ألف ​عاطل عن العمل​ سنويا يجربون حظّهم في القبض على وظيفة، من خلال المؤسسة الوطنية للاستخدام التي بالكاد يسمع اللبنانيون عنها، وهؤلاء "الألف" ما هم إلّا عيّنة "مصغّرة" من الـ 34% التي قدّرها ​البنك الدولي​ في آخر إحصاء له عن معدّل البطالة بين الشباب في البلاد، وهذا المعدّل يعتبر مرتفعاً جدّاً وخطيراً، لدرجة أنّه كفيلُباسقاط حكومات في بلدان أخرى، ويكفي أن نقارن مع سيريلانكا التي لا يتجاوز معدّل البطالة فيها 5.80%!

هنا في دولتنا نقيم خطط تقلّص هذه البطالة "الشابة"(16الى 30 عاماً) من دون أن نكلّف أنفسنا بإجراء إحصاء رسمي أو دراسة حتّى عن عدد العاطلين عن العمل. وخصوصاً أنّ المشروع الذي ستعتمده الحكومة في الشهر المقبل ليس بالرقم البسيط بل من المبالغ التي تثقل الميزانية، حيث سيكلّفها 1.3 مليون دولار أميركي-في السنة الاولى-إلّا أنّ كلفة المشروع الاجماليّة التي ستقرّ خلال الشهر المقبل لمدّة خمس سنوات، تبلغ 10 مليار ليرة لبنانية،و2.2 مليون دولار اميركي خلال السنة الاولى، فضلا عندعم من البنك الدولي بقيمة 900 الف دولار اميركي.

إذاً  فهؤلاء الشباب لا أرقام واضحة عن أعدادهم ولا عن فئاتهم أو هويّاتهم حتّى، ممّا يجعلنا نتساءل: أهم عاطلون أو عاطلون عن العمل؟!

ويهدف البرنامج الرسمي الأول من نوعه "أوّل عمل للشباب" والذي ستتولّى ادارته مؤسسة الاستخدامالىتوفير فرص عمل اولى مستدامة، فيقدّم الحوافز لأصحاب العمل الذين يوظفون أجيراً لبنانيا للمرة الاولى، وذلك عبر تسديد الاشتراكات المتوجّبة لصندوق الضمان الاجتماعي عن كل موظّف. لتُسدّد كامل اشتراكات الضمان المتوجبة في السنة الاولى. وليُدفع ثلثي هذه القيمة عن الفصلين الاولين من العام الثاني فيستفيد صاحب العمل منها بنسبة 75%، فضلا عن تسديد ثلثي قيمة الاشتراكات المتوجبة عن الفصلين الاخيرين من السنة الثانية.كما يسعى البرنامج الى تدريب 1600 طالب عمل خلال 75 ساعة.

في السياق نفسه يؤكّد المدير العام للمؤسّسة ​جان أبي فاضل​ في حديث خاص لـ "النشرة الاقتصاديّة" أنّ نشاط المؤسسة في تلبية طلبات التوظيف قد تراجع بنحو 50% خلال السنوات الاربع الاخيرة. ويعود السبب الى الغاء مبدأ الوسيط إذ باتت الشركات والمصارف تلجأ مباشرة الى السيرة الذاتية للعاطل عن العمل عبر الانترنت، موضّحا أنّه "في ظلّ امكانات 29 موظّف في كل المؤسسة ونحو 8 موظّفين مسؤولين عن الاستخداموالتوظيف من جهة ومخالفات ​مؤسسات الاستخدام الخاصّة​ التي منعها القانون من العمل مؤخّراً من جهة أخرى نعتبر أنّ ما ننجزه مقبولاً، مع العلم اننا تعرضنا لخطر الاقفال وصرف عمالنا من قبل وزارة المال منذ عشر سنوات، ونستغرب كيف تطرح الدولة هكذا مشروع لتضع موظّفيه في ايطار البطالة وهم انفسهم من يعمل على الحدّ منها."

وتوضّح رئيسة مؤسسة الاستخدام ​تيريز شاهين​ لـ"النشرة الاقتصاديّة" أنّ المعدل المتوسّطي للطلب على العمل في السنة يبلغ نحو 1255.8 طلب، مشيرة الى أنّ قيمة الطلب قد انخفضت جدا بين عامي 2002 و2011 وذلك يعود الى أنّه عام 2002 قامت المؤسسة بحملة اعلاميّة تشجّع أهداف المؤسسة بتمويل من الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي، فيما تواجه البلاد حاليّاً أزمة اقتصادية اقليميّة وعالميّة.

ويوضّح الجدول التالي تطور طلبات العمل والعروضات عليها فضلاً عن ترشيح عمل التوظيف على الشركات، وعمليّة التوظيف:

السنةطلب عملعرض عملترشيح عمل للتوظيفتوظيف
2002218811551285902
2011256121-54
مجموع  2002-201112558470695962075

ويظهر الجدول التالي نوع المهن الاكثر طلباً وعرضاً:

المهن الأكثر طلباًالمهن الأكثر عرضاً
مندوب مبيعاتأعمال إداريّة وسكريتيريا
سكريتيريا إداريّةمحاسبة
محاسبةمدير فرع
ممرّضأمين مستودع

ويبين الجدول التالي فئة الطلب، العرض، مستوى الشهادة، ونوع الشركات الاكثر توظيفاً:

فئة الطلبفئة العرضمستوى الشهادة الاكثر عرضاً نوع الشركات الاكثر توظيفاً
-الاناث60% -الذكور 40%متقاربة

-مستوى متدني ثانوي

-(جامعي وحملة الماجستر والدكتوراه)

شركات متوسّطة تجاريّة

ويلفت أبي فاضل هنا الى أنّ  ثمانيَ موظفين في كلّ لبنان يبحثون عن فرص عمل لكلّ العاطلينعن العمل، ويضيف "استقبلنا ما يفوق معدّل الـ400 طلب توظيف منذ بداية السنة. لبينا منهم حوالي 15 شخص في الشهر الماضي إلّا أنّ الارقام تتفاوت وتنخفض فعلى سبيل المثال كنا قد وظّفنا 1000 طلب عام 2002، في حين لا نصل اليوم الى توفير العمل لنصف هذا العدد حتّى بظلّ معدل 1000 طلب سنوياً." معتبراً أنّ "خريجّي الجامعات يهدرون أكثر من عام ونصف من وقتهم  في البحث عن وظيفة، بينما يقضي خريجي الثانوية ثلاثة اعوام تقريباً."

 من ناحية أخرى تعمل المؤسّسة بظلّ ميزانية محدودة تقدّر بـملياريّ ليرة لبنانية سنويا على وقف الهدر الحاصل في برامجها وأعمالها ويشير أبي فاضل الذي يرجّح أن يصل معدل البطالة الى 21% الى أنّه " قلّصنا عدد انواع التدريب المهني عبر 25 شركة خاصة ندفع نصف أقساطها ،من 100 الى 42. كما نسعى لتخفيف طلبات التدريب المعوّقين المهني، لصالح المشاغل المحميّة التي بدورها تعطيهن اجورهم أثناء هذا التدريب، وذلك كي نضع الميزانية المحدودة في أطر أفضل، علماً أنّنا نحتاج الى مليار ليرة سنويا لسداد كلفة رواتب الموظّفين وأجار المبنى."

 ​منظمة العمل الدولية​ من جهتها تبيّن ارتفاعاً مستمرّا في معدل البطالة بالبلاد-التي لم تقرّ مخطّط عمالة واضحة على أثر نظامها الاقتصاديّ الليبرالي-على الرغم من انخفاضها بين عامي 1997 و2004، حيث سجّلت 7.9% بعدما كانت 8.5%، لترتفع مجدّداً عام 2007 الى 9%، مستقرّة بين اعوام 2008 و2009 و2010 عند 8.8%، لتعاود الارتفاع عند 9.3% عام 2011.

ويوضح الجدول التالي معدلات البطالة بحسب منظمة العمل الدوليّة بين عامي 2008 و2011:

البلد

السنة

الجنس

العمر

الموظفين('000)

اليد العاملة

('000)

العاطلين عن العمل (000)

 (%) معدل البطالة

لبنان

2008

الذكور والاناث

الكل

1280

1404

124

8.8

لبنان

2009

الذكور والاناث

الكل

1302

1428

126

8.8

لبنان

2010

الذكور والاناث

الكل

1326

1454

128

8.8

لبنان

2011

الذكور والاناث

الكل

1341

1478

137

9.3

بالطبع إنّ هذه الأرقام الصغيرة (9.3% عام 20011 ) لا تعبّر عن واقع الحال،  فهو أكبر من ذلك بكثير انطلاقاً من المصادر المقابلة، التي تتفق معظمها على نحو 21%. فبالرغم من أنّ معدّل البطالة "على الطريقة الرسميّة" لا يتجرّأ على الصدور إلّا أنّ عدد العمّال المسجلين في الضمان يبلغ نحو 750.000 من بينهم حوالي 250.000 موظّف في القطاع الرسمي.

في نفس الاطار حذرت منظمة العمل الدولية عبر وثيقة، من تفاقم متوقّع لمعدلات البطالة لدى الشباب. ويرجّح خبراء اقتصاديون ذلك خاصّة إذا ما زادت الاجور والرواتب (43000 موظّف سيصرف)، وارتفع المستوى التعليمي، فضلاً  عن عدم  القدرة الرسميّة على استيعاب المهاجرين الذين يبلغ عددهم 18 مليون نسمة مقارنة مع 4 مليون نسمة في لبنان بحسب التقديرات.في السياق نفسه قدّرت منسقة التنمية البشرية في البنك الدولي البطالة لدى الشباب بـ 34 % عام 2010، قائلة أنّه مرتفع جداً، كما يتطلب الانتقال من الجامعة أو المدرسة إلى سوق العمل وقتاً طويلا."

وفي آخر إحصاء لمؤسّسة "​البحوث والاستشارات​" يظهر أنّ معدّل بطالة يتراوح بين 10% و15.6%،كما تُقدّر معظم الدراسات أن أكثر من نصف هؤلاء يبحثون عن العمل لأول مرة، بينما تختلف نسبهم بين الذكور والإناث حيث تبلغ 45و 55% على التوالي.

في الاطار نفسه يقول ​رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العماّل​ ​كاسترو عبدالله​  لـ"لنشرة الاقتصادية" أنّ برنامج "مكافحة البطالة" الذي أسّسه الاتحاد منذ عام، قد ساعد العديد من الشباب على التأهيل المهني، فضلاًَ عن ايجاد عمل عبر التواصل المحدود من قبل البرنامج مع اصحاب الشركات والمؤسسات التي تحتاج لموظّفين، مشيراً الى أن المشروع قد درّب مؤخّراً نحو  120 من أصل عشرة آلاف و800 مرشّح تقريباً على الضمان، بينهم 2000 حامل لشهادة الماجستر أو الدكتوراه "أجرينا ثلاث دورات تأهيليّة مجانيّة، لتدريب المقدمين على امتحانات مجلس الخدمة المدنية والتي كانت تطلب 126 موظّف فقط بينما الفضيحة ان المرشحين قد فاق عددهم العشرة آلاف، وهم يقدّرون البطالة رسميا بنحو 15%، بينما نحن نقدّرها بنحو 37% من بينهم 50% في فئة الشباب."

ويبقى معدل البطالة مرتفعاً أيضاً، إذ تقولمنسقة التنمية البشرية في البنك الدولي حنين السيّد أنّه"مرتفع جداً، كما يتطلب الانتقال من الجامعة أو المدرسة إلى سوق العمل وقتاً طويلا."وإذا ما اعتمدنا على ارقام منظمة العمل الدولية لعام 2008 وهو 8.8%، وقارناها ببعض الدول الأسيويّة حيث سنجد أنّ كل من الهند-وهي الاكثر كثافة سكانية في العالم- قد وصل معدل البطالة فيها الى 6.8% والصين 4%.

 

 يُذكر أنّ أوضاع البطالة في العالم ليست بأفضل بل أنّ هناك موجة ارتفاع في معدلاتها إذ كشف احصاء حديث لمؤسسة "الخليج للاستثمار" عن ارتفاع هذا المعدّل بدول الخليج-التي تصرف عمالا لبنانيين نظرا للازمة الاقتصادية العالمية مما يؤثر سلبا على لبنان- لتتجاوز نسبة 10.5% في السعودية. و14% في الامارات، و8% في كل من سلطنة عمان والبحرين. وبينما يشهد العالم حالات انتحار متزايدة في اوروبا على خلف الازمة الاقتصادية.

ويتفق العديد من الخبراء الاقتصاديين المطّلعين على معدلات البطالة وأسبابها في البلاد على عدّة حلول يطرح أبرزها البنك الدولي عبر تقرير له، وهي إزالة التشوهات في اسعار المدخلات ولا بدّ هنا أن نشير الى أنّ كلّ من الطاقة والأيدي العاملة هما من مدخلات الإنتاج حيث أنّ "ارتفاع معدلات الدعم للوقود كما هو شائع في العديد من البلدان يعني ضمنا أن الطاقة تمثل مدخلا أرخص نسبيا مما هو عليه في مناطق أخرى من العالم، وأن الشركات قد تفضل استخدام الطاقة المدعومة بدلا من العمالة التي تدفع عليها ضرائب.ويدفع هذا بعض البلدان إلى التخصص في قطاعات وعمليات إنتاجية ذات كثافة نسبية في استهلاك الطاقة. ومن ثم فإن مثل هذه الدعوم تمثل تشوهات كبيرة في بلدان غنية بمواردها البشرية:فهي تعوق النمو عن طريق استغلال الموارد بشكل غير فعال في الوقت الذي تحد فيه من استجابة العمالة للنمو."

ويعتبر البنك الدولي أنّ تحفيز القطاع الخاص هو من الحلول الأساسيّة فعلى الرغم  من انخفاض إنتاجية القطاع العام، إلّا أنّه لا يزال يشكل المصدر الرئيسي للتوظيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويكمل البنط أنّه في ظلّ "استحواذ القطاع الخاص الرسمي على نسبة ضئيلة لا تتجاوز 10% من التوظيف في المتوسط، ممّا يؤدي إلى انتزاع الموارد من أكثر الاستخدامات الإنتاجية، مما يعوق النمو وخلق الوظائف."

كما يقترح حلّا آخر يقضي في المزيد من التصنيع ومرونة التوظيف في قطاع الصناعات التحويلية  موضّحاً أنّه "هناك مجموعة كبيرة من  الدراسات تسرّع وتيرة النمو يصاحبه طفرات في الصناعات التحويلية.بمعنى آخر، تعمل الصناعات التحويلية على خلق الوظائف وزيادة النمو. ومع هذا ففي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تسهم الصناعات التحويلية بأقل من 10% من النمو ذي القيمة المضافة، فيما تسهم الموارد الطبيعية بأكثر من 20% في المتوسط.  وبالمقارنة، يتضاءل هذا أمام نسبة مساهمة الصناعات التحويلية في النمو والتي تتراوح بين 15 و25 %، مقابل 10% للموارد الطبيعية في بلدان مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا.بالإضافة إلى نمو القطاع الخاص الموضح سلفا، فإن الصناعات التحويلية تتطلب اعتماد سعر صرف تنافسي والانفتاح على التجارة والاستثمار الأجنبي الذي يغيب عن الجانب الأكبر من المنطقة."

فيما يشدّد بعض الخبراء على ضرورة تفعيل المؤسسة الوطنية للاستخدام، وتنشيط قطاعات الانتاج، وتشجيع المصارف على تقديم العروض للشركات الصغيرة والمتوسّطة، فضلاً عن إعادة النظر في انظمة التعليم.