تُطل علينا السنة الجديدة مع بوادر مُبشّرة ، فبعد أعوام من الفراغ الرئاسي نفتتح عامنا الجديد مع رئيس للجمهورية ووزارات جديدة تنموية كانت أم تخطيطة. وعلى صعيد الإقتصاد "عادت إلينا الروح" عندما علمنا عن إستعداد لبنان لإستقبال 7000 مغترب في فترة الأعياد.

وعندما نقول عيد رأس السنة مباشرة يخطر في بالنا الحركة التجارية، الزحمة، الإزدهار والعيد الوحيد الجامع بين كل الطوائف والمناطق..

رغم "وحدة" هذا العيد بين جميع الفئات؛ إلا أن الحركة التجارية في الأسواق كانت"منقسمة"، فمن "يَتّمَ" تجار الأسواق الشعبية من فرحة "الإنفراج السنوي"؟ وما هي الأسباب في ظل كل البوادر الإيجابية المطروحة مؤخراً؟

زيارة "الإقتصاد" إلى بعض الأسواق الشعبية في بيروت حملت معها "صرخة التجار" المتسآئلين عن زحمة العيد التي باتت تتراجع عاماً بعد عام.

تجار سوق عفيف الطيبة: معاناتنا مع المبيعات لا تقتصر على موسم الأعياد فقط.. فالعام بأسره أخذ منحى تراجعياً

كانت البداية من سوق عفيف الطيبة الكائن في منطقة الطريق الجديدة بالقرب من منطقة "الكولا"، تصنّف هذه المنطقة بـ"الحيوية" نظراً للإكتظاظ السكاني الكثيف فيها، فهي تضم مستشفى، وجامعة و مدارس عدة، ومحال تجارية للبيع بالتجزئة وبالجملة.

تصف الموظفة العاملة في محال للألبسة الولادي، النسائي والرجالي الحركة بـ"الخفيفة" وتقول:" الحركة تخف تدريجياً عاماً بعد عام، رغم أننا نقوم بالعديد من العروضات وجوائز القرعة التي تجذب الزبائن." وكشفت أن هذا العام بأسره أخذ منحى تراجعيّاً من حيث حركة المبيعات، فتقول:" على سبيل المثال نعتمد في هذا السوق بشكل خاص على شهر رمضان، لأن زبائننا من المناطق المجاورة تولِي أهمية كُبرى لعيد الفطر وعادة ما نشهد حركة كثيفة في الأسبوعيين الأخيرين من شهر نفسه ولكن هذا العام إنحصرت الحركة على اليومين الأخيرين قبل العيد مباشرة!".

وفي متجر آخر لبيع الألبسة الرجالية، في الشارع نفسه الذي يقصده أبناء الطبقة المتوسطة أو ما دون بقدراتهم الشرائية المحدودة، يؤكد التاجر أن حركة المبيعات تراجعت بشكل "قياسي" خلال هذا العام ورفض أن يحدّد تراجع الحركة بإطار الربع الأخير من العام 2016، مستشهداً أيضاً بعيد الفطر الذي كان "كارثياً" بالنسبة لسوق يعتاش من أعياد الفطر، الأضحى ويوم رأس السنة.  ويقول :"في الماضي كنا نشهد حركة كثيفة تبدأ قبل العيد بعشرين يوماً، أما حالياً فالحركة محصورة فقط على الأسبوع الأخير".

وأَمِلَ ان تتحسن الحركة في الأيام المُقبلة،  قائلاً :" لا أدري ماذا سيحلّ بنا بعد  10 أعوام إذا استمرينا بهذه الحركة التراجعية التي تتفشى كالسرطان عاماً بعد عام."  وأكّد أن السوق الشعبي لا يحتمل عروضات مغرية، فالأسعار في كل السوق متقاربة جداً والزبون يقصد هذه الأسواق معتمداً على أسعاره المقبولة نسبياً".

أما صاحب متجر الأحذية الرجالية في الشارع عينه فاستغرب حالة السوق في موسم الأعياد. لافتاً إلى أنها كانت أفضل قبل موسم العيد بنسبة متواضعة. وأضاف :"نشهد حركة تراجعية في الأسواق خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وأرجع السبب للأزمة الإقتصادية العالمية." وبيّن:" لا زلنا في بداية الموسم ونقوم بتخفيضات على البضائع الجديدة".

في الجوار متجر ضخم مكوّن من طبقات عدّة يحتوي على كل أصناف الأحذية والحقائب النسائية، يقول لنا الموظف :"بالنسبة لهذا الشّارع لا نتأثر كثيراً في هذا الموسم، لأن اعتمادنا الأكبر يكون على أعياد الفطر، والأضحى ورأس السنة." وكشف أن فرع المتجر الآخر في منطقة برج حمود ينعم بنسبة زبائن أكثر، وتوقّع أن تتحسن الحركة في الأيام الثلاثة الأخيرة من العام.

وبالنسبة لأحد الزبائن فأعتبر أن الأسعار مقبولة في منطقة الطريق الجديدة، وقال:"نضطر أحياناً إلى مناقشة السعر مع التجار لأن قدرتنا الشرائية لا تسمح لنا بالتبذير وفي نهاية المطاف، عادة ما يضطر التاجر إلى التخفيض لأن الحركة خفيفة على ما يبدو".

تجار سوق مار إلياس: بضائعنا تُزين المحال فقط.. أين المغتربون الذين بشّرونا بقدومهم العظيم!!

إنتقلت "الإقتصاد" من بعدها إلى سوق مار إلياس، هذا السوق الذي لطالما كان يعجّ بالمتسوقين والمحال التجارية على أنواعها. زحمة السير خانقة علّها تُبشر بحركة إيجابية .. ولكن توقعاتنا خابت فالمحال فارغة!! وللأسف اتضح أن زحمة السير كانت مقتصرة على موقع هذه السوق الرابط بين أكثر من منطقة حيوية.

ندخل إلى المتجر الأول .. الواجهة مُلفتة وغنية باللون الأحمر الذي يرمز إلى عيد الميلاد، إلا أن صاحبه ليس سعيداً كما توقعنا فيقول لـ"الإقتصاد" : "أعمل في هذه المهنة منذ خمسين عاماً لم يمر علينا موسما بهذا السوء!"

ويضيف :"عادة ما نعتمد على عيدي الميلاد ورأس السنة لتزامنهما مع بداية الموسم الشتوي إلا أن هذا العام فعلاً كان صعباً جداً علينا، وحتى الآن نحن مكبدون بخسائر فاحدة ...البضائع جديدة ولا تزال تُزين المتجر فقط!" وأكد :" ان العروض والحسومات دائما جارية ولكنها لم تعد تؤثر بالزبون لأن قدرته الشرائية تُنازع!"

وفي المقابل يُعبّر أحد الزبائن عن فرحه بالتخفيضات شارحاً أنه قلّص كمية الهدايا إلى "أقرب المقربين" فقط، ويقول:" من الطبيعي أن يشهد السوق حالة من التخفيضات على عكس قطاع الأغذية الذي ترتفع فيه الأسعار نظراً لزيادة الطلب".

نتابع مسيرتنا في الشارع المليء بالأضواء.. إنه الوقت المناسب للتسوّق .. فدوامات العمل والدراسة انتهت والأجواء غير ماطرة وتفصلنا أيام قليلة عن العيد .. رغم كل هذا .. أين الناس؟؟ أين الزبائن؟؟ أين أجواء الفرح ؟؟ وأين المغتربون الذين بشّرونا بقدومهم العظيم!!

خلال جولتنا وجدنا متجراً يعجّ بالزبائن.. فدخلنا  لنجد الرجل الخمسيني يحرق أسعاره ليبع أحد السيدات، فبعد مناقشات عدّة وتنازلات؛ عرض عليها الحصول على قطعة إضافية إذا إشترت قطعتين.. تُحارجه .. فتَحرجه .. فيقبل .. ولكنه غير مسرور.

ويقول لـ"الإقتصاد":"نحن نقوم بأقصى جهودنا ونتأمل أن تتحسن الأوضاع الإقتصادية والأمنية لنشهد حركة إيجابية تزدهر بوجود المغتربين والسياح، ولكن لا يمكنني أن أعتبر أن وضع السوق تحسّن بعد  تسمية الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية." وشدد :" لبنان من دون غريب لن يتمكن من تحقيق أرقام ربحية كفيلة بسداد ديونه!" وأضاف :" وصلنا لمرحلة نُحمّل الزبون بالبضائع التي تتماشى مع ميزانيته.. فلا مجال للضغط".

قد يحرم الكبار أنفسهم من هدايا العيد ولكنه من الصعب أن يحرموا أطفالهم معهم، لذا زرنا أحد متاجر الألعاب في سوق مار إلياس. البداية مُبشّرة المكان مليء بالأهالي. يقول صاحب المتجر:"  إعتمادنا السنوي يكون على هذا الشهر وحتى الآن الحركة جيدة، وبالنسبة لي حركة السوق هذا العام تشبه حركة العام الماضي." ويضيف :" كل التجار يشكون من حالة الركود لأن الجنسية الوحيدة التي تقصد السوق هي المحلية، لم نلاحظ وجود أي أجانب، إعتمادنا على السوق الداخلي، ولهذا السبب لم نعد نشهد إقبالاً ضخماً كالسنوات الماضية، والحل الوحيد يكمن بمراعاة التاجر للأسعار في ظلّ هذه الظروف الحالكة!".

وكما نعلم أن لحفلات الأعياد قيمة خاصة عند النساء.. ما يعني زيّ جديد "كامل متكامل" من "الألف إلى الياء"، في محل أحذية فخم يقول لنا الموظف:" الحركة في السوق قليلة جداً والناس يشكون من الأسعار رغم كل العروض التي نقدمها." ويتابع :" الزبائن كانت تشتري أكثر إلا أنها باتت تحدّ من خياراتها وتشتري الأساسيات فقط." وأمِلَ ان تتحسن الحركة في الأيام المقبلة قبل ليلة رأس السنة.

شارع الجاموس – الحدث: البضائع في متاجر الألبسة قاربت على النفاذ!

يختلف المشهد تماماً في شارع الجاموس الواقع في منطقة الحدث- الضاحية الجنوبية لبيروت، فالحركة كثيفة خاصة في عطلة نهاية الأسبوع، نرى العديد من المواطنين حاملين معهم أكياس الهدايا لأن الأسعار "متدنية جداً" بالنسبة لجولتنا كانت أسعار هذا السوق  الأوفر، وكان جامعاً بين كل الطوائف نظراً لموقعه الإستراتيجي وتزامن عيدي الميلاد والمولد النبوي في الشهر عينه.

تقول إحدى المارّات إنها عانت لتحصل على هدية صغيرة في ظلّ الإكتظاظ الكثيف في المتاجر.. وتضيف :" البضائع في متاجر الألبسة قاربت على النفاذ!"  ولكن رغم كل هذه الزحمة .. يتضمن هذا الشارع جنسية واحدة وهي الجنسية اللبنانية، وقلّة من الجاليات الأجنبية العاملة في لبنان.

ويصف التاجر الحركة بـ"الممتازة!" ويؤكد أن هذا السوق دائماً ينعم بإقبال كثيف نظراً لموقعه ولتنوع الخيارات فيه.

يتميز هذا السوق بنوعية متاجره التي لم نشهدها في أي سوق أخرى..فتقريباً كل البضائع في المتاجر تعرض الألبسة، والاحذية، والحقائب، والهدايا، والادوات المنزلية، وزينة الميلاد وكل ما يمكن أن يخطر في بال الزبون! لذا من الطبيعي أن يتوجه الزبون إلى السوق "الأوفر" والأكثر "تنوعاً" .

وضع الحركة في سوق فرن الشباك: أصوات أغاني الميلاد عالية .. و المتاجر كل يغني على ليلاه ..منفردة بشكواها

أما في شارع فرن الشباك فتعلو أصوات أغاني الميلاد، إلا أن المتاجر فكل يغنّي على ليلاه ..منفردة بشكواها.. فالحركة الشرائية شبه متوسطة. وبحسب التجار يلتزم الزبائن بميزانيات مدروسة جداً عند انتقاء هدايا العيد.

وتقول صاحبة متجر للإكسسوار والهدايا:إن السوق فقدت زحمة العيد منذ ثلاثة أعوام، وكشفت :"أن الزبون يكتفي بالأساسيات وبات يبحث جيداً عنها في كل الأسواق ليحصل على السعر الأنسب".

ويعتبر أحد الزبائن في متجر آخر للهدايا:" أن الأسعار مقبولة إلى حدٍ ما ، وأنه يشتري زينة العيد من هذا السوق سنويّاً لأن أسعاره مدروسة بالمقارنة مع أسواق أخرى".

أما السيدة العاملة في متجر الألبسة الولادي فوصفت الحركة بـ"الأقل من عادية، وقالت "هيدي مش عجقة عيد!"

سوق برج حمود: الزحمة خانقة .. وبعض المتاجر باتت ترفع أسعارها نسبياً

ولا يمكننا أن نقصد كل الأسواق الشعبية في بيروت دون التوجه إلى سوق برج حمود -"أراكس" – ولكن على من يقصد هذا السوق أن يتفرّغ نهاراً كاملاً نظراً للزحمة الخانقة وكثرة المتاجر.

وصفت إحدى الزبائن في متجر للذهب الأسعار بـ:" الجيدة، إلا أننا بتنا نشهد في بعض الأحيان أسعاراً مبالغاً بها بالنسبة لهذا السوق ."

وبحسب موظفة في محل للألعاب :"الإقبال كثيف .. فلا يمكن أن يمر العيد من دون هدايا، لذا حتى الآن وضعنا جيّد." ويتعارض صاحب متجر للألبسة الرجالي بالرأي مع الموظفة السابقة فيقول:" لم نشعر بعد بـ"رهجة" العيد." ويتابع :"قمنا بتخفيض أسعارنا إلى النصف ولم نصل حتى الآن إلى النتيجة المرجوة."

كل يحتفل بالعيد على طريقته.. لطالما كان العيد جامعاً ولطالما كان اللبناني يشتري هدايا العيد ببساطة إلا أنه وبحسب جولتنا يبدو أن حالة السوق في "إنفصام" عميق بين الأسواق الفاخرة جداً والشعبية جداً.. وهنا يكمن السؤال هل ان  :" الطبقة المتوسطة إلى زوال؟؟".