بدأت دول الاتحاد الأوربي بتنفيذ حظر على صادرات ​النفط الإيراني​ بداية شهر تموز الماضي، وذلك على الرغم من المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها منطقة اليورو بسبب أزمة الديون السيادية التي تعصف بعدد من الدول فيها، وجاء قرار الحظر بعد الإخفاق في تحقيق أي تقدم بشأن برنامج إيران النووي، الأمر الذي جعل دول الاتحاد تُدخل القرار المتفق عليه في كانون الثاني الماضي حيز التنفيذ لزيادة الضغوط على إيران.

وكانت منظمة الطاقة العالمية قد أعلنت بأنها تتوقع أن يكلف الإنتاج الضائع إيران نحو ثمانية مليارات دولار على شكل عائدات ضائعة كل ثلاثة أشهر، ولا سيما بعد أن خفضت كثير من الدول وارداتها من النفط الإيراني، وأبرزها الصين والهند بالإضافة إلى كوريا الجنوبية. لكن، وعلى الرغم من ذلك أعلن مدير الشؤون الدولية في شركة النفط الوطنية الإيرانية محمد علي خطيبي أن صادرات النفط الإيراني عند مستوياتها المعتادة ولم تتأثر بالعقوبات الغربية، وأضاف أنه لم يتم ملاحظة أي شيء غير طبيعي وأن كل شيء تقريبا يسير بالشكل المعتاد، ولم يذكر أي أرقام لمستوى صادرات النفط الحالية.

لكن الواقع يقول غير ذلك، إذ بعد سريان العقوبات، أوقفت العديد من الدول تعاملها مع إيران، أو على الأقل خفّضت وارداتها منها، فعلى سبيل المثال، تراجعت واردات الصين من النفط الخام الإيراني بنسبة 28% في تموز الماضي فقط، وما يشير حقاً إلى تأثر إيران بهذه العقوبات هو سعيها الحثيث للالتفاف على هذه العقوبات، وبشكل خاص بعد أن تراجعت صادراتها من الخام بنسبة 50% على الأقل، ولينخفض الإنتاج إلى أدنى مستوى له منذ انتهاء الحرب بين إيران والعراق قبل عشرين عاماً.

بدايةً، هددت الحكومة الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، ليعلن النائب جواد كريمي أن أكثر من نصف أعضاء البرلمان أيدوا مشروع قانون يهدد بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط رداً على العقوبات الأوروبية، إلا أن البرلمان لا يملك أية سلطة في السياسة الدفاعية والخارجية إذ يرجع القول الفصل للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، لكن، هذه الخطوة لم تأتِ بنتيجة، وخاصةً أن إيران هددت بإغلاق المضيق أكثر من مرة على مر العقود الماضية دون أن تنفذ تهديدها أبداً.

وكانت إيران قد أنزلت منذ تموز الماضي علمها، وكذلك أعلام مالطا وقبرص، واستبدلت بها أعلام تنزانيا وتوفالو، إلا أن كلتا الدولتين أعلنتا، تحت ضغط من واشنطن وبروكسل، أنهما ستلغيان تسجيل السفن التي تمتلكها الشركة الوطنية الإيرانية للناقلات، دافعة بذلك إيران إلى البحث عن بديل.

وبالتزامن مع تضييق الخناق على النظام الإيراني عن طريق فتح تحقيقات مع مؤسسات مالية كبرى لتعاملات مشبوهة بينها وبين ظهران، ومن أهمها "دويتشه بنك" و "ستاندرد تشارترد" و"رويال بانك أوف سكوتلاند"، برزت طرق أخرى لفك هذا الحصار من أبرزها التحالف الاستراتيجي بين النظامين السوري والإيراني وتبادل المنتجات النفطية بينهما، فضلاً عن بروز تركيا كممر تجاري لإيران لإمدادها بأغلب احتياجاتها من الصلب، إذ أن البنوك التركية ما زالت من بين البنوك القليلة المستعدة لترتيب تمويل لنشاطات إيران التجارية.

لكن، إذا ما أردنا معرفة مدى تأثير هذه العقوبات على ​الاقتصاد الإيراني​، فما علينا إلا أن ننظر إلى القوة الشرائية للعملة المحلية، فقد انخفضت قيمة ​الريال الإيراني​ مقابل العملات الأجنبية في سوق طهران بشكل كبير، فسعت الحكومة لتلافي ذلك بمحاولة تطبيق نظام للصرف الأجنبي بثلاثة مستويات لشراء مختلف فئات الواردات، وذلك في علامة على أن احتاطياتها من العملة الصعبة تتعرض لضغوط جراء العقوبات. إلا أن ذلك لم يجدِ نفعاً، ليتم تداول ​الدولار الأميركي​ مقابل 21700 ريال في السادس من آب الماضي مقارنة بـ 19200 ريال قبلها بعشرة ايام، كما تم تداول اليورو مقابل 26900 ريال فيما تراوح الرقم حول 24000 في 27 تموز، وتعد هذه القيمة الأدنى منذ بدء العام الإيراني الجديد في 20 آذار، وجاء هذا التراجع عقب إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن عقوبات إضافية ضد قطاعي الطاقة و البتروكيماويات.

ومؤخراً، انتقد عدد نت أعضاء البرلمان الإيراني سياسات الرئيس محمود أحمدي نجاد كما حثت البنك المركزي الإيراني على التدخل في سوق العملة لدعم الريال الذي سجل أدنى مستوياته غلى الإطلاق في السوق المفتوحة يوم الإثنين الماضي عند 25650 ريال مقابل الدولار الأميركي، وهو نصف قيمته قبل عام، ما يسارع في وتيرة ارتفاع معدل التضخم ويدفع برؤوس الأموال إلى الهروب من البلاد، إضافة إلى مزيد من الانقسامات السياسية داخل البلاد، كما اتهم معارضو الرئيس حكومته بالتباطؤ في حل المشكلة مما جعلها تتفاقم بشكل كبير.

إن الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني عموماً، وقيمة العملة المحلية خصوصاً، قد أظهرت فوضى عارمة في السياسات الاقتصادية والنقدية الإيرانية، مما يوحي بعجز الحكومة عن اتخاذ القرارات المناسبة بسبب هذا الارتباك، مما يوحي بأن إيران قد تواجه انهياراً اقتصادياً عمّا قريب في حال استمرت الأمور بهذه الصورة، بشكل مغاير تماماً لتصريحات السياسيين والاقتصاديين الإيرانيين الذين يبدون منفصلين عن الواقع تماماً.