تختلف القيادة بأنواعها ومجالات عملها .. فمنهم من يُسهم في إزدهار بلادنا من خلال دوره الفعال في القطاع الخاص،ومنهم من يسعى بصورة يومية إلى تحقيق متطلبات الشعب وحاجاته من خلاله عمله في الشأن العام.

كما للقيادة صفات، أولها الإهتمام بشؤون الأفراد وحاجاتهم والسعي لتلبيتها.

أما جوهر القيادة فهو البحث في هذه المتطلبات عن الطاقات المتوفرة وبلورتها وتنميتها لتحقيق  مسيرة تنموية شاملة.

هذه هي دورة التطور التي لا تكمل دون أشخاص حريصين على متابعة هذه العملية اليومية.

شخصيتنا اليوم تُسلّط الضوء على قائد آمن بالإنسان بشكل حصري، فهو يعتبر أن تنمية الفرد تُشكّل نواة التقدم.

إنجازات عهده تختصر سمات شخصيته "المتعصّبة" لـ:الفكر، والثقافة والتمدن الحضاري.

لذا كان لابد لـ"الإقتصاد" من مقابلة هذه الشخصية النموذجية .. رئيس بليدية سن الفيل نبيل كحالة الذي شاركنا محطات حياته الأكاديمية والعملية.

-ما هي أبرز الدوافع التي جعلتك تخوض عالم الشأن العام بمصاعبه ومسؤولياته اللامتناهية؟

حصلت على بكالوريوس في التجارة العامة وكنت من القلّة الحاصلين على شهادة باللغة الإنكليزية آنذاك.

من بعدها توظفت في البنك البريطاني أو ما يُعرف اليوم بـ"HSBC" إلى أن إندلعت الحرب اللبنانية وتغيّر مسار حياتي رأساً على عقب.

عندها شعرت بالمسؤولية تجاه من حولي، فكل الأطراف المتناحرة كانت مُسلحة، ولا نبالغ عندما نقول إن الوضع عُرف بالفلتان الأمني التام وغياب دور الدولة. لذا وكغيري من اللبنانيين عزمت على المدافعة عن أهلي ومنطقتي، ومن هنا بدأت مسيرتي الخدماتية إذ قررت أن أقدم الخدمات للمواطنين، وحتى يومنا هذا لم أتنحَ عن هذه الرسالة التي حملتها معي من أيام شبابي.

-إستلامك لمنصب رئاسة بلدية سن الفيل جاء بعد أعوام من العمل الإجتماعي والميداني، هل لك أن تشرح لنا أكثر عن هذه المرحلة؟

بالطبع أنا لم أبدأ مسيرتي كرئيس بلدية فهذا المنصب كان نتاجاً لأعوام من العمل الخدماتي. بدأنا بتنظيف شوارعنا بأنفسنا، وهذا ما نفتخر به.

بعد فترة من الزمن أسست مستوصفاً كان ولا يزال فعّالاً وضرورياً خاصة أيام الحرب.

بعد الحرب اللبنانية ترشحت إلى أول إنتخابات بلدية التي حصلت في العام 1998، وتم إنتخابي لأربع ولايات على التوالي.

بقيت ملتزماً بالقيم التي بُنيت عليها مسيرتي وأهمها التواصل المباشر مع الناس،ومراعاة احتياجاتهم، والسعي لتلبيتها قدر المستطاع.

-نلاحظ أن بلدية سن الفيل تتميز عن غيرها بالعديد من الإهتمامات والتوجهات لا سيما الثقافية منها، كيف أسهمت في بناء هذه النقلة النوعية التي شهدتها البلدية؟ وهل لجأتم لوضع خطط تنموية طويلة الأمد مختلفة عن غيركم؟

برأيي، الفضل الأكبر يعود للتجانس في المجالس، فعندما يكون هناك إجماع على ضرورة تأسيس مسيرة التنموية للبلدية مبنية على الفكر والتطلعات المستقبلية تتمكن أي البلدية من تحقيق أهدافها المتراكمة عاماً بعد عام.

فعمل البلدية لا يقتصر على الطرقات والصرف الصحي فحسب، بل نحن مسؤولون عن كل الأفراد، وبالتالي نُحضّر أنفسنا من خلال خططنا لللامركزية الإدارية التي تُناقش حاليّاً، والتي من خلالها ستكون كل بلدية مسؤولة عن نفسها.

هدفي على الصعيد الشخصي محصور بالإنسان، بالفكر، بالصحة، والثقافة، والمسرح والعمل الإجتماعي الذي نولي له إهتماماً كبيراً.

وهنا تختلف نظرة الأفراد للبلدية، فمنهم من يرى البلدية من منظور الشق التنفيذي فقط (الصرف الصحي، الطرقات، الأرصفة وغيرها)، ونحن نعتبر أن هذه الأمور تندرج تحت قائمة البديهيات إنما من واجبنا أيضاً أن نُنمي الموارد البشرية لأفراد بلديتنا، الشق الإنساني له مرتبة عُليا بالنسبة لنا لأن الإنسان هو مصدر التطور والنهوض وتنميته واجبة.

-برأيك الخبرة الميدانية تفوق أهمية عن الشهادة الجامعية؟

لا شك أنه يجب أن يكون للإنسان قاعدة ونقطة بداية ينطلق منها تُجسد حجر الأساس، إلا أن الخبرة المكتسبة لها الفضل الأكبر والتي تأتي بالممارسة والمثابرة.

عملنا على الأرض ومع الأفراد خلال الأعوام الخمسة والثلاثين الماضية، هذه الخبرة لم تأتِ بين ليلة وضحاها، وما نعلمه اليوم لم نكن ندركه العام الماضي أو حتى يوم أمس، فكل يوم يحمل معه فرصة جديدة لاكتساب الخبرات على أنواعها.

-أنتم على تواصل دائم مع الموظفين والمواطنين، من خلال خبرتك ماذا يُميز الشخص الطموح والرؤية عن ذويه؟

لا يمكننا أن نعتبرها معادلة ثابتة، فعادة ما تكون نابعة من شخصية الفرد، وأحياناً تأتي عبر الخبرة المتراكمة عبر الأعوام.

فعلى سبيل المثال، سعينا خلال عملنا في البلدية إلى توظيف خريجي جامعات بالإضافة إلى الموظفين المخضرمين، وتختلف إمكانيات الفئتين وطموحهما.

فالموظفون القدامى كانوا ولا يزالون يقدمون الكثير للبلدية، ويقومون بمهامهم على أكمل وجه ولكن عادة ما نلاحظ روح الإندفاع والمبادرة في كل جيل صاعد.

-من خلال خبرتك الطويلة، ما هي نصيحتك لشباب هذا الجيل؟

أنصح كل من ينوي العمل في الشأن العام، أن يُحب هذا المجال، لأن من لا يحب عمله لا ينجح فيه.

قد يتقدم أي شاب لمنصب رئاسة بلديته لأن والده كان رئيساً للبلدية ولكن الأمور لا تأتي بهذه الطريقة، إذا ما نبع حب العطاء من قلب هذا الشخص لا يترك أي بصمة فيقلوب المواطنين أو أي أثر ملموس في بلداتهم.. وسيكون مروره كما يُقال :"مرور الكرام."

من يعمل بالشأن العام عليه أن يُحب الناس، وأن يكون على تواصل مباشر معهم.

رئاسة البلدية لم تُبتكر "للواجهة" بل هي أكثر من بصمة عليه أن يحفرها في عهده المليء بالمسؤوليات.