ما زالت ازمة ​قطر​مع دول الخليج و​مصر​ تشغل الرأي العام العالمي وما زالت انظار العالم تتجه الى الامارة الخليجية التي تعيش في حصار كبير منذ مقاطعة الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب لها لرصد الاجراءات التي ستتخذها للخروج من الازمة، لتعود قطر الى الواجهة بعدما اعلنت حكومتها سحب 20 مليار دولار من استثماراتها الخارجية وضخها في الداخل لانقاذ اقتصادها من هذه الازمة الخانقة اجراء اعتبره البعض دليل واضح لما تعانيه قطر اليوم من جراء الازمة مع جيرانها .

وسجل الاقتصاد القطري ابطأ وتيرة نمو منذ العام 1995 حيث تراجع حجم الاستثمار وثقة المستثمرين في الدوحة التي لا طالما اعتبرت من اقوى اقتصاديات المنطقة واحتلت المراتب الاولى بين الدول سواء من ناحية الادخار والاستثمار، كما تراجعت الواردات والودائع الاجنبية وارتفعت اسعار الفائدة في ظل انخفاض اسعار الطاقة الذي يشهدها العالم اليوم واشارات بيانات اقتصادية الى ان مقاطعة قطر كبدت البلاد في شهرين فقط حوالي 38.5 مليار دولار اي ما يعادل 23% من الناتج المحلي.

­­­­­­­­­واعلن وزير المالية القطري، علي شريف العمادي أن جهاز قطر للاستثمار (صندوق الثروة السيادية للبلاد) ضخ أكثر من 20 مليار دولار، في البنوك، لتخفيف آثار مقاطعة الدول العربية في خطوة استباقية وقائية ، بعدما خرجت رؤوس اموال أجنبية تفوق 30 مليار دولار في أعقاب المقاطعة، في حين اعلنت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني في وقت سابق إن قطر ضخت 38.5 مليار دولار في اقتصادها منذ اندلاع الأزمة الخليجية، وتخارج “جهاز قطر للاستثمار” من حصصه في كل من مصرفي “كريدي سويس″ و”ذا سويس بنك” وشركة “روزنفت” الروسية للطاقة و”تيفاني آند كو” الأمريكية، وما يفاقم ازمة الدوحة، أنها تحتاج للسيولة في هذه الفترة الحرجة، ذلك لأنها تنفق 500 مليون دولار أسبوعيا على تحضيرها لمونديال كرة القدم المرتقب في 2022.

كما توقع اقتصاديون أن يتراجع نمو الناتج الإجمالي في قطر إلى 2.5 % العام الحالي، بينما سيصل إلى 3.2 % العام المقبل، وان يسجل الاقتصاد عجزا في الميزانية بنسبة 5.1 % من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام مقارنة بـ4.6 %، ومن ناحيتها خفضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني تقييمها للنظام المصرفي في قطر من "مستقر" إلى "سلبي"، نظرا إلى الضغوط المتزايدة، التي تواجهها المؤسسات المالية منذ قرار الدول الخليجية الأربع السعودية والبحرين والإمارات واليمن إضافة إلى مصر.

وفي هذا السياق كان لموقع "الاقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير الاقتصادي الاردني د. مازن ارشيد للبحث حول قرار قطر ضخ صندوق الثروة السيادية للبلاد أكثر من 20 مليار دولار في البنوك، بالاضافة الى معرفة مدى قدرة هذه الامارة الصغيرة على تحمل حالة الحصار هذه؟

ارشيد: قرار المقاطعة العربية لقطر اثر على الدول الخليجية ككل، وسحب الاموال من صندوقها السيادي اجراء طبيعي لتوفير السيولة

­­­­­اعتبر د. مازن ارشيد انه من الواضح ان قطر بدأت باتخاذ بعض التدابير في ما يتعلق بتخيف وطأة المقاطعة الخليجية التي تعيشها اليوم لكن هذا لا يعني ان البلاد تعيش في وضع اقتصادي صعب، نظرا الى ان عملية ضخ صندوق الثروة السيادية لـ20 مليار دولار في البنوك اجراء عادة ما يتم حيث تقوم قطر ببيع اجزاء من استثماراتها في اوروبا والولايات المتحدة الاميركية وخاصة في استثماراتها البنكية مما يساعدها على ضخ الاموال في المصارف القطرية المتواجدة في البلاد حيث انها تمتلك صندوق سيادي يبلغ حوالي الـ 300 مليار دولار وعملية سحب او البيع لا يدعو للقلق حيال الوضع الاقتصادي للبلاد .

واعتبر ارشيد ان قرار المقاطعة الخليجية لقطر له تأثيرات سلبية على اقتصاد دول الخليج ككل ليس فقط على قطر نظرا الى ان الازمات الجيوسياسية والمقاطعة على اي دولة سيكون لها تداعيات على الدول العربية ، واشار ارشيد الى ان قطر لا تزال تقوم بانتاج وتصدير الغاز الى جميع انحاء العالم واغلاق المنافذ البرية مع المملكة العربية السعودية تم الاستعاضة عنه من خلال نقل المواد الغذائية عن طريق المنافذ البحرية وانشاء خطوط بحرية جديدة مع عمان وايران من خلال وجود ميناء حمد في قطر الذي له دور كبير في تخفيف الاثر الاقتصادي للمقاطعة الخليجية لقطر.

كما اشار ارشيد الى ان السعودية ومنذ عام 2014 الى اليوم قامت بسحب اكثر من 200 مليار دولار من صندوقها السيادي الذي كان يتجاوز اكثر من 600 مليار وهو اليوم في تراجع نتيجة تراجع اسعار النفط، والعجز الذي نشهده اليوم ليس فقط في موازنة قطر بل في موازنات الدول الخليجية ككل تأتي بسبب تراجع اسعار البترول العالمية.

وتوقع ارشيد بان لا يكون هناك تأثيرات كبيرة على الاقتصاد القطري ومشاكل متافقمة نظرا الى ان البلاد لا تزال قادرة على تصدير الغاز والنفط الى العالم ، كما اشار الى ان الدوحة وبسبب استضافةمباريات كأس العالم تقوم اسبوعيا بضخ حوالي نصف مليار دولار من اجل اتمام مشاريع متعلقة بهذا الحدث العالمي وبالتالي هي بحاجة لعملية بيع جزء من حصصها في المصارف او سحب من صندوقها السيادي للابتعاد عن خيار الاستدانة من الخارج .

قطر واستراتيجية تنويع الاقتصاد:

ومثل قرار المقاطعة ضربة قوية على قطر التي حرصت ومنذ سنوات الى الخروج من تبعية اقتصادها للعائدات النفطية فحرصت في استراتيجياتها الاقتصادية الى تنويع الاستثمار الخارجي ومصادر الدخل الى جانب تمسكها بالاستثمار في قطاع النفط والغاز حيث اعتبرت قطر ان التحدي الابرز امامها في المستقبل هو تنمية اقتصاد المعرفة لضمان مستقبل اقتصادي تتبناه كوادر بشرية وطنية .

وتعد قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وهي واحدة من أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

واستثمرت قطر في السنوات الاخيرةعشرات مليارات الدولارات في الأصول الرئيسية، من فرق رياضية إلى عقارات فاخرة إلى رعاية للأحداث الكبيرة، وحصص في شركات ومؤسسات واسهم وعقارات في مختلف القطاعات والمجالات منها المصارف والعقارات والزراعة، وتندرج هذه الاستثمارات تحت مظلة صندوق الثروة السيادية القطري الذي يتخطى حجمه 335 مليار دولار والذي تأسس في العام 2005 وأطلق عليه اسم جهاز قطر للاستثماروالذي حصل على جائزة أفضل صندوق سيادي في منطقة الخليج لعام 2017، وعلى جائزة أفضل صندوق سيادي بالمنطقة في بناء علاقات مع المستثمرين، وذلك في التقييمات السنوية التي تصدرها مجلة "وورلد فاينانس" للمؤسسات المالية، وشخصيات الأعمال والتجارة بمنطقة الخليج، وتقدر موجوداته في العام الحالي بحوالي 335 مليار دولار، ويملك الجهاز استثمارات عالمية استراتيجية في لندن وأميركا وسويسرا وألمانيا، ومن بين هذه الاستثمارات حصص في بنك "كريدي سويس" ومصرف "دويتشه بنك"، إضافة إلى العقارات الاستراتيجية في حي المال البريطاني الثاني "دوكلاند".

العلاقة الاخوية التاريخية بين لبنان وقطر :

تعتبر العلاقات الثنائية بين لبنان وقطر قوية ومتميزة ، وبين البلدين تاريخ طويل من التعاون المحبوك بالمحبة والاخوة ولا طالما كانت الدوحة داعمة للبنان الذي عاش ويعيش تناقضات وخضات كبيرة ومشاكل لا تنتهي ، والعلاقة بين البلدين قائمة منذ عشرات السنين وتخطت الاطر السياسية والدبلوماسية واصبحت علاقات انسانية واجتماعية بامتياز، ولم تبخل قطر يوما من مد يد العون الى لبنان ويحفظ اللبنانيون لقطر مآثرا كثيرة في مجال دعم بلادهم على الصعيد الاقتصادي والسياسي ، بحيث تكفّلت الدوحة بعيد وقف إطلاق النار مباشرة في العام 2006 بإعادة إعمار القرى والبلدات الجنوبية التي دمّرتها آلة الحرب الإسرائيليّة، وإعادة إعمار 12 ألف وحدة سكنيّة سلكت عبرها الأموال طريقها بشكل مباشر من الدوحة إلى الجهة المتضرّرة بالاضافة الى مشاركة قطر في قوات حفظ السلام"اليونيفيل" لمساعدة لبنان على الوفاء بالتزاماته تجاه القرار 1701 .

ولا ننسى اسهامات قطر في مساعدة لبنان في مواجهة الأعباء المترتّبة عليه من جراء النزوح السوري الكثيف إلى اراضيه من خلال تقديم الديوان الأميري مساعدات مباشرة للنازحين السوريين إلى لبنان، وقد ساعدت هذه المساعدات التي تعاقبت خلال سنوات الأزمة السورية على تحمّل لبنان تداعيات الأزمة اقتصادياً وأمنياً، وأزاحت عبئاً مالياً كبيراً عن كاهل لبنان، بحيث تنوّعت هذه المساعدات بين المأكل والملبس وكسوة الشتاء وإفطارات رمضان والمعاينات الطبية والأدوية من خلال مستوصفات ثابتة وأخرى متنقلّة إضافة إلى دفع بدلات السكن لبعض الحالات.

في الجانب الاقتصادي نجد في لبنان الكثير من العقارات المملوكة من أشخاص قطريين على شكل أراض ومنازل وكان المستثمر القطري سباقا بالتواجد في لبنان ، ويتمثل الحضور اللبناني في الدوحة بعدد كبير من الشركات الهندسيّة بشكل خاص، ساهمت وتساهم في نهضة الدوحة العمرانيةويبلغ عدد المقيمين اللبنانينفي قطر اكثر من 80 الف لبناني، كما وقّع لبنان وقطر عدّة اتفاقيات تناولت قطاعات مختلفة، وكانت الدوحة وما زالت تعتمد في جزء كبير من موادها الغذائية على الصناعات الغذائيّة اللبنانيّة وعلى المزروعات اللبنانيّة من خضار وفواكه.