بعد دعوة الأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب الدولة اللبنانية إلى وقف كل برامج التعاون مع الولايات المُتحدة الأميركية وطرد سفيرها لدى لبنان، يُطرح سؤال أساسي ألا وهو: هل للبنان مصلحة إقتصادية بقطع أو تجميد علاقاته مع الولايات المُتحدة الأميركية؟

الدعوة التي وجهها الأمين العام للحزب الشيوعي للدولة اللبنانية تحمل الكثير من التداعيات على الرغم من أهمية وأحقية التضامن مع الشعب الفلسطيني. فالتعاون الأميركي – اللبناني له عدة أوجه (عسكري، سياسي، إقتصادي، مالي ونقدي) وأي تجميد أو قطع للعلاقات اللبنانية مع الولايات المُتحدة الأميركية سيكون بمثابة دخول في المجهول.

المُساعدات الأميركية للجيش اللبناني

يحظى لبنان بإهتمام دولي وخاصة أميركي من ناحية تأمين مظّلة دولية له على الصعيدين الأمني والسياسي. وتترجمت هذه المُظلة بمساعدات عسكرية قدمتها كل من الولايات المُتحدة الأميركية، بريطانيا، الإمارات العربية المُتحدة، المملكة العربية السعودية، قطر، فرنسا، الأردن، إيطاليا، روسيا، الصين، كندا، كوريا الجنوبية، إسبانيا، تركيا، الإتحاد الأوربي، الكويت، بلجيكا، هولندا، والبرازيل (المصدر: موقع الجيش اللبناني).

وتبقى المُساعدات الأميركية الأهم من ناحية حجمها (1.3 مليار دولار أميركي منذ العام 2006) ونوعيتها (أسلحة مُتطوّرة، معدات، صيانة...) حيث تقوم الإدارة الأميركية بمساعدات سنوية (ما بين 70 و150 مليون د.أ) ومساعدات ظرفية للجيش اللبناني. كما تعمد الولايات المُتحدة الأميركية إلى دعم الجيش اللبناني من خلال برامج كبرنامج مكافحة الإرهاب التي سمحت للجيش اللبناني بالحصول على معدات مُتطورة ساهمت بشكل أساسي في ردع داعش في حربه ضد الدولة اللبنانية.

إن مُعادلة الجيش القوي هي أساسية في الإقتصادات العالمية حيث يدخل الأمن الإقتصادي في عناصر الإستراتيجية للدول. وبالنظر إلى موازنة وزراة الدفاع اللبنانية، نجد أن هذه الموازنة هي موازنة أجور ورواتب مما يعني أن الدولة اللبنانية غير قادرة على تسليح الجيش خصوصًا مع الأزمة المالية التي تعيشها مالية الدولة والعجز السنوي البالغ 5 مليار د.أ.، أضف إلى ذلك أن أي فيتو أميركي على تسليح الجيش اللبناني يعني إستحالة تسليحه وبالتالي ضربة اساسية للإقتصاد اللبناني. من هذا المُنطلق، يتبيّن أنه ولمصلحة الإقتصاد اللبناني، يتوجّب المُحافظة على علاقات جيدة مع الولايات المُتحدة الأميركية التي تُعتبر حاليًا المصدر الأساسي لتسليح الجيش.

تحاويل المُغتربين اللبنانيين

تُشكّل تحاويل المغتربين اللبنانيين ما يقارب 15% من الناتج المحلّي الإجمالي. ويأتي أكثر من 75% من هذه التحاويل من ستة دول هي (أرقام 2016): السعودية (1.56 مليار د.أ)، الولايات المُتحدّة الأميركية (1.24 مليار د.أ)، أستراليا (911 مليون د.أ)، ألمانيا (841 مليون د.أ)، كندا (817 مليون د.أ)، وفرنسا (439 مليون د.أ).

وتُظهر البيانات التاريخية أن الولايات المُتحدة الأميركية إحتلّت المرتبة الأولى من العام 2010 إلى العام 2012 قبل أن تتراجع إلى المرتبة الثانية لصالح المملكة العربية السعودية من العام 2013 وحتى 2016.

ويبلغ عدد اللبنانيين المُغتبربين والمُتحدرين من أصل لبنان في الولايات المُتحدة الأميركية نحو 3 ملايين شخص إندمجوا بشكل شبه كامل في المجتمع الأميركي وأصبحوا من رواده. وبالتالي يظهر إلى العلن مدى خطورة التلاعب بمصير هؤلاء اللبنانيين نتيجة قرارات سيئة قد تُتخذ على الصعيد المحلّي. مما يعني أن أي خطوة مُتهوّرة من قبل السلطات اللبنانية سيكون لها تداعيات على الناتج المحلّي الإجمالي الذي قد تصل خسائر إلى 2.5% فقط من تحاويل اللبنانيين المُغتربين في الولايات المُتحدة الأميركية.

التصدير إلى الولايات المُتحدة الأميركية

في بداية هذه الآلفية، كانت الولايات المُتحدة الأميركية تحتل المرتبة الخامسة بين قائمة الدول التي يُصدر لها لبنان من ناحية قيمة التصدير. وتراجعت هذه المرتبة إلى أدنى مستوى لها في العام 2008 (المرتبة 19) لتُعاود التحسن حيث تحتل اليوم المرتبة 13. الجدير ذكره أن تراجع مرتبة الولايات المُتحدة الأميركية لا يعود إلى تراجع قيمة الصادرات التي بقيت على نفس المّستوى تقريبًا )60 مليون د.أ) بل إلى تطوير أسواق أخرى مثل أفريقيا الجنوبية والخليج العربي. مع العلم أن السوق الأميركي قادر لوحده على إمتصاص كل المنتوجات اللبنانية حيث لم تقم السلطات اللبنانية بأي مجهود لناحية رفع جودة البضائع اللبنانية لتلبّي معايير الجودة الأميركية وبالتالي إختارت الأسهل أي الأسواق القريبة.

من هذا المُنطلق، نرى أن أي خطوة تصعيدية بإتجاه الولايات ستحرم لبنان ليس فقط من 60 مليون دولار سنويًا، بل من سوق قادر على إستيعاب كل صادراته إضافة إلى وظائف سيخسرها حكمًا الإقتصاد اللبناني.

التعاون المالي والنقدي

هناك حرص أميركي واضح على القطاع المصرفي اللبناني يظهر من خلال التعاون الوثيق بين هذا القطاع والإدارة الأميركية. وقد سمح هذا التعاون من إعفاء لبنان من فاتورة باهضة كانت لتنتج عن قانون العقوبات الأميركية على حزب الله والذي تمّ التوصيت عليه في كانون الأول من العام 2015. وقدرة الولايات المُتحدة الأميركية نابعة قبل كل شيء من إقتصاد هائل (ثلث الإقتصاد العالمي) قادر على فرض عقوبات على أكبر الدول في العالم.

أيضًا إن نظام المقاصة بالدولار الأميركي الوحيد الموجود خارج الولايات المُتحدة الأميركية (موجود في لبنان) يدلّ على مستوى الثقة التي توليها الإدارة الأميركية للقطاع المصرفي اللبناني. هذا الأخير أثبت من خلال مصرف لبنان وحكمة حاكمه أنه يحترم كل القوانين الدولية والسبّاق في تطبيق معايير المُجتمع الدولي.

وبالتالي ورأفة بالقطاع المصرفي اللبناني الذي يُشكّل اليوم الوسيلة شبه الوحيدة لتمويل عجز الدولة اللبنانية كما والإقتصاد اللبناني، يتوجب أخذ الحيطة من أية مواقف أو خطوات قد تُسيء إلى العلاقات مع الولايات المُتحدة الأميركية.

في الختام، أن أية خطوة تصعيدية تجاه الولايات المُتحدة الأميركية سيكون لها تداعيات سلبية جدًا على الإقتصاد اللبناني كما على الساحة السياسية اللبنانية (خارج نطاق هذه الدراسة). من هذا المُنطلق، يتوجّب على السلطات اللبنانية توخّي الحذر في أي خطوة قد تُسيء إلى العلاقة مع الولايات المُتحدة الأميركية ومحاولة الحفاظ على أفضل العلاقات مع هذه الأخيرة ضمن إطار إحترام سيادة لبنان وعدم التدخلّ في شؤونه الداخلية.