سبع سنوات مضت على انطلاق ما عرف بالربيع العربي وما تضمنه من ​احتجاجات​ واضطرابات شعبية، ربيع جاء محمل بالامال والاحلام والتطلعات بمستقبل افضل حيث كانت ​الاصلاحات الاقتصادية​ وتحسين معيشة المواطن ابرز مطالبها ليأتي الواقع مغاير واكثر سوداوية فوجد المواطن العربي نفسه اليوم امام المزيد من التدهور الاقتصادي والاوضاع الغير مستقرة والغلاء المعيشي.

ويبدو ان العام 2018 سيكون عاما ثقيلا على الشعوب العربية حيث ستعمد اغلبية الدول الى اتباع ​سياسة التقشف​ وزيادة الضرائب على المواطنين للتخفيف من عجز ​الميزانية​ ، سياسات داخلية محلية سيتجرع المواطن العربي فشلها، سياسات تستسهل فرض المزيد من الضغوط على مواطنيها بدلا من ايجاد مصادر دخل اخرى من شأنها تحسين الظروف المعيشية وتعزيز مصادر الدخل، فزادت معدلات ​الفقر​ و​البطالة​مما ادى الى تكرار مشهد موجهة الاحتجاجات الشعبية التي تأججت في الفترة الاخيرة في ​السودان​ و​تونس​ والترشيحات الى لحاق ​الاردن​ و​مصر​ و​المغرب​ بالركاب، احتجاجات تطالب بالرجوع عن السياسات الاقتصادية التي مست بحياة المواطن ورغيف خبزه، وفرضت واقع ينذر بقيام ثورة جديدة قد تعرف بثورة رغيف ​الخبز​ .

واقع مشترك وظروف اقتصادية مشابهة للدول العربية ربما جاءت نتيجة تنفيذ الحكومات لتعليمات وسياسات ​صندوق النقد الدولي​ التقشفيةدول ما ان تواجه مشاكل اقتصادية ومالية وعجز في الموازنات او تراجع في النقد الاجنبي أوّل ما تفكر به هو الارتماء في أحضان صندوق النقد وطلب مساعدته وقروضه والذي بدوره لا يتوانى عن فرض حزمة من الشروط والتوصيات.

وللوقوف عند الاحداث التي تشهدها الدول العربية والاضطرابات التي تطال مناطق مختلفة كان لموقع الاقتصاد هذا الحوار الخاص مع الخبير الاقتصادي الاردني الدكتور مازن مرجي الذي تحدث عن الاحداث العربية وتأثيرها على اقتصاد العالم العربي.

مرجي: الربيع العربي عمق المعضلات الاقتصاديةفي الدول العربية والاحتجاجات التي نشهدها اليوم اتت بسبب فقدان الامل بالتغيير الحقيقي

تعاني الدول العربية الغير نفطية مثل مصر والسودان وتونس و​الأردن​ من أثار الاضطرابات السياسية على خلفية ازمات ومطالب اقتصادية سميت على غير وجه حق بالربيع العربي والذي انطلقت شرارته من تونس لتنتقل إلى مصر والأردن و​سوريا​ و​اليمن​ و​ليبيا​ وغيرها والتي أدت ضمن ما أدت إليه اختفاء نظم بالكامل أو حدوث تغيرات جوهرية على كل الصعد في معظم تلك الدولة المتضررة إضافة إلى شبه انهيار المنظومات الاقتصادية والاجتماعية في بعض الدول أو تعمق المعضلات الاقتصادية فيها وأبرز تلك النتائج هي نسب الفقر والبطالة العالية إضافة إلى تعاظم ​الديون​ التي ترزح تحتها تلك الاقتصاديات وتراجع ​النمو الاقتصادي​ وتباطؤ واضح لعجلة الاقتصاد مما وضعها كلها وخاصة الدول الثلاث موضع الحديث السودان وتونس والأردن تحت رحمة المنظمات الدولية وعلى رأسها ​البنك الدولي​ وذراعه القوية صندوق النقد الدولي والذي حسب ما يعتقد هو ذراع اخطبوطية للدول الكبرى المسيطرة على رأس ماله وعلى السياسات الاقتصادية العالمية والتي توجه حسب مصالح تلك الدول وعلى رأسها ​الولايات المتحدة​ الأمريكية،لذا فقد جاءت موازنات هذه الدول الثلاث للعام الحالي منسجمة مع وصفات صندوق النقد الدولي الغير شعبية وخاضعة بشكل تام لإرادته غير الوطنية فكان إلزام تلك الدول للخضوع لبرامج ما سمي بالإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي وذلك لأنهاء ما يعتبره تشوهات اقتصادية متمثلة بدعم السلع الأساسية وعلى رأسها الخبز وعشرات السلع الأخرى وأيضا التراجع عن أي سياسات تمنح إعفاءات أو خصومات على الضرائب وخاصة الضريبة العامة على المبيعات أو ضريبة القيمة المضافة مما أدى وسيؤدي الى موجات جديدة من الارتفاع بالأسعار لمئات السلع والخدمات ولكن دون أي زيادة في الدخول أو ​الإيجارات​ التي يحصل عليها العاملون على مختلف قطاعاتهم، وقد برر كل ذلك بهدف الحصول على قروض جديدة وأحداث إصلاح إداري وهيكلي يقود إلى إيقاف التوسع في ​الانفاق​ وضبطه إضافة إلى تضييق فجوات ​عجز الموازنة​ المتزايد عاما بعد عام ومن ثم أحداث تغير إيجابي في الأوضاع الاقتصادية وبالطبع فإن أي من تلك الأهداف لم يتحقق بصورة لا تدع للشك.

وان الاضطرابات الشعبية الأخيرة التي تحدث في كل من السودان وتونس والتي قد تمتد إلى الأردن والدول الغربية الأخرى اتت بسبب فقدان المواطنين في تلك الدول لأي أمل بالتغيير الحقيقي الذي يلامس حاجات وتطلعات المواطنين الفقراء والمحدودي الدخل فيها.

وفي ما يلي يستعرض موقع "الاقتصاد" مع الدكتور مازن مرجي للاحداث الجارية والاضطرابات التي تشهدها كل من السودان وتونس بالاضافة الى تسليط الضوء على الاردن عقب اقرار تلك البلدان لموازنة العام 2018 والسياسات التقشفية الرامية الى رفع الدعم عن لعض السلع الرئيسية ومن ضمنها الخبز .

السودان :استمرار التدهور الاقتصاديأدى إلى انفجارالاحتجاجات الشعبية والرفع الجزئي للعقوبات الاميركية لم يشفع للاقتصاد السوداني

السودان دولة انهكتها ​الحروب​ والنزاعات العسكرية التي أدت إلى انفصال ​جنوب السودان​ وبالتالي خسارة السودان المركزي غالبية دخله من ​النفط​ إضافة إلى فرض العقوبات الاقتصادية المختلفة من قبل للولايات المتحدة والتي ساهمت في إعاقة النمو الاقتصادي وتراجع الصادرات وزيادة ​الواردات​ وعلى سبيل المثال يستورد السودان أكثر من 80% من حاجته للقمح من الخارج حيث يستهلك ما يقدر 2 مليون طن ولكن ​الخرطوم​ تعاني من صعوبة توفير ما يكفي من اعتمادات العملة الصعبة لشراء حاجتها من ​القمح​ وتضخم عال جدا وصل إلى 34% نتيجة انهيار وانخفاض كبير في قيمة العملة مقابل الدولار حيث أقرت الموازنة لعام 2018 أن يعادل الدولار 18 جنية سوداني بدل السعر السابق والذي كان الدولار يساوي فقط. 9.6 جنية.

كما ضعفت العلاقات الاقتصادية السودانية مع دول العالم الغربي وحتى العربي نتيجة تلك العقوبات التي رفعت بشكل جزئي أخيرا، وكان الأمل بتحسن الأوضاع وزيادة في استقطاب ​الاستثمارات الأجنبية​ لما لها من أهمية في التنمية الاقتصادية،حيث قامت موازنة 2018 في السودان برفع الدعم عن الخبز والسلع الأخرى ضمن ادعاء محاولة التقشف وتخفيض النفقات، ورغم هذا الرفع الجزئي للعقوبات الا انه لم يشفع للاقتصاد السوداني حيث استمرت الأوضاع الاقتصادية بالتدهور مما أدى إلى انفجار الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية ضد سياسات ​الحكومة السودانية​ والمطالبة بالإصلاح والوظائف ومحاربة الفساد المستشري في دولة السودان.

تونس: اقتطاع 1%من رواتب الموظفين لسد العجز ورفع الاسعار اشعل فتيل الاحتجاجات الشعبية من جديد

تتعرض تونس لضغوط واسعة من الدول والمنظمات العالمية الدائنة لإطلاق إصلاح المالية العامة وخفض عجز الموازنة وهذا ما قاد ​الحكومة التونسية​ إلى اعتماد مجموعة من الاجراءات التي سميت بالإصلاحات التقشفية والتي تضمنت موجة من رفع الاسعار للسلع الأساسية وغيرها، ورفع الضرائب على ​السيارات​ والاتصالات و​الفنادق

وحسب ما أرى بأنه كان السبب في إشعال فتيل الاحتجاجات إضافة لما ذكر سابقا هو اعتماد الحكومة التونسية ضمن موازنة 2018 قرارا بتخفيض رواتب الموظفين أي اقتطاع ما نسبته 1% من رواتبهم كمساعدة إجبارية منهم في سد عجز تمويل الصناديق الاجتماعية وذلك بدل القيام برفع تلك الرواتب لمساعدة الموظفين على مواجهة الارتفاعات الكبيرة في الأسعار وبالتالي تكاليف المعيشة وكل ذلك اضافة إلا فشل الحكومات التي قادت البلاد بعد سبع سنوات من اشتعال ثورة البوعزيزي التي أطاحت برأس الرئيس بن علي ونظامه التي تسببت في اندلاع الاضطرابات الجديدة مع بداية العام الحالي 2018.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه ورغم اعتبار الإصلاحات السياسية التي تمت في تونس وتشكيل حكومات يشارك فيها غالبية الأحزاب والقوى الوطنية بأنها إنجازات إيجابية إلا أن ما حدث من تدمير بالبنية السياحية عبر الانفجارات وحملات القتل من قبل الحركات الارهابية مما أدى إلى تضرر القطاعات السياحية تزامنا مع تراجع الصادرات التونسية وخاصة الفوسفات مما أدى إلى تراجع قيمة العملة الوطنية باكثر من 60% خلال ستة اعوام كما سجلت نسب تضخم غير مسبوقة إضافة إلى التوسع في ​الإنفاق​ الجاري وخاصة الرواتب التي تستهلك ما يقارب ثلثي الميزانية وتقريبا 15% من الناتج المحلي الإجمالي.

من جهة اخرى لا تتجاوز نسب النمو في تونس ال 1.5% والبطالة ارتفعت لتصل إلى 15.5% في الجزء الأول من عام 2017. ويتوقع أن تصل التضخم في العام 2018 إلى 8%. كل ذلك أدى إلى اشتعال الاضطرابات الحالية استنفار الحكومة التونسية لإخماد تلك الاحتجاجات قبل توسعها بصورة قد تتسبب في افساد الإصلاحات السياسية التي جنبت تونس المصير البائس لدول عربية أخرى مثل ليبيا في الجوار.

الاردن:رفع الاسعار استجابة لشروط النقد الدولي ابقى الاقتصاد في حالة طوارئ ولا يستبعد انطلاق الاحتجاجات الشعبية.

وفي الحديث عن اثر الإجراءات الحكومة ​الأردني​ة التي توصف بالجبائية والتي جارت فيها على لقمة خبز المواطن وإجراءات رفع ضريبة المبيعات على مئات السلع والخدمات الأساسية والأخرى والتي تضمنتها موازنة 2018، وذلك سعيا من ​الحكومة الأردنية​ للاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي وذلك بعد أن تمادت الحكومات المتعاقبة وخاصة الأخيرتين في التوسع بالاستعانة حتى تضاعفت المديونية فارتفعت منذ عام 2012 وحتى نهاية العام الماضي 2017 من 16.5 مليار دينار لتصل إلى 27 1 مليار دينار أردني.

وحسب ما أرى أن هذه الاجحاف الحكومي على قوت المواطن الأردني لم يكن لها أن تصل لهذا المستوى لولا أن ​مجلس النواب الأردني​ أثبت انه أداة لعبة بيد الحكومة ولم يقف بحزم بوجه الحكومة لمنعها من فرض المزيد من الضرائب ورفع الدعم عن الخبز والمبالغة في تسعير ​المشتقات النفطية​ مما أدى إلى ابقاء ​الاقتصاد الأردني​ في حالة الطوارئ وداخل غرفة الإنعاش لمدة أطول حيث لا تتجاوز نسب النمو 2.3 % والبطالة وصلت 18.5% والفقر تجاوز 20% في أفضل الأحوال وعجز متسع في الموازنة بتحاوز 1.3 مليار دينار وعجز متعاظم في ​الميزان التجاري​ حيث تراجعت الصادرات بينما تجاوزات الواردات ال 10.5 مليار دينار فلا تغطي الصادرات اكثر من 35% من الواردات.

أجواء تشاؤم وتوقع بانقطاع ​المساعدات​ والمنح ​الخارجية الأمريكية​ والعربية على حد سواء، كما ان كل هذه الضرائب ورفع الأسعار الذي تضمنته ​الموازنة العامة​ للعام 2018 لم يقابلها اي جهد حقيقي لضبط الإنفاق الحكومي ولا نية لتحسين الدخول وزيادة الرواتب ولم توفر الحكومة أي شبكة أمان اجتماعي حقيقية لتخفيف الأعباء على المواطنين المغلوبين على أمرهم.

لذلك لا استبعد حدوث اضطرابات واحتجاجات شعبية من المواطنين مع بدء تنفيذ إجراءات رفع الخبز وفرض الضرائب الجديدة مع بداية شهر شباط القادم والتي سعت الحكومة لامتصاص مثل تلك الاحتجاجات مسبقا عبر البدء بصرف ما سمته تعويضات عبارة عن بضع دنانير هزيلة كبديل عن دعم الخبز الذي لغته الحكومة الأردنية الخالية والذي سيؤدي إلى تضاعف أسعار الخبز اعتبارا من 1-2-2018.