اسوة بكل القطاعات القائمة في ​لبنان​، يسير ​القطاع العقاري​ بين الخضات السياسية بتأن وخوف وحذر في محطات عدة ليفرّمل حركته عند اي ازمة جديدة، يعود معها الى محطة الترّقب والانتظار للانفراج.

المشهد الحالي للسوق ليس سوداوياً رغم العدد الكبير من الشقق المعروضة للبيع في معظم المناطق، ورغم التسهيلات والتنازلات التي يقدمها بعض تجار البناء من اجل عدم ترك هذه الشقق فارغة حيث ان البعض يعاني من تضخّم حجم فاتورته غيرالمسددة للمصارف الممولة ، وهو يدفع نتيجة دراسة خاطئة للسوق في هذه المرحلة ، خصوصاً بعدما فاق العرض الطلب.

الا انه رغم ذلك، فهناك وجه آخر لايمكن تجاهله يتمثّل بمشاريع بناء جديدة تدخل سكة التنفيذ ، في اصعب الظروف السياسية والاقتصادية في البلاد، لا يستطيع المراقب الاوان يسأل عن مصيرها ، ومن سيشتريها اذا كانت هناك ابنية جاهزة ومعروضة لبيع ولم تستقطب الشاري؟.

منذ مطلع هذا العام، لم تكن الاوضاع السياسية في لبنانسيئة بالاجمال اثر التسويات التي تمت والتي ادت الى إخراج عدد من مشاريع القوانين والانجازات . كما ان الوضع السياحي كان اكثر من جيد ، زاهراً بالمهرجانات والاحتفالات الى جانب عدد من الزوار الذين قصدوا لبنان من مغتربين وعرب واجانب صدّقوا شهادة نجاح موسم الصيف حيث سجل تصاعد في عدد المسافرين عبر مطار رفيق الحريري الدولي بنسبة 8،4%، وتوّسع معدل إشغال الفنادق من 58،9% في أيلول 2016 إلى 65،2% في أيلول 2017. كما زاد عدد السياح بنسبة 11،3% وإنفاقهم بنسبة 3% خلال الفترة ذاتها.

و رغم كل هذه العوامل ، ما زال الاقتصاد بحاجة الى النهوض، وكذلك القطاع العقاري الذي طال انتظاره في دائرة الركود بعد الفورة العقارية التي عرفها في بين 2007و2012.

كيف يقوّم العاملون في السوق العقارية الوضع الحالي الخاضع لخضّات سياسية من كل حدب وصوب؟

مكارم

يعتبر الخبير العقاري رجا مكارم لـ"الاقتصاد" انه من المبكر تقييم حركة السوق العقاري خصوصاً وان مرحلة الترّقب والحذر كانت سائدة منذ فترة يخترقها بعض الطلبات على شراء الشقق والاراضي . من هنا ،فإن الازمة الاخيرة المتمثلة باستقالة الرئيس سعد الحريري لم تعكس اي ردة فعل جديدة، والراغبون في شراء الشقق والاراضي مازالوا في هذا الاتجاه. والطلب على على الشراء موّزع في بيروت كما في كل المناطق. ولفت مكارم الى ان هناك إقبالاً على شراء الشقق الكبيرة التي تتراوح مساحتها بين ال 500 و600 متر، وهذا مرتبط بلبنانيين مقيمين.

واوضح انه منذ العام 2006، اللبنانيون من مقيمين ومغتربين هم وراء الطلب على الشقق باستثناء بعض الخروقات من قبل الخليجيين.

ويرى مكارم ان حركة السوق خلال العام 2017 كانت افضل عما كانت عليه في العام 2016 ، استناداً الى عمليات البيع والشراء مع لجوء البعض الى اعتماد المرونة والتفاوض حول الاسعار المعروضة والتي تصل الى تخفيض 30% من السعر المعلن . وهذا يطبق في كل المناطق وليس في بيروت .

ويقول مكارم: اليوم لااحد ينفي ان ثمة حذر لدى المواطنين في ضوء استقالة الرئيس الحريري. والمرحلة غامضة لاتسمح لاي فرد بالتكّهن للمستقبل القريب. من هنا ، فان فرملة اي عملية استثمار جديد اصبحت بحكم الواقع المستجد.

الا انه في غضون ذلك، فان الحركة ليست معدومة. والجدير ذكره، ان المؤشرات الايجابية التي شهدناها في الاشهر العشرة الاولى من العام بفعل القوانين والمشاريع التي أقرت لم نلحظ نتائجها على ارض الواقع، وفي الاسواق كما كان مفترضاً.

واكد مكارم انه اذا لم تتأزم الامور اكثر فانه في العام 2018 سنحصد ثمار ما أنجز بفعل التسويات بعد الانفراج السياسي طبعاً، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية في الربيع، ووضوح طبيعة المرحلة القادمة في سوريا.

وعن الضرائب المستحدثة والتي تطال القطاع العقاري يقول مكارم بالطبع لها ارتدادات سلبية. وقد لفتنا نظر المسؤولين الى وجوب تخفيض الرسوم على اسعار تسجيل العقارات ما يسمح بتحقيق واردات اضافية الى خزينة الدولة . وهذا ما يحصل في معظم البلدان بدل دفع المستثمرين الى التهرّب من التسجيل.

ويرى مكارم انه يجب البحث عن اي حوافز جديدة بامكانها تشجيع المستثمرين في الاسواق العقارية ، وقد يكون من بينها منح الدولة الإقامة لكل اجنبي يستثمر في القطاع العقاري بمليون دولار وما فوق.

يذكر انه توّزعت في الاونة الاخيرة دراسات لفتت الى هبوط كبير في القطاع العقاري واستندت في تحاليلها الى العلاقة بين أسعار النفط وتحاويل المُغتربين. اي بما معناه أن إنخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية يؤثّر سلبًا على تحاويل المُغتربين اللبنانيين التي توّظففي العمليات العقارية .

وكان الركود والتراجع في مؤشرات القطاع العقاري واضحين في نتائج مؤشر "بنك بيبلوس" للطلب العقاري في لبنان "Byblos Bank Real Estate Demand Index" للفصل الثالث من سنة 2017، إذ سجل معدلاً شهرياً بلغ 49،6 نقطة في الفصل الثالث من 2017، مما شكل انخفاضاً بنسبة 5.2% من الـ 52.3 نقطة المسجلة في الفصل الثاني من السنة، وارتفاعاً بنسبة 25.4% عن النتيجة المنخفضة التي بلغت 39.5 نقطة والتي سجلها المؤشر في الفصل الثالث من العام 2016. وتشكل نتائج المؤشر للفصل الثالث من سنة 2017 القراءة الفصلية الـ21 الأعلى له خلال 41 فصلاً.

وتبعاً للمؤشر، تراجع الطلب على الشقق السكنية في لبنان في الفصل الثالث من 2017 بعدما كان ارتفع بنسبة 20% في الفصل الثاني من السنة الجارية. هذا التراجع مرتبط بإقرار المجلس النيابي في آب سلسلة من الضرائب والرسوم شملت القطاع العقاري وأدت إلى تراجع الزخم الطفيف على الطلب الذي سجل في الفصل الثاني من 2017. وفيما انخفض المؤشر بنسبة 13.4 في تموز و11.7% في آب، قبل أن يتحسّن بشكل طفيف بنسبة 3.8% في أيلول، عكست نتائج المؤشر في أيلول تراجعاً بنسبة 26% عن النتيجة الشهرية الأعلى المسجلة له أخيراً والبالغة 65،9 نقطة في كانون الأول 2016. وتعكس نتائج المؤشر نيّة المواطنين شراء أو بناء منزل، إلا أن هذه النيّة تحتاج إلى بيئة مؤاتية لترجمتها إلى عمليات شراء فعلية.

ولاشك ايضاً ان التباطؤ في الإقبال على شراء الشقق في لبنان وعلى مدى السنوات السبع الأخيرة، جمّد المساحات المبنية وقد بلغت نحو مليون متر مربع، تفوق قيمتها 3 بلايين دولار، وفقاً لبعض التقديرات.

و المناخ الذي يعاود تحريك السوق، لا يزال يتطلّب مزيداً من الحوافز المشجعة المتصلة بالوضع السياسي على رغم بعض التحسن فيه وعودة عمل المؤسسات، فهي تتعلق بخفض كلفة الضرائب على القطاع العقاري سواء بالنسبة إلى المطوّر العقاري أو المواطن الذي يرغب في الشراء.

ومن المعلوم ان التباطؤ في القطاع العقاري ينطبق على عدد من الدول في المنطقة وسط حال الانكماش الاقتصادي العالمي وتراجع اسعار النفط وان كان بعض الدول يسعى اليوم الى الخروج من النفق المظلم . من هنا، يمكن القول ان حركة الشراء في السوق العقاري ليست معدومة ولكنها بالانفراج السياسي والخطوات التحفيزية موعودة.