هو ابن زوق مصبح في كسروان، عندما تستمع الى قصته تحار كيف تصنفه ، هل هو رجل أعمال، أو سياسي، او ناشط اجتماعي. وبعد ساعة من الحوار تكتشف انه مواطن لبناني يحب بلده فحسب.

البطالة القاتلة دفعته الى الهجرة، ليؤمن لقمة العيش، لا أكثر، والبطالة المستمرة في لبنان دفعته للعودة، واضعا نصب عينيه كيف يساهم في مكافحتها، فيجنب الشباب اللبناني الكأس المرة للهجرة التي شربها ذات يوم قبل 22 عاما، في وقت تضيّق الازمة الاقتصادية المعممة عربيا وعالميا، مجالات العمل في الخارج .

أزمة هنا، وازمات هناك، فأين المفر؟ واين هو الحل؟

الحل هنا يقول فارس فتوحي، في لبنان امكانات كبيرة لا تستثمر، ويمكن بقرار سياسي، وبتخطيط سليم، استخدامها لخلق فرص العمل للشباب. ولكن القرار السياسي غير متوفر بسبب طبقة سياسية فشلت وأفشلت البلد، من هنا يجب رفع الصوت والعمل على ادخال دم جديد في الحياة السياسية اللبنانية، لجعل السياسة في لبنان كما هي في التعريف: سوس الناس وادارة امورهم وخدمتهم.

هل تعرفنا على فارس فتوحي؟

من مواليد العام 1977 في زوق مصبح، وردا على الالتباسات التي اثيرت في الصحافة حول اصلي وانتمائي، أود ان اوضح انني ماروني وانتمائي هو لوطني لبنان، ولا اميز في تفكيري بين طائفة واخرى، فكلنا لبنانيون، وهذا التنوع الطائفي هو من مظاهر جمال الوطن اللبناني.

قبل 22 عاما هاجرت الى دبي من اجل العمل وتأمين لقمة العيش هناك، مثلي مثل الكثير من الشباب اللبناني الذي يتخرج من الجامعات ولا يجد فرصة عمل في بلده. وعملت في مجال الاعلام والتسويق وحققت النجاح بفعل العمل والمثابرة، وأسست عدة شركات تحت هذا العنوان ، تغطي بنشاطها دول الخليج ومصر وافريقيا، وللاسف غبت طول 15 سنة عن لبنان رغم حبي الكبير لبلدي ، وقد راقبت بحسرة كيف ان شباب لبنان ، من اصحاب الكفاءات العلمية الهامة ، يهاجرون لان احدا في وطنهم لا يلتفت اليهم ، ويؤمن لهم سبل العيش الكريم . في حين ان الدول الاخرى تتهافت على الاستفادة من طاقاتهم ، ومن هنا تبلورت لدي فكرة ضرورة عودة المغتربين الى لبنان للاستثمار فيه ومساعدة الشباب على العمل والعيش في بلدهم ، وبدأت منذ ست سنوات بزيارة لبنان بكثرة ، تمهيدا للقيام بعمل ما . فبطالة الشباب هي أخطر مظاهر الازمة في لبنان ، والمطلوب حل سياسي اقتصادي اجتماعي لها .

قلت انك اسست عدة شركات ، ما هي ولماذا التعدد في حين ان النشاط واحد ؟

الابرز الشركات هي "مادكوم" و"ماد برو" و"دي جي سبيس" ومؤسسة فارس فتوحي التجارية ، اما التعدد فيعود لتنوع المجالات التي نعمل فيها ، مثل العقارات ، الاعلانات والتسويق ، الديجيتال ووسائط التواصل الاجتماعي ،الالكترونيات وشبكات التواصل ، الالياف الضوئية ، بالاضافة الى التجارة العامة .

لقد بدأنا بالاعلام والتسويق ولكن نشاطنا توسع ليشمل الكثير من المجالات .

هل عدت الى لبنان لتنقل شركاتك ونشاطك الاقتصادي ، أم من أجل اهداف أخرى ؟

العودة كانت من اجل القيام بشيء ما لمساعدة الشباب في الواقع الاليم للبنان ، وخصوصا المتخرجين من الجامعات والعاطلين عن العمل ، ولكن للاسف لم نجد الظروف المساعدة للاستثمار ونقل الشركات الى هنا ااو تأسيس شركات جديدة ، فالاقتصاد يعاني من ازمة مستعصية ، بسبب الفساد والهدر وتفشي المحسوبية في كل المجالات ، ما يمنع وجود بيئة مناسبة للاعمال .

النظام والطبقة السياسية هما المسؤولان عن تردي الوضع الاقتصادي وانعدام فرص الاستثمار في لبنان ، وهذا ما قتل الحماسة لدي للانخراط في عالم الاعمال ، ولكن في الوقت نفسه حفزني على اطلاق نشاط من نوع آخر ، من خلال تأسيس التكتل اللبناني الواعد لتقديم الخدمات ومساعدة الشباب ، وكانت خطوة اولى ، وككل عمل اجتماعي تبين لنا ان هذا الجهد يطال افرادا لا المجتمع ككل ، فانتقل جهدنا الى المستوى الجماعي ، اي بالتصدي لاسباب الازمة في لبنان .

المشكلة في بلدنا الحبيب ان مفهوم العمل السياسي بعيد عن معناه الاصلي المعروف في كافة الدول الديمقراطية ، اي سوس الناس وادارة شؤونهم وخدمة مصالحهم ، في حين انها في لبنان وراثة عائلية ومحسوبية ومصلحة فردية. لذلك قررت ان اخوض تجربة التغيير في الحياة السياسية اللبنانية من خلال ادخال دم جديد ووجوه جديدة . فتحولنا من جمعية اجتماعية الى حزب سياسي تحت إسم الحزب اللبناني الواعد.

قبل الحديث عن السياسة ، هل استطعت القيام باعمال اقتصادية واستثمارات رغم العقبات ؟

نعم بدأنا عدة مشاريع وقد قامت احدى شركاتنا وهي للتطوير العقاري بشراء اراض للبناء عليها مجمعات سكنية ، ونحن نعرف ان السوق العقاري متعثر حاليا ، ولكن في نهاية المطاف سيتحرك ، وما يهمنا في هذا المجال انه بالرغم من العرض الكثيف والطلب القليل حاليا فان اسعار الشقق باهظة وليست في متناول الشاب الذي بدأ العمل حديثا ويريد الزواج والسكن مستقلا ، لذلك سنبادر الى البناء والبيع باسعار تشجيعية ، فالهدف الاساس من المشروع ليس الربح بل مساعدة الشباب .

بالاضافة الى ذلك ثمة مشاريع مستقبلية بدأنا العمل بها في القطاع الزراعي ، ومعروف ان هذا القطاع المنتج مهمل ان لجهة تطوير واستصلاح الاراضي ، او لجهة الاستخدام العملي لها ، بالاضافة الى غياب سياسة تصريف المنتوجات ، وسنحاول ايجاد حلول علمية ومربحة لمسأالة التصريف ، وادخال اساليب حديثة لتطوير القطاع الزراعي ككل .

وبالنسبة للتجربة السياسية ؟

المشكلة انه منذ اتفاق الطائف الذي غير في طبيعة النظام السياسي ، ووضع السلطة بيد مجلس الوزراء مجتمعا على حساب صلاحيات رئيس الجمهورية ، تحولت الحياة السياسية الى لعبة سلطوية يمسك بها عدد من الاشخاص ، يديرون البلد وفقا لمصالحهم ، ويدفنون المواطنين في ازمات معيشية خانفة ، ويجعلون من خلافاتهم على الحصص عنوانا لهذه الحياة السياسية.

برأيي انه حتى في ظل هذا النظام يمكن التغيير ، اي الذهاب الى بناء دولة منتجة بدلا من الدولة المشلولة التي شهدناها في السنوات الاخيرة . وخير مثال على ذلك ، ونحن في الذكرى السنوية الاولى لانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية ، ما تحقق خلال اقل من سنة من امور لم نحصل عليها منذ عشرات السنين ، مثل قانون الانتخاب والموازنة والبدء بمعركة مكافحة الفساد . مع علمنا ان المهمة ليست سهلة بسبب تراكم الازمات لعقود طويلة ، ومعالجتها يحتاج الى وقت ، وخصوصا بوجود طبقة سياسية تحمي الفساد وتعرقل اي خطوات اصلاحية .

أسست حزبا وهذا يعني انك لا تراهن على الطبقة السياسية بل على الشعب ، فقد توجهت الى القاعدة الشعبية .​​​​​​​

​​​​​​​نعم توجهت الى الشعب لاني فرد منه ، ومن الفئة الفقيرة ايضا ، فلست وريثا لثروة او موقع ، وعندما سافرت الى الامارات لم اكن املك اجرة التاكسي ليوصلني الى مكان مقابلة العمل .

ما اخشاه اننا في ظل ازمة اقتصادية عامة ، عربية وعالمية ، وهذا يعني ان اللبنانيين المهاجرين معرضون للبطالة تماما كما في لبنان ، والكل يعرف مدى اعتماد اقتصاد لبنان على تحويلات المغتربين ، وهي في تناقص مستمر، وللاسف ستتناقص اكثر بسبب الازمة العامة . واليوم​​​​​​​يجد خريجو الجامعات صعوبات جمة لايجاد عمل في لبنان او في الخارج .. ولن يبقى امامهم سوى الثورة على الوضع القائم ، اذا لم تضع الدولة حلولا تخلق فرص عمل.

لذلك كان لا بد من دق ناقوس الخطر ودعوة اللبنانيين الى العمل بكافة الوسائل للخروج من النفق المظلم .

هل من اقتراحات محددة ؟​​​​​​​

​​​​​​​هناك الكثير من الافكار ، ولنبدأ بالقطاع الزراعي ، فالفاكهة والخضار اللبنانية معروفة عالميا ، ولكن دولتنا لا تعرف كيف تسوقها ، وكيف تستفيد من كامل الانتاج ، فهناك شركات عصير، وفاكهة مجففة ،وخضار معلبة كبيرة في العالم تستورد كل انواع الفاكهة والخضار من دول عديدة ، ولكنها ربما لم تسمع بلبنان ، فلماذا لا تقيم الدولة المعارض الزراعية العربية والدولية لتعريف المنتجين بالمصنعين مثلا. كما يمكن للقطاع الخاص المساهمة من خلال التوسط بين الفئتين ، والمهم ايجاد عقود طويلة الاجل لتصدير منتجاتنا ، ما يؤمن دخلا ثابتا للمزارعين ، وللدولة ايضا ، ويؤمن ضخ السيولة في السوق اللبناني ، عدا عن انه يساهم في تعزيز قطاع الزراعة وتطويره عموما .

في الصناعة ينبغي البحث في اقامة مشاريع تنتج سلعا يحتاجها لبنان ، وتؤمن فرص العمل للشباب ، وتخفض فاتورة الاستيراد.

في مجال المعلوماتية من المعروف ان هذه الصناعة تحتاج الى الادمغة بالدرجة الاولى ، ونحن لدينا هذه الادمغة التي اثبتت كفاءتها في​​​​​​​الخارج ، فلماذا لا نستفيد منها في لبنان .

تحدثت عن صعوبات للاستثمار في لبنان ولكن اقر حديثا قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، الايساعد ذلك على تعزيز فرص الاستثمار ؟

اقرار القانون امر مهم للغاية ولكن الاهم تطبيقه. بمعنى ان تتوقف المحسوبيات والصفقات والمحاصصة في منح المشاريع ، لان الهدف من هذه المشاريع خدمة الناس والبلد واقتصاده ، وليس مجموعة منتفعين .

الدولة قادرة على الاستفاد من تمويل القطاع الخاص للمشاريع ومن خبراته ، ولنتناول موضوع الكهرباء ، من الممكن ان تتولى شركة خاصة​​​​​​​بناء معمل انتاج تستثمره لعشرة او عشرين سنة ، فتتأمن الكهرباء وفرص العمل ، ثم تتسلمه الدولة مجانا.​​​​​​​

هل من المعقول اننا في هذا العصر لا نزال نشكو من عدم وجود الكهرباء ؟ ولماذا عندما تنتج الدولة 1500 ميغاوات تتكبد خسارة سنوية تصل الى ملياري دولار ، في حين المولدات الخاصة تنتج كمية مماثلة وتحقق ارباحا تصل الى المليارين .

المسألة هي في التخطيط ، والتخطيط يحتاج الى قرار سياسي ، وطالما بقي السياسيون اصحاب مصالح خاصة لن نطبق الحلول الموجودة فعلا ، والسهلة عمليا ، لكل الازمات التي نعاني منها .