تنشط في هذه الاونة التحليلات والقراءات لاستقالة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ مع ما وراءها ، وما رافقها وما سيتبعها من ظروف وهيستيريا مواقف.

والبارز كانت التوقعات الصادرة عن وكالات التصنيف الدولية التي سارعت الى ربطها بتداعيات سلبية ، اهمها مخاطر سياسية واقتصادية على الساحة اللبنانية، اضافة لكونها ضربة للاستثمارات وللرساميل الوافدة اليه، رغم ان المسؤولين اللبنانين وفي مقدمهم حاكم المركزي رياض سلامة ، حارس الليرة البنانية ثبتوا في موقفهم المطمئن الى ان وضع الليرة مستقر ولا داعي للخوف.

ويذهب سلامة ابعد من ذلك ليؤكد "أن الأزمة هي سياسية لا نقدية. و أن لبنان ومصرف لبنان بالتحديد قد اتخذا إجراءات استباقية ،إذ إن السيولة بالليرة وبالعملات الأجنبية باتت مرتفعة لدى القطاع المصرفي والمصرف المركزي. وهناك أيضا عوامل سياسية إيجابية ترجمت من خلال الخطوات التي قام بها رئيس الجمهورية لصون وحدة لبنان والتعاون الوثيق مع الأسرة الدولية التي دعمت لبنان من خلال تصاريح صادرة عن الولايات المتحدة وأوروبا. إذن بفضل وضع السيولة المتين والدعم السياسي الدولي، نأمل أن يسود الإستقرار في لبنان."

مرّ لبنان بازمات سابقة مشابهة ، لابل اكثر خطورة ، ولم يتأثر الوضع المالي والمصرفي ، وذلك بفضل الهندسات المالية التي طبقها "المركزي" حيث أجرى في السنتين الماضيتين عمليات مالية مع المصارف، فسجلت الميزانية العمومية مستويات تاريخية لجهة الإحتياطيات، كما سجلت ودائع المصارف زيادة ملحوظة بلغت 11 مليار دولار السنة الماضية أي نسبة 6% على أساس سنوي. كما أن الميزانية العمومية لدى "المركزي" تدعم استقرار الليرة اللبنانية واستقرار معدلات الفوائد.

الا انه في المقابل،تجدر الاشارة الى ان الاقتصاد اللبناني ليس مربوطاً فقط بوضع الليرة ، علما انها عنصر اساسي لمالية البلاد ، ولكن هناك جملة مقوّمات ترسّخ بنية هذا الاقتصاد الذي يعيشفي قبضة السياسة الهوجاء ، وفي مهب ريح التغيّرات الجيوسياسية في المنطقة وفي العالم. فالاقتصاد جزء لا يتجزأ من السياسة في البلد نعم، ولكن فواتيره المسددة كثيرة وخطيرة.

واليوم 4 سيناريوهات يمكن طرحها، تتعلق بمصير الاقتصاد الذي هو اصلاً بحاجة للنهوض والخروج من دائرة الركود بعد استقالة الرئيس الحريري التي كانت خضة سياسية بامتياز. كيف ستكون المؤشرات في حال:

اصبحت الاستقالة رسمية وخرج الرئيس الحريري من الحكومة؟

في حال عاد عن الاستقالة وبقي رئيساً للحكومة؟

في حال استمرت الحكومة في تصريف الاعمال؟

في حال تم تشكيل حكومة جديدة؟

غبريل

كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الابحاث والدراسات في بنك بيبلوس نسيب غبريل يبدي استغرابه لما نقله بعض وكالات الصحافة من معلومات مغلوطة عن حركة الاسواق المالية في الاسبوع الفائت اثر استقالة الرئيس الحريري . وقال غبريل انها إشاعات لأن حركة الاسواق المالية كانت مقبولة قياساً على الخضة السياسية والتحاويل التي تمت كانت واقعية فيما ان المعلومات عن خروج الودائع من لبنان لم يكن دقيقاً. فليس هناك اي ازمة في السيولة في القطاع المصرفي. وما صرّح به الرئيس الحريري ترك ارتياحاً نوعاً ما.ورغم ذلك، من المبكر الاسترسال في التوقعات.

ولفت غبريل الى ان الوضع الاقتصادي لم يكن في اولويات الحكومة الحالية ، كما ان الوضع السياسي كان الضاغط الاول والاقتصاد يدفع الثمن. اما السياسة النقدية وثبات سعر صرف اليرة اللبنانية اثبتا الادارة الحكيمة للوضع المالي وهي من ضمن نظرة شاملة للاستقرار. فالثقة بالليرة وتثبيت سعرها يوازيان الثقة الموجودة في القطاع العام المدني والمقصود هنا المؤسسات العسكرية . ويقول غبريل : منذ سنوات وثقة المواطن بالدولة مقيّدة بالسياسة. ومؤشر التنافسية لمنتدى الاقتصاد العالمي يصنّف ثقة المستهلك بالسياسة في لبنان في المركز 128 من اصل 137 بلداً. من هنا فان الثقة اليوم في لبنان محصورة بالسياسة النقدية وبالجهاز المصرفي وليس بالطبقة السياسية.

ونلاحظ انه بعد التسوية السياسية التي تمت نسبة النمو هي مخيبة للآمال اليوم ، وذلك بفعل التوترات السياسية حيث انها لن تصل الى اكثر من 1،5% او 2%. وهذا كان قبل اعلان الرئيس الحريري استقالته.

واذا عدنا الى عام 2008 بعد اتفاق الدوحة وترتيب الاوضاع السياسية ونلاحظ ان نسبة النمو وصلت الى 9،1% وثقة المستهلك قفزت الى مستويات قياسية بينما اليوم ثقة المستهلك لم تتحسن كثيراً في ال 9اشهر الاولى قياساً على ما كانت عليه في عام 2016. وهي منخفضة بنسبة 40% عما كانت عليه بعد اتفاق الدوحة. فالزخم الذي بدأ مع انتخاب رئيس للجمهورية وما تبعه من تأليف لحكومة الوحدة الوطنيةلم يسفرا عن النتائج المرجوة. هذا لأن اولويات الحكومة كانت مختلفة عن تطلعات القطاع الخاص الذي هو ركيزة الاقتصاد الوطني. وبالتالي، فهي مختلفة عن حاجات الناس الذين يريدون بنية تحتية سليمة مع كهرباء مؤمنة 24ساعة فلا يدفعون فاتورتين . يريدون ايضاً مياه غير ملوثة تصل الى منازلهم بشكل طبيعي وطرقات السلامة العامة مؤمنة عليها . حتى في هذا السياق، لم تتم معالجة ازمة النفايات المتراكمة منذ سنوات. اذاً ، السياسة الاقتصادية التي اتبعت لم تساعد القطاع الخاص على خلق فرص للنمو بعد السنوات الاخيرة من الركود الاقتصادي ، كما انها لم توفّر الحوافز المناسبة لتكبيرحجم الاقتصاد.

كانت الاولويات محصورة بتمرير الموازنة . وهذا جيد . ولكن ربطه بفرض ضرائب ورسوم جديدة ارتد تراجعاً على ثقة المستهلك . ومن المؤكد ان عبء هذه الضرائب المستحدثة سنلمسه في العام 2018. قبل الاستقالة ، كانت توقعات النمو للعام 2018 بنسبة 3% .هناك فرص ضائعة ونقاط استفهام كثيرة اليوم .

ويتابع غبريل : لا اعتقد انه في حال اصبحت استقالة الرئيس الحريري رسمية ستسير الامور بما كان مرسوماً لها قبلها. فهناك شك في انعقاد المؤتمرات التي كان يتم الاستعداد لها ومنها : - مؤتمر روما لتمويل حاجات الجيش اللبناني المفترض ان يتم انعقاده في الاشهر الاولى من العام 2018. ولا ندري اذا كانتحكومة تصريف الاعمال قادرة على المضي فيه.

مؤتمر جذب الاستثمارات الذي هو وجه آخر لمؤتمر باريس -4- فمن هي الدول التي ستشارك فيه ؟ في الأساس هذه المؤتمرات ما تزال مسودة مشروع ولم تصل الى مرحلة التحضيرات الرسمية .

ويختم غبريل : القطاع الخاص في لبنان يحمل دائماً عبء التطورات السياسية. وكل الشركات في حال ترّقب وانتظار. ونأمل ان لا يطول ذلك. وعلى اي حكومة اي سلطة تنفيذية او حتى سلطة تشريعية الشروع في الاصلاحات البنيوية اللازمة المساعدة على خلق مناخات الاستثمار وتحسين النمو. ولايمكن إغفال اننا لا نعيش في اوروبا الشرقية ، بل نحن في منطقة معرضّة للخضات ، واي دعم للاقتصاد يساعد على استيعابهاوعلى استقطاب الشركات المتعددة الجنسيات وخلق التنافسية اللازمة في مجال التكنولوجيا وغيرها...

لبكي

من جهته ، يعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور بطرس لبكي ان اطلالة الرئيس الحريري الاخيرة بعد اعلان استقالته وما أستشف منها من مواقف انعكست بطريقة ايجابية على الاسواق المالية والقطاع المصرفي ، حيث لمسنا فرملة لحركة التحويلات الى الدولار، ولعملية السحوبات التي حصلت في الاسبوع الفائت اثر اعلان الاستقالة.

وتوّقع استمرار هذه الاجواء مع المواقف الدولية والعربية التي واكبت هذا الموضوع الى جانب اداء الدولة الحكيم. واشار الى انه في حال مضى الرئيس الحريري في استقالته ستبقى الامور على ما هي عليه على صعيد الاوضاع المالية علماً ان عملية السحوبات ستتراجع بالتأكيد. وفي حال تم تشكيل حكومة جديدة يعتبر الدكتور لبكي ان الموضوع مرتبط بالبيان الوزاري للحكومة الجديدة، ولكن بالتاكيد الامور لن تذهب الى الاتجاه السلبي ، فهناك شبه ضمانة دولية بان لاتذهب المؤشرات في لبنان الى التأزيم ، وبإبقاء لبنان بعيداً عن الصراعات الاقليمية. فهناك قرار للملمة الموضوع وحفظ ماء الوجه.

اليوم يصف البعض الفترة السابقة القريبة بانها قطوع اجتازه لبنان والاقتصاد الوطني الذي اعتاد على الضربات الموجعة رغم شطح وكالات التصنيف بلسان بعض الوكالات في وصف التداعيات هذا مع العلم انه لايمكن النوم على حرير والاكتفاء بالتباهي بصلابة القطاع المصرفي وبحكمة رياض سلامة الضمانة الاكيدة لعدم السقوط في الهاوية بل البحث عن دعائم اخرى تقوي مناعة الاقتصاد المعرّض للعواصف السياسية والخضات الامنية، فلا يسمح عندها للوكالات الاخبارية بالاسترسال في وصف التداعيات السلبية بطريقة دراماتيكية وسوداوية، سيما وانه لاينقص المواطن هذه الاقاويل.

.