنه حلم بعيد المنال، ويصعب تحقيقه.

نذكر هذا لأن البطالة منتشرة في الدول العربية بشكل واسع.

في ​لبنان​ ، وحسب أرقام ​البنك الدولي​، يدخل 23 ألف فرد سوق العمل اللبناني سنوياً، ولاستيعابهم يحتاج الاقتصاد إلى خلق أكثر من 6 أضعاف عدد الوظائف الموجودة أساساً، علماً أن متوسط صافي فرص العمل التي كانت المتاحة بين 2004 – 2007 يبلغ 3400 وظيفة فقط.

قبل ظهور الأزمة السوريّة، كان هناك 11% من القوى العاملة عاطلة عن العمل في لبنان، ما يجعل من متوسط فترة البطالة طويل نسبياً، ويبلغ 13 شهراً للرجال و10 أشهر للنساء، فيما تبلغ معدّلات البطالة الخاصّة بالنساء نسبة 18% ومعدّلات البطالة الخاصّة بالشباب نسبة 34%.

تشير هذه الدراسة إلى ارتفاع هذه النسبة في شكل كبير بسبب بطء ​النمو الاقتصادي​ وتأثيرات النزوح السوري على الاقتصاد، وزيادة نسبة العمالة غير الرسميّة، إذ ارتفعت قوة العمل بنسبة 35% نتيجة تدفق أعداد كبيرة من النازحين، (وصل عدد النازحين إلى مليون ونصف مليون نازح)، علماً أن معظم قوة العمل المُضافة تفتقر إلى المهارة بسبب تدني مستوى التعليم، فيما 50% من العمّال النازحين يعملون في الزراعة والخدمات المنزليّة، و12% منهم يعملون في ​قطاع البناء​، ما يجعل المنافسة بين العمال اللبنانيين والسوريين على مستويات مختلفة من المهارات مرتفعة، وتؤدي إلى رفع نسبة البطالة ونمو التوترات الاجتماعيّة.

هناك اسباب كثيرة للبطالة في لبنان، واحد الاسباب الرئيسية لها، وجود قطاعات لديها تخمة من الموظفين والعمال وهي ليست بحاجة لهم، وقطاعات اخرى تعاني النقص في ​التوظيف​ لأنه لا يوجد الكفاءات والمهارات اللبنانية لكي تعمل لديها.

اما ثاني هذه الاسباب فهو عدم وجود اسس ومعايير لدى الشباب لكي يختاروا على اساسها التوجه العلمي بعد انتهاء الدراسة، خصوصا واننا اليوم بحكم العادات اللبنانية والثقافة اللبنانية التي تضغط على الابناء للتوجه نحو ​مهن​ معينة مثل الطب ، الهندسة، المحاماة ... في حين انه يوجد مهن اخرى غير هذه المهن التقليدية لها قيمتها الثقافية ، والحضارية ،والاجتماعية، والمهنية من الممكن ان تغير المجتمع اللبناني كما ذكر مؤخراً وزير العمل محمد كبارة.

اليوم في العام 2018 ، يقول وزير العمل محمد كبارة :" يواجه شباب لبنان اليوم ظروفا صعبة جدا، وهؤلاء الخريجون الذين يكافحون سنوات طويلة في التحصيل العلمي من اجل بناء مستقبلهم المهني والاجتماعي يكتشفون ان فرص العمل تكاد تكون نادرة في لبنان، وتتراجع بشكل حاد في ​العالم العربي​ الذي كان يشكل سوق العمل واسع للشباب اللبناني، لأن أزمة البطالة باتت مرّكبة وهي ازمة فرص في العمل بسبب تراجع الاستثمارات في المشاريع، نتيجة الاوضاع المحيطة بنا وكل المنطقة العربية، وهي ازمة الدول العربية التي كانت تشكل ملاذا لعدد كبير من خريجي الجامعات، وهي ازمة تراجع ​الانفاق​ الحكومي في لبنان نتيجة الضغوط المالية التي تحاول الدولة تقييدها لتضييق الهوة الهائلة في ازمة ​الموازنة​، وهي ازمة نقص ​السيولة​ الحاد بسبب تراجع الحركة التجارية وضعف الحركة السياحية، وهي ازمة النزوح السوري التي تضغط على الواقع اللبناني في ثلاثة مفاصل : استهلاك ​البنية التحتية​ التي لم تعد قادرة على تحمل العبء الكبير والوقائع الانسانية التي تسببت باعباء اجتماعية على الدولة والمنافسة في الاعمال التجارية وفي فرص العمل".

وكان وزير العمل السابق ​سجعان قزي​ قد لفت الى وجود 25 % بطالة في لبنان، انما في صفوف الفلسطينيين هي 23 بالمئة اي اقل مما هو موجود لدى اللبنانيين. وقد جاء ذلك خلال اعلانه عن دراسة انجزت بالتعاون مع بنك سوسيته جنرال و​المؤسسة الوطنية للاستخدام​.

وقال: كان هناك مشروع رفعنا رأسنا به واعلنا عنه، هو فرصة العمل الاولى للشباب وقيمته عشرة مليارات ليرة لبنانية ،اي ستة ملايين ونصف المليون دولار وتقرر في ​مجلس الوزراء​ وخصصت له الاموال، و​وزير المال​ ​علي حسن خليل​ وافق على تحويل اول مليارين كون ان المشروع على خمسة سنوات، ولكن خطأ اداريا حصل بين البنك الدولي وامانة سر رئاسة مجلس الوزراء اطاح بالمشروع الذي الغاه البنك الدولي.

من جهته ، ​رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس​ يشير الى ان القطاع التجاري هو اكثر من وظف في لبنان في خلال ال 25 سنة الماضية، حيث يتم تشغيل حوالي 27 بالمئة من القوى العاملة اللبنانية، لكن للأسف في الايام الصعبة فإن هذا القطاع اول ما يحصل فيه استنزاف للموارد البشرية.ويشرح وجود ثلاثة انواع من البطالة في لبنان: البطالة الاحتكاكية، البطالة الظرفية، البطالة الهيكلية.

حتى تاريخه، رغم كل هذه المواقف لم يستحوذ موضوع البطالة وتأمين فرص العمل على الاهتمام اللازم لدى المسؤولين من اصحاب القرار . وبقيت الدراسات والمواقف حبراً على ورق.

الأب خضره

الا انه في غضون ذلك ، وفي مواجهة هذا الاهمال الفاضح الرسمي لحجم البطالة ولغياب فرص العمل التي هي ازمة اجتماعية خطيرة لها ارتدادات واسعة، تنشط مؤسسة "لابورا" في مواجهة معضلة البطالة باسلوب علمي ومحترف هو الاول من نوعه في لبنان، اي بمعنى آخر تجروء حيث لا يجروء الآخرون بتوظيف كل طاقاتها المجمعة من اجل تقديم المعونة اللازمة للباحثين عن الوظائف.

يقول رئيسة المؤسسة الأب طوني خضره "للاقتصاد " ان هناك مشكلة في ​القطاع العام​ لم يتم حسمها حتى اليوم وهي تتعلق بالتوظيف العشوائي في ظل غياب التوظيف القانوني، حيث لا يوجد ​آلية​ لتطبيقالقوانين في الإدارات، وبالتالي كل وزير يعمل على توظيف المحاسيب. وهكذا ينسحب توزيع المحاصصات في كل القطاعات.ووفق التقرير السنوي لمجلس الخدمة المدنية عن العام 2014 يتبين ان الشغور في الادارات العامة هو بنسبة 69،80 او 70.% .هذا دون ان يتم احتساب الذين يعملون بالفاتورة . اليوم يوجد ما يناهز 25الف موظف في الادارات العامة و40 الف يعملون بالفاتورة . وفي كل سنة، هناك شواغر بما لا ​يقل​ ل 40 الف فرصة عمل في الادارات العامة وفي كل المؤسسات العسكرية والامنية .

اما بالنسبة للقطاع الخاص، ففي العام الماضي 2017 تم تأمين 3500 فرصة عمل فيه علما ان الحاجة للتوظيف تشمل 34 الف متخرج مؤهلين لدخول سوق العمل .

وبمعنى آخر ، هناك سنويا ًما يناهز 30 الف متخرج لايجدون العمل . هذا الى جانب الافراد الذي يضطرون الى ​ترك عملهم​ سواء بسب اقفال المؤسسات والشركات او بشكل تعسفي .

باختصار ، البطالة بشكل عام هي بمعدل 35% الا انها بنسبة 60% بين الشباب.

ودعا الاب خضره الى ​خطة طوارئ​ انقاذية للحد من العمالة الاجنبية المنافسة ووضع حد لاي انفجار اجتماعي محتمل ، وفرض قيود صارمة على اعمال التوظيف العشوائي ، تخفيف الاعباء التشغيلية ولا سيما الضرائب والرسوم على القطاعات المنتجة التي تؤمن فرص العمل والوظائف المختلفة . وشدد على اهمية قيام وزارة التربية بدورها المفروض في تأمين التوجيه اللازم في المدارس للتلامذة بما يسمح لهم الانخراط في الاختصاصات المطلوبة في سوق العمل.

اليوم،الحكومة الحالية انجزت خطة اعتبرتها بمثابة خريطة طريق انقاذية للواقع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان .وهي تقضي بتمويل مشروعات تصل قيمتها الى نحو 16 مليار دولار اميركي .وتمويلها سيكون من خلال شراكة بين الدولة و​القطاع الخاص​ . وبرأي وزير العمل محمد كبارة سيفتح الباب واسعا امام تدفق الاستثمارات الى لبنان وبالتالي الى فتح الافق امام الشباب اللبناني لخلق فرص عمل جديدة باللآلاف.ويعتبر أن "ملف ​النفط​ سيشكل في ذاته الدعامة الرئيسية لمستقبل لبنان الاقتصادي والاجتماعي ولتأمين فرص العمل .

الا ان هذه التطمينات مهما تعددت مصادرها فهي لا تشكل اجراءات فعّالة للجم حدة البطالة ولتشريع ابواب سوق العمل امام الشباب المتجه نحو الهجرة او حتى نحو الانزلاق في وادي الانحراف الخطير ولا حتى امام ارباب العائلات الذين يريدون المحافظة على لقمة عيش كريم .

الواقع الاجتماعي والاقتصادي المترّهل في مكان واهتمام المسؤولين في مكان آخر حيث الانتخابات النيابية التي تضمن لهم المقاعد في السلطة .