إشتهر لبنان منذ القدم بأعماله الفنية الراقية التي رافقت مسيرته وجعلته يرتقي إلى أعلى المراتب محلياً وعالمياً على صعيد الإبداع والإبتكار.

ويشتهر الفنان اللبناني بأنامله السحرية التي يضفيها على أعماله من خلال الرسومات واللوحات التي يقوم بها ويسوّقها عبر إقامة المعارض في المتاحف والمعارض التي تنتشر على مساحة الوطن.

وإذا دخلنا إلى سوق اللوحات الفنية، نجد أن اللبناني ملم بها ويحب أن يقتنيها بالرغم من وجود أزمات إقتصادية وسياسية أثّرت على بلده.

وحول هذا الموضوع، إلتقى موقع "الإقتصاد" أصحاب أربع معارض في لبنان حيث أجمع الكل على أن وضع هذا السوق مقبول رغم كل الظروف.

إعتبرت صاحبة "غاليري أليس مغبغب" في بيروت، أليس مغبغب، أن سوق بيع اللوحات الفنية في لبنان نشط،إلا أنه شهد تراجعاُ منذ سنة تقريباً، لأن الناس تتريث بعض الشيء بسبب وجود أزمة إقتصادية حول سوق الفن. وأشارت إلى أن هناك خلل في هذا السوق من خلال وضع أسعار غير صحيحة، مضيفةً أن العمل في دول الخليج خلال السنوات الماضية أسهم في رفع الأسعار علماً أن سوق الخليج يتكل على عدد قليل من الأشخاص الذين يشترون اللوحات وتحديداً من خلال أهوائهم ولا يمكن أن نفهم لماذا يرفضون شراء هذه اللوحة ويشترون تلك، وأن سوق اللوحات في الخليج غير مستقر.

وأضافت أن هناك إرادة جدية من بعض المؤسسات القليلة لتنشيط هذا المجال؛إلا أن ما حصل في بعض الدور الكبرى مثل "كريستيز" و"سوتبيز" والمعارض الفنية الكبرى أدت إلى عدم استقرار في أسعار اللوحات الفنية، كاشفةً أن ما يعاني منه الزبائن هو الضياع التام في هذه السوق، وأن من يشتري عملاً فنياً في كل دول العالم يسعى إلى الفرح في حياته، وكل من يقول إن العمل الفني هو استثمار فهذا مجرد كلام رغم وجود بعض الأمور الصحيحة فيه، مشددةً على أن ما يجعل العمل الفني جدياً هو عامل الوقت، وعملية الأبحاث التي تجري حوله وهذا ما يفتقده لبنان.

الأولوية هي لتوصيل الرسالة المبتغاة، ومن ثم تأتي عملية البيع والشراء

وحول تكلفة إقامة معارض اللوحات الفنية في الغاليري، قالت مغبغب إنها تقيم معارضَ تمتد بين ستة أسابيع وثمانيةأسابيع بشكل عام،مضيفة أن التكلفة تأتي بحسب الفنان والمعرض كما تأتي الكلفة عند الشحن والجمارك أو إذا قامت بشراء المعرض كله أو جزء منه.

ونفت أن يكون عملها تجارياً، معتبرة أن هناك إبداعاً وفناناً يحاول أن يوصل رسالته من خلال رسومه إلى الجمهور، مضيفةً  أن الأولوية هي لتوصيل الرسالة المبتغاة، ومن ثم تأتي عملية البيع والشراء.

وأشارت إلى أن مجموعة كبيرة من اللوحات الفنية تبقى موجودة على مدار السنة حيث يمكن للزبون أن يختار ما يرغب منها لشرائها.

كما لفتت إلى أن الغاليري الذي تمتلكه هو عبارة عن منظومة عمل كاملة من خلال وجود موظفين يعملون فيه، وأنه يكفيها من الناحية المادية دون اضطرارها للجوء إلى عمل آخر.

وحول ما يحتاجه سوق اللوحات الفنية في لبنان، أشارت إلى أنه بحاجة إلى الجمهور الجدي الذي يتابع الفن بشكل أكبر على مدار السنة، وخاصة الذين يعرفون قيمة الفن،إذ إن هذا الأخير يقوم بتغيير نظرة الإنسان إلى الحياة.

وأكدت أن لهذا القطاع مستقبل كبير في لبنان خاصة أنه أصبح هناك اهتمام جدي بالمتاحف وبجمع الأعمال الفنية،إلا أنه يجب العودة إلى الطبقة التي تصنع الفنان والسوق،أي إلى الأسعار التي تسمح للناس بأن تشتري هذه الاعمال بسهولة،مضيفة أنه على الفن ألا يكون منتجاً فاخراً كما حولته الموضة في السنوات الأخيرة.

بدورها، أشارت صاحبة "غاليري جانين ربيز" في الروشة نادين بكداش إلى أن سوق اللوحات الفنية في لبنان جيد، والدليل على ذلك هو إقامة المعارض الفنية بشكل دائم،مضيفةً أن هناك أشخاص يحبون شراء اللوحات الفنية ومتابعة أعمال الفنانين، ومطالعة الفن، لافتة إلى أن حركة البيع تنشط عندما تكون حركة الأسواق جيدة بشكل كثيف، كما في أيام التراجع تستمر هذه الحركة لأن الجمهور مثقف ويعرف كيف يختار لوحاته.

وأضافت بكداش أن هناك إقبال على شراء اللوحات الفنية، ولكن ليس بشكل كبير، كاشفة أن تكلفة إقامة المعارض الفنية مرتفعة وذلك بحسب رغبة الفنان، فإذا اختار بأن ينفذ "كاتالوغ"، على سبيل المثال، تصبح التكلفة مرتفعة، وإذا اختار تصميم بطاقات دعوة،  تصبح التكلفة مرتفعة أكثر،  أما إذا أراد أن يرسل دعوات عبر البريد الألكتروني فتكون التكلفة ، في هذه الحال، منخفضة.

سوق اللوحات الفنية في لبنان مربحة

وكشفت أن في لبنان قوانين مسنونةُ  ضد الفن خاصة فيما يتعلق بدعوة أي فنان من الخارج، بحيث يتوجب على الغاليري أن يدفع عنه رسوم جمركية وضريبة على القيمة المضافة قبل أن يصل وأعماله إلى بيروت وكأن الأمر يتمثّل بشراء اللوحات قبل وصولها، معتبرةً أن هناك صعوبة كبيرة في موضوع  دعوة الفنانين الأجانب أو اللبنانيين من الخارج مع أعمالهم وإعادة خروجهم من جديد، وذلك في الوقت الذي تدخل الأعمال الفنية إلى الولايات المتحدة الأميركية بشكل مجاني ودون دفع أي رسوم جمركية، وفي أوروبا يتم دفع ضريبة على القيمة المضافة بنسبة 5%. إلا أن الوضع يختلف في لبنان بسبب القوانين المجحفة بحق الفنان بسبب الرسوم المرتفعة التي يتكبدها الغاليري.

وأشارت إلى أن سوق اللوحات الفنية في لبنان مربحة على الصعيدين المعنوي والمادي، خاصة أن الغاليري يستطيع أن يتولى المصاريف فيعتبر أن هذا الأمر مربح له من خلال مساعدة الفنانين وتعريفهم على لبنان وإرسالهم الفنان إلى الخارج، كاشفة أن الفنان زاد الملتقى الذي يعمل مع غاليري "جانين ربيز" سيمثل لبنان في Pavillonlibanais في Biénal de Venise وهو من أهم المعارض التي تجري كل سنتين.

وأكّدت أنها لا تملك عملاً أخر إلى جانب عمل الغاليري، مشيرة إلى أن بيع اللوحات الفنية يكفيها لعيش حياة كريمة.

وتابعت أن هذا المجال، لكي يستمر، يحتاج إلى تطور مهم في البلد وخاصة على الصعيد الثقافي بالنسبة للمدارس والجامعات،إضافة إلى تطور ثقافي بالنسبة للحكام،خاصة أن هناك أقلية مثقفة بين الوزراء والنواب اللبنانيين،مضيفة أن في أوروبا لا يمكن إيجاد وزير لم يكتب ثلاثة كتب على الأقل أو حاصل على شهادات عالية من الجامعات،خاصة أنهم يقومون بالمطالعة وباجراء الأبحاث بشكل دائم وعلى المسؤول اللبناني أن يعي مدى أهمية الفن في بلده، خاصة من الناحية المادية، فدبي عملت مع دار كريستيز على جلب الأموال بشكل كبير إليها، وتقوم سياحة معظم الدول على الفن والإبداعالتي من خلالها تدخل الأموال إليها بكثرة،مشددة على أن لبنان يمتلك ثقافة كبيرة وقديمة جداً عبر التاريخ يجب العمل عليها أكثر ليزدهر لبنان. وختمت أن هناك مستقبل كبير لهذا المجال في لبنان من خلال التطور.

من جهته،  إعتبر صاحب "غاليري زمان" في الحمرا د. موسى قبيسي أن واقع سوق اللوحات الفنية في لبنان مقبل على تقدم، حيث إن في سبيعنات القرن الماضي كان يفوق عدد هواة جمع اللوحات الفنية في بيروت وحدها أكثر من أربعة آلاف شخص، وبالتالي فإن العاصمة اللبنانية كانت في المرتبة الأولى ليس فقط في العالم العربي،بل بين الدول المتقدمة عالمياً، إلا أن الوضع الحالي تبدل ولم يعد هؤلاء الهواة أو ابناؤهم موجودون في بيروت بل انتقلوا للعيش في أميركا وأوروبا وغيرها.

سوق اللوحات مثل بورصة مخفية

أضاف د. قبيسي أن هناك اتجاه جديد من الشباب اليافع الذي يعمل في البورصة والأموال والإقتصاد والذي يعرف ماذا يجري في العالم حول الفن التشكيلي، معتبراً أن هذه الأخيرة هي بورصة مخفية لا يعلمها إلا العالمون، وخاصة أنهم يملكون المال مشيراً إلى انهم، وبسبب "ويكيبيديا" و"غوغل" وغيرهما، باتوا يمتلكون معلومات كاملة ولا تنقصهم الثقافة ولديهم الجرأة، وأردف أن السوق على المدى المنظور ممتازة.

ولفت إلى أن اقامة المعارض الفنية ليس الهدف منها تجارياً بشكل مباشر، بل هو استثماري وتوظيف لأن المعارض الفردية للفنان هي وسيلة لزيادة قيمته في السوق،مضيفا أن عدد المعارض هي التي تحدد سعر لوحة الفنان وبالتالي فهو استثماري من قبل الفنان ومن قبل قاعة العرض،كاشفاً أن قيمة المعرض يمكن أن تبدأ بألف وخمس مئة دولار ليصل إلى خمسة عشر ألف دولار.

وأشار إلى أن هذه المهنة يجب ألا يحتاجها صاحبها وإلا لن يربح، ويجب ألا يكون بحاجة إليها لتأمين قوته اليومي، بل يجب أن يجد طريقة معينة يقوم بذلك من خلالها،مضيفاً أنه يعيش من خلال تصنيع البراويز والكادرات وأنه لا ينتظر أن يبيع لوحة واحدة، بل إن البيع يأتي كقالب حلوى للغاليري، وقيمة إضافية وأحيانا يجني ربحاً يسيراً من خلال بيع اللوحة الواحدة. وشدد أن الربح الفعلي في قاعة زمان هي مقتنيات الغاليري وليس ما تبيعه شهرياً.

وقال إن القطاع لا يحتاج إلى أي شيء إضافي في الوقت الحالي لأن هناك عدد كبير من الغاليريهات التي تفتتح أبوابها إضافة إلى عدد الهواة من جامعي اللوحات ليس بقليل معتبراً أن لبنان مركز استقطاب للبنانيين وللفنانين السوريين والعراقيين، وأن بيروت ليست محطة يمكن تجاوزها خاصة في العالم الثقافي التشكيلي، وأن الإتجاه لهذا القطاع هو مقبول.

وأكد أن اللوحة الفنية هي أفضل استثمار من الأرض وما يقوله يعتمده إذا أشار إلى أمواله مستثمرة في اللوحات.

وعن مستقبل السوق، لفت إلى أنه مزدهر ومتقدم مثل باقي دول العالم.

من جهتها أشارت كريستيان غسطين من "غاليري أكزود" في الأشرفية إلى أنه كما هو جلي وواضح على إثر مراقبة الحركة الفنية الناشطة إلى جانب كثرة الإقبال والإرتياد للأنشطة الفنية ومتابعة المعارض التشكيلية على وجه التحديد، يمكننا أن نستخلص إن الحالة أكتر من مقبولة، لا بل حسنة.

الأسعار أكثر من مقبولة ومدروسة

وأضافت أن هذه الحركة تبشر بإزدياد الإهتمام بالدرجة الأولى: إن من حيث المتابعة الثقافية أو بغاية الإقتناء.

ولفتت الى انه، وعلى مر الوقت، تكوّنت فكرة أن إقتناء اللوحات هو مقتصر على الطبقة الثرية ولكن وعلى عقب إرتياد المعارض الفنية، تبين أن الأسعار أكثر من مقبولة ومدروسة وتتناسب مع مروحة مهمة من الناس

وقالت إنه، من حيث التكلفة، فهي تتفاوت بحسب كل معرض وهي مرتبطة بمكان إقامتها كما بالخدمات المرتبطة بها. لكن أجملها يبقى في بساطتها، مؤكدة أن إقامة المعارض الفنية غير مربح مادياً في حد ذاته.

المعارض تتكل أولاً واخيراً على قدرة التسويق وبالتالي السعي إلى إقتناء اللوحات.

ولفتت إلى أن اتكالها الأول والأساسي هو على إقامة المعارض وتنظيمهاوذلك بشكل تأمله منتظماً لجعل إرتياد المعارض فعلا يشكل عادة محببة لروادها.

وتابعت،أن التنوع في المعارض يهدف إلى مساعدة كل من اعتاد على إرتيادها في إيجاد مطلبه من حيث الذوق في المرحلة الأولى على أن يعطي فرصة لكل ماهو جديد بالنسبة له أملا بأن يرى ما يناسبه بحيث يقتني عمل الفنان أو الفنانة.  

وأضافت أن ما يرافق بيع اللوحات هو اللجوء لتسويق وبيع الأعمال الحرفية، وإقامة ورش عمل فنية، موضحةً أنها تكتفي وتتكل على الغاليري من خلال التفرغ الكامل لتسويق الأعمال الفنية والحرفية وجعل الصالة والمعارض ساحة لقاء بين الفنانين من جهة والمهتمين من جهة أخرى.