بدأ العام 2017 مع أجواء إيجابية كبيرة خلّفها انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تضمنت أسماءً جديدة مأمول بها خيرا، فتوقع معظم الخبراء الإقتصاديون أن يشهد ​لبنان​ تحسناً ملحوظاً في الأداء الإقتصادي، بعد الوصول إلى تسوية سياسة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثّل جميع الأطراف، إلا أنهم ربطوا هذه التوقعات بمدى قدرة الحكومة على إنجاز العديد من الملفات الأساسية والضرورية، وأهمها إقرار قانون إنتخابي جديد، وإقرار ​موازنة​ عامة بعد 12 سنة من غياب الموازنات، وحل الكثير من القضايا والملفات كسلسلة الرتب والرواتب، وملف ​النفط​ وغيرها.

فما الذي حصل في العام 2017 ؟ وهل تمكنت الحكومة من تخطي العقبات التي واجهتها ؟ ماذا انجزت؟ وما هي أبرز المحطات التي شهدها لبنان وإقتصاده خلال هذا العام الدراماتيكي ؟

فيما يلي نعرض لكم أبرز الأحداث التي شهدها لبنان في العام 2017، والتي كان لها تأثير كبير على الوضع الإقتصادي وعلى نسب النمو المحققة.

- إقرار مرسومي النفط و​الغاز​ بداية العام 2017

أقرت ​الحكومة اللبنانية​ في 4 كانون الثاني 2017 مشروعي مرسومين متعلقين بالتنقيب عن النفط والغاز، حيث تم إقرار مشروعي مرسومي الأملاك البحرية ودفتر الشروط الخاص لدورات التراخيص، بعد تأخير تجاوز الثلاث سنوات.

- إقرار قانون إنتخابات جديد بالنظام النسبي في حزيران 2017 .

أقرّت الحكومة اللبنانية بالإجماع في 14 حزيران 2017 قانوناً جديدا للانتخابات النيابية وأحالته إلى البرلمان للتصديق عليه خلال اليومين المقبلين، في خطوة وضعت حدا لخلافات كانت تهدد بأزمة سياسية جديدة.

ويعتمد القانون الجديد النظام النسبي لأول مرة في تاريخ لبنان، ويقسم البلاد إلى 15 دائرة انتخابية.

وفي 16 حزيران، صوت مجلس النواب على القانون الجديد، وأقره بشكل رسمي، كما صوتوا أيضا على التمديد "التقني" للمجلس الحالي لمدة 11 شهراً، حتى إجراء الإنتخابات النيابية في شهر أيار من العام 2018.

- إقرار سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام ... مرفقة بسلة ضريبية جديدة لتمويلها !!

أقرّ المجلس النيابي اللبناني في 18 تموز 2017 معظم البنود المتعلقة بـ"سلسلة الرتب والرواتب"، التي من شأنها زيادة رواتب موظفي القطاع العام والمدرسين، على وقع احتجاجات شعبية للمطالبة بالمزيد من الحقوق ولإعلان رفض تغطية تكاليف هذه السلسلة من خلال فرض مزيد من الضرائب والدعوة لوقف الهدر ووضع حد للفساد.

كما أقر المجلس سلة ضريبية جديدة لتمويل السلسلة التي تخطت تكلفتها 1200 مليار ليرة، وطالت هذه الضرائب بمعظمها المواطن اللبناني من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.

- إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص

في 16 آب 2017، أقر مجلس النواب اللبناني قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص بمادة وحيدة.

إلا أن المراسيم التطبيقية لهذا القانون لم تصدر بعد، على الرغم من أهميته وضرورة البدء بتطبيقه لتخفيف الأعباء المالية عن كاهل الدولة، وإنجاز عدد من المشاريع المهمة كالبنى التحتية والكهرباء وغيرها.

- 19 آب .. إطلاق معركة فجر الجرود وتحري كل الراضي الللبنانية من "داعش".

أعلن الجيش اللبناني فجر 19 آب 2017 عن إطلاقه عملية عسكرية لطرد تنظيم "داعش" من المنطقة الواقعة قرب الحدود مع سوريا شرق البلاد.

وأطلق الجيش على العملية إسم "فجر الجرود"، وتمكن خلال أيام قليلة من تحرير كامل الأراضي الجردية من فلول "داعش" الإرهابي، ما أعطى ترددات إيجابية للأسواق، وعزز الثقة بالقوى الأمنية اللبنانية وقدرتها على حفظ الأمن والإستقرار في البلاد.

- الطعن بقانون الضرائب .. إيقافه من المجلس الدستوري .. تعديله وإعادة إقراره من جديد.

في 30 آب 2017، قدّم النائب سامي الجميل طعناً بقانون الضرائب الجديد، موقعاً من عشرة نواب في المجلس النيابي اللبناني للمجلس الدستوري .. وبعد درس الطعن قرر المجلس الدستوري وقف قانون الضرائب، إعادته للمجلس النيابي لتعديله.

وفي 9 تشرين الأول 2017، اعاد المجلس النيابي التصويت على قانون الضرائب معدّلاً، وتم إقراره من أجل تمويل زيادة برواتب العاملين بالقطاع العام، في حين وصف المعارضون لهذا القانون هذه الخطوة بكونها خطأ في حق الشعب اللبناني.

- إقرار موازنة 2017 .. بعد 12 عاماً من غياب الموازنات

أقرّ مجلس النواب اللبناني في 19 تشرين الأول 2017 موازنة العام الحالي 2017 عبر التصويت، للمرة الأولى منذ 12 عاما.

وتم إقرار الموازنة عبر التصويت بالمناداة، بأكثرية 61 صوتاً ومعارضة 4 أصوات وامتناع 8 نواب عن التصويت.

ويعود تاريخ آخر موازنة أقرّها مجلس النوّاب إلى عام 2005، نتيجة الخلافات السياسيّة ما أدّى إلى تجميد الموازنات التي أعدّتها الحكومات المتعاقبة، دون عرضها على مجلس النوّاب.

- موسم سياحي جيد .. بعد سنوات من التراجع .. وعودة ملحوظة للخليجيين

شهد لبنان في العام 2017 موسم سياحي جيّد في فصل الصيف، حيث غصّ مطار بيروت بالوافدين، وسجل أرقاماً قياسية لم يسجلها في تاريخه .. وشهد الصيف الماضي قدوم أعداد كبيرة من المغتربين والعرب (عراقيين ومصريين وأردنيين)، كما شهد عودة بعض الجنسيات الخليجية التي غابت عن لبنان لأكثر من 5 سنوات بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة، وبعض الخلافات مع دول الخليج.

وسجلت الفنادق نسب إشغال جيدة، على الرغم من تراجع هامش الربح المادي بسبب إنخفاض أسعار الغرف، وتمكنت الملاهي والمطاعم والمؤسسات البحرية من تعويض بعض خسائرها، حيث شهدت حركة جيّدة خلال فصل الصيف.

- المركزي العراقي يعلق عمل 10 مصارف لبنان في كردستان.

في 10 تشرين الثاني الماضي قرر البنك المركزي العراقي تعليق اعمال فروع المصارف الخاصة في إقليم كردستان، وشمل هذا القرار 10 مصارف لبنانية.

وأصدر البنك المركزي العراقي أوامر للبنوك الخاصة بإغلاق فروعها في إقليم كردستان في غضون أسبوع لتتجنب حظرا على بيع الدولار.

وشمل القرار مصارف "فرنسبنك" و"بنك عوده" و"بنك لبنان والمهجر" و"بنك بيبلوس" و"بنك البحر المتوسط" و"بنك الاعتماد اللبناني" و"بنك بيروت والبلاد العربية" و"انتركونتيننتال بنك" و"بنك الشرق الأوسط وافريقيا" و"البنك اللبناني الفرنسي".

ولكن بعد الاجتماع جمع محافظ المركزي العراقي د.علي العلاق والمصارف الاجنبية وبينها اللبنانية والتي افضت الى اصدار المركزي العراقي تعميماً أكد فيه أهمية عدم المساس بمصالح المواطنين في نشاطاتهم المصرفية كافة، هدات الأمور، وعادت إلى نصابها الصحيح.

- إستقالة ​الحريري​ .. صدمة مدوية !!

شهد يوم السبت (4 تشرين الثاني 2017) على زلزال سياسي هزّ لبنان بأكمله، حيث استقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من العاصمة السعودية الرياض، وقال إنه يعتقد أن مؤامرة كانت تحاك لاستهداف حياته متهما إيران وحزب الله ببث الفتنة في العالم العربي.

وأطاحت الاستقالة، التي مثلت مفاجأة كبرى للمؤسسة السياسية في بيروت، بالائتلاف الحكومي وأغرقت لبنان في أزمة سياسية جديدة.

ودفعت استقالة الحريري بلبنان مجددا إلى واجهة الصراع الإقليمي بين إيران والسعودية والذي يشمل أيضا سوريا والعراق واليمن والبحرين.

وإنعكست هذه الإستقالة بشكل مباشر على الأسواق المحلية، حيث شهدت الأسواق تريثاً كبيراً، كما ظهر بعض الخوف لدى اللبنانيين من تدهور الأوضاع أكثر، مما قد ينعكس على الليرة اللبنانية ... إلا أن المصرف المركزي تمكن من السيطرة على الوضع والحفاظ على إستقرار الليرة من خلال تلبية الطلب على الدولار الذي إستمر لعدة أيام.

وعلى الرغم من حجم الأزمة، إلا أن لبنان تمكن من إستيعاب الترددات السلبية خلال أيام قليلة، وعادت الأسواق إلى الهدوء، بعد الإجماع الكبير الذي ساد بين جميع الأطراف السياسية على موقف موحد، والحكمة اللافتة التي تصرفت بها الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد.

- العودة عن الإستقالة والإتفاق على تسوية سياسية جديدة عنوانها الأساسي النأي بالنفس.

في 21 تشرين الثاني 2017، عاد رئيس الوزراء سعد الحريري إلى بيروت قادماً من فرنسا، وقبلها العاصمة السعودية الرياض.

وشارك الحريري بإحتفالات عيد الإستقلال يوم 22 تشرين الثاني، ثم اعلن من قصر بعبدا بعد إجتماعه مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ثريثه في تقديم الإستقالة، إفساحا بالمجال للحوار، والتوصل إلى إتفاق يرضي جميع الأطراف.

وبعد عدة إجتماعات بين الكتل النيابية كافة، قرر الرئيس سعد الحريري العودة عن الإستقالة بشكل نهائي، وعاد مجلس الوزراء للإجتماع بشكل طبيعي.

- تلزيم بلوكات النفط 4 و 9 .. ودخول لبنان إلى مصاف الدول النفطية

في 14 كانون الأول 2017، اقر مجلس الوزراء بند النفط الذي يتضمن تلزيم البلوكين 4 و9 لتجمع شركات "ايني" الإيطالية "توتال" الفرنسية و"نوفاتيك" الروسية.

وأعلن وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل أن عمليات التنقيب ستبدا في العام 2019.

وبحسب آبي خليل، يعتبر العرض المقدم للبنان جيد جداً، لا بل ممتاز وخصوصاً أنّ الأمر حاصل في دورة تراخيص أولى في مياه بحرية لا اكتشاف فيها قبلاً، ويقصد بذلك أنّ العرض المالي في البلوك "4" يشكّل 8 نقاط فوق المعدّل العام بـ100 دولة أخرى في بيئات طبيعية مشابهة، أمّا الوضع المالي في البلوك "9" فيلامس مستوى المعدّل في 100 دولة اخرى.

حبيقة لـ"الإقتصاد": عام 2017 كان تحضيرياً ... وما تم إنجازه مقبول جداً في ظل الظروف

وفي حديث خاص لـ"الإقتصاد" أشار الخبير الإقتصادي د. لويس حبيقة إلى أن "ما تم إنجازه في العام 2017 مقبول جدا، حتى وإن كانت معظم الأمور التي تم إنجازها عبارة عن قوانين .. ولكن 2017 بدون شك كان عاماً تحضيرياً إذا صح التعبير، وشهد على العديد من الأمور المهمة".

وأضاف "نأمل أن يتم الإستمرار بالعمل في العام 2018، فهناك محطة مهمة جدا وهي الإنتخابات النيابية، حيث يجب ان تتم هذه الإنتخابات في موعدها، وان تعبر عن ديمقراطية حقيقية في البلاد، على أمل أن ينتج عنها حكومة جديدة قادرة على إستكمال الملفات الضرورية والمهمة، ومحاربة الفساد ووقف الهدر بشكل جديّ وملحوظ".

وتابع حبيقة "علينا العمل أيضا للإستفادة من المؤتمرات المنتظرة والتي تهدف إلى دعم لبنان إقتصادياً وعسكرياً (مؤتمر باريس ومؤتمر روما)، كما علينا إقرار موازنة هادفة للعام 2018 تتضمن خطة إقتصادية وأهداف إقتصادية واضحة".

وإعتبر "أن لبنان هذا البلد الصغير، حقق إنجازا بصموده كل هذه السنوات في وجه تداعيات الحروب والصراعات الإقليمية، بالإضافة إلى الخضات الداخلية والإنقسامات السياسية الحادة .. على أمل أن يكون العام المقبل عام الإنجازات الحقيقية والملموسة".