الأن وقد تمّ إقرار سلسلة الرتب والرواتب مع كلفة توازي 1800 مليار ليرة لبنانية، تتجه الأنظار إلى مجلس النواب لمعرفة لائحة الضرائب التي سيُقرّها لتمويل هذه السلسلة. ومن المُتوقّع أن يعيش لبنان في الأشهر والأعوام القادمة حالة فوضى مالية وإقتصادية قد تكون بداية مسيرة الجلجلة.

أقرّ مجلس النواب في هيئته العامّة سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام. وتمّ إقرار كل البنود الموضوعة على السلسلة بما فيها تعديل دوام العمل الذي أصبح من الإثنين للجمعة من الثامنة صباحًا وحتى الثالثة والنصف بعد الظهر مع وقف العمل أيام السبت، بإستثناء مادتين تتعلقان بوقف التوظيف في القطاع العام.

وتتجه الأنظار إلى سلّة الضرائب التي تواكب سلسلة الرتب والرواتب والتي تحتوي على لائحة من 21 ضريبة أقرّ مجلس النواب في شهر نيسان الماضي قسم منها قبل أن يفقد نصاب جلسته الشهيرة تحت تأثير الضغط الشعبي.

المُشكلة التي وقع فيها مجلس النواب بإقراره السلسلة هو أنه لا يملك حلًا لتمويلها إلا من خلال الضرائب والتي بحسب التصريحات تمّ ربطها بمشروع موازنة العام 2017. وهذا ما يُثبته تصريح وزير المال علي حسن خليل الذي صرّح بأنه تم إضافة نص على المادة 20 يسمح بتمويل إعتمادات السلسلة من الموازنة في حال أُقرّت، وإذا لم تُقرّ فسيتم تمويلها من خلال إعتمادات من خارج الموازنة كما للدولة العادة بالصرف منذ العام 2005.

المشاكل فعليًا ستبدأ أواخر الصيف مع بدء دفع السلسلة الجديدة حيث أن غياب التمويل سيدفع بالحكومة إلى الإستدانة وهذا ما سنلحظه في زيادة الإصدارات للدولة اللبنانية بحكم أن إقرار الضرائب (التي تمّ ربطها بالموازنة) ليس بالأمر السهل مع الرفض الشعبي لهذه الضرائب وقرب الإستحقاقات النيابية (الفرعية والأساسية).

الظاهر من التصريحات أن إقرار الموازنة لن يكون أيضًا سهلًا مع ما ستتضمّنه من عجز بدون إقرار الضرائب (أكثر من 7 مليارات دولار أميركية). وبالتالي فإن الدين العام اللبناني سيرتفع إلى أكثر من 84 مليار دولار أميركي في منتصف العام القادم.

الواضح مما تقدّم أن هناك فوضى مالية وإقتصادية ستظهر في الأشهر القادمة. هذه الفوضى ستبدأ بإرتفاع الأسعار وزيادة الإصدارات ويليها لاحقًا تباطؤ إقتصادي وزيادة في الدين العام مع ضغط على الليرة اللبنانية.

إرتفاع الأسعار سيكون حتمي إذا ما أُقرّت الضرائب مع إرتفاع بمُعدّل 10 إلى 15%. لكن هذه النسبة قد ترتفع إلى أكثر من 40% في بعض الحالات مثل أقساط المدارس الكاثوليكية التي صرّحت أنها سترفع الأقساط أقلّه 27% (إذا لم يُقرّ المفعول الرجعي) و50% إذا ما تمّ إقرار المفعول الرجعي على السلسلة. أي أن عائلة مؤلفة من ثلاثة أولاد كانت تدفع 18 مليون ليرة أقساط سنوية، ستدفعّ 24 مليون ليرة في أحسن الأحوال وقد تصل إلى 27 مليون ليرة سنويًا.

ويُمكن القول أن كل المنتوجات والسلع والخدمات سترتفع حتمًا وميكانيكيًا بحكم إرتفاع الطلب عليها والناتج عن ضخ 1800 مليار ليرة لبنانية في الإقتصاد. هذا الأمر سيؤدّي إلى زيادة التضخم الذي قد يعتبره البعض بادرة خير لنمو مُستقبلي ونعتبره نحن ضربة قوية لماكينة إقتصادية مُتآكلة من قلّة الإستثمارات.

إرتفاع الأسعار هذا سيأخذ منحًا دراماتيكيًا مع رفع الضريبة على القيمة المُضافة بقيمة 1% و4% على المازوت مما سيولّد تضخمّ ضمني آت من أسعار المحروقات. ولن تمنع الرقابة على الأسعار في لجمها بحكم أن عديد المراقبين محدود ونظرًا للفساد المُستشري في بعض الإدارات.

هذا السيناريو التشاؤمي لن يتوقّف هنا مع إرتفاع إنفاق الدولة وفي ظل غياب أفق واعدة للنمو الإقتصادي. فالدولة ستعمد حكمًا إلى زيادة إصدارات الخزينة مما يفرض رفع الفائدة على هذه الإصدارات وبالتالي زيادة خدمة الدين العام بالتوازي مع زيادة كتلة الأجور التي أصبحت توازي الـ 6 مليار دولار أميركي سنويًا (60% من مدخول الدولة اللبنانية!). هذا الواقع سينقل العجز في الموازنة إلى مستويات هيكلية أعلى ومعه سينتقل الدين العام إلى مستوىً خطر وبالتالي سينخفض التصنيف الإئتماني للبنان وتزيد كلفة الإستدانة على المصارف اللبنانية.

والأصعب في الأمر أن الإقتصاد اللبناني ليس المُستفيد الأول من ضخ 1800 مليار ليرة، بل ستكون الدول التي يستورد منها السلع والبضائع.وهذا الأمر سيزيد من عجز الميزان التجاري ومعه ميزان المدفوعات وحتميًا سيزيد من الضغط على الليرة اللبنانية التي سيتم الدفاع عنها بكلفة لا تقلّ عن 150 مليون دولار شهريًا تأتي لتُثقلّ إنفاق مصرف لبنان الذي يُمول عجز الدوّلة مع المصارف التجارية.

كل هذا بسبب غياب تخطيط سليم لتمويل السلسلة.

هذا الواقع الآليم لن يكون من السهل تخطيه إلا من خلال إجراءات إصلاحية جذرية على رأسها مُحاربة التهرّب الضريبي الذي تتراوح قيمته بين الـ 2.5 و5 مليار دولار أميركي سنويًا. ناهيك عن التوظيف العشوائي في القطاع العام والذي بدأ يُصبح مُشكلة المشاكل مع كلفة توازي60% من مداخيل الدوّلة. وبالتالي من الضروري خفض الإنفاق في كل بنود الموازنة بنسبة 1% تحت طائلة إنفجار الدين العام.

هل يعّي المسؤولين أهمّية المسؤولية وبالتالي القرارات المُلقاة على عاتقهم؟

إن المرحلة القادمة ستكون مرحلة دقيقة جدًا على الصعيدين المالي والإقتصادي علّ الله عزّ وجلّ يُنعم على لبنان بمُعجزة تُخلّصه من هذا الكابوس.