لم يكن يدرك الشقيقان "نيكولاي" و"بافل دروف" المناصران بشدة للحرّيات الشخصية ضد السياسات القمعية حين قاما ببرمجة تطبيق التراسل " تليغرام"  في العام 2013، أن يتم استعماله على أيدي الإرهابيين في أنحاء العالم، كان هدفهم منافسة تطبيقات مشابهة مخصصة للتواصل، لم يكن بحسبانهم أن يتحول "التلغرام" إلى التقنيّة الأفضل والأنسب للمجرمين والإرهابيين، على سبيل المثال كما حصل في  هجمات باريس الإرهابية، والهجمات المختلفة في الدول الأوروبية هذا عدا عن تواصل مسلحي "داعش" في لبنان وزملائهم في سوريا والعراق عبر هذا التطبيق حسب إفادات موقوفين لدى مخابرات الجيش اللبناني.

ولكي نغوص أكثر في هذه التقنية الحديثة أو التطبيق الذي بات يشق طريقه التقني مؤخراً، ولمعرفة المزيد عنه،حيث لا معلومات وردت حوله في أي وسيلة إعلامية محلية، لذا قام موقع "الإقتصاد" بمقابلة الخبير  التكنولوجي علي عميص ليشرح لنا أكثر عن هذا التطبيق، وعن الثُّغَرِ الأمنية التي تواجهه، بحيث لا يمكن لأي جهاز أمني عالمي إكتشاف كيفية تواصل الشبكات الإرهابية فيما بينها في حال كانوا يستخدمون "التلغرام".

يعرّف عميص "التلغرام"  بإختصار فيقول " هو عبارة عن تطبيق للتراسل الفوري، حر ومجاني، يتمتع بخصائص أمنية للتراسل غير متوفرة في أي من البرامج الأخرى، إذ يمكن للمستخدمين تبادل الرسائل بما فيها الصور والفيديوهات والوثائق بسرية تامة وبتشفير عالي الدقة لا يمكن خرقه بسهولة".

ويضيف: " أسسه الأخوان نيكولاي وبافل دروف في عام 2013 وجعلا من برلين مقراً له، بمعنى آخر تليغرام يقوم بوظائف برامج التراسل الأخرى نفسها مثل واتس آب، لاين، فايبر، لكن مع الكثير من الأمور الأخرى".

لماذا الـ "تليغرام " دون غيره من البرامج يستعملها الإرهابيون بحرية مطلقة، هو السؤال الذي يجيب عنه الخبير عميص بالقول " يتمتع تليغرام بنوعين من الدردشات منها الدردشات العادية والتي تستمد تشفيرها من الـ"سيرفر" مباشرة، والنوع الثاني هو الدردشات السرّية التي تُستخدم تشفيراً يُدعى الند للند، إذ تبقى الرسالة مشفرة إلى أن يتم قراءتها من الجهاز المرسلة إليه، يذكر أن التشفير المتبع هو نفسه المستخدم من طرف الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء ناسا، حتى أن مبرمجي تليغرام لا يستطيعون الوصول إلى تلك الرسائل،ولكي يزيدوا من الحماية قاموا بتفعيل خاصية التدمير الذاتي أي حذفها تلقائيا من كلا الجهازين بعد فترة معينة من قراءة الرسائل، ولكي يعطي الأخوان ثقة أكبر لبرنامجهما قاموا بوضع جائزة بآلاف الدولارات لأي شخص يستطيع كسر تشفير البرنامج.

قد يسأل البعض هل يستطيع "تليغرام" منافسة "فايسبوك" و"واتس أب" في المستقبل القريب؟ وأين ترتيبه وعدد مستخدميه حالياً في العالمين الغربي والعربي؟ يلفت عميص إلى أن  فريق عمل تليغرام أعلن  أن عدد مستخدميه وصل إلى أكثر من مئة مليون مستخدم نشط شهرياً يتبادلون أكثر من خمسة عشر مليار رسالة يومياً، وبحسب دراستنا ومتابعتنا كخبراء تقنيين مهتمين، هناك ثلاث مئة وخمسين ألف مستخدم جديد ينضم إلى الخدمة في كل يوم، وذلك مردّه إلى العديد من الميزات التي يوفرها التطبيق، منها:

(إمكانيةالوصول إلى الرسائل من  الأجهزة  المختلفة، إرسال الملفات الكبيرة  بلا  قيود، تليغرام مجانا  دائما، أسرع وأكثر أماناً، المحادثات السرية، القنوات).

مع كل تلك الميزات إلا أن "تليغرام"  لا تتوافر فيه  خاصية المكالمات الصوتية وعبر الفيديو ويقول المطورون أنهم يمكنهم في المستقبل إدخال تلك الخدمات متى أصبح الطلب كبيراً عليها.

ويضيف "وصل عدد مستخدمي  تليغرام في إيران إلى أكثر من ستة عشر مليون مستخدم، ما دفع سلطة البلاد إلى البدء بإجراءات لحظره، وكان أولها أن وافقت إدارة البرنامج على تعيين إيراني لديها من أجل حجب الصفحات غير الأخلاقية التي بدأ الإيرانيون باستخدامها عليه،وكانت الشركة قد أعلنت  أن طهران طلبت منها تزويدها بأجهزة للتجسس على محادثات مواطنيها".

وفي هذا الصدد يتابع عميص حديثه مع "الإقتصاد"،   أما على صعيد الدول العربية فليس هناك من إحصاء فعلي لعدد المستخدمين للبرنامج لكن المحطات الإخبارية بدأت بإستحداث حسابات لها عبر البرنامج لكي تصل إلى أكبر شريحة ممكنة من المتابعين، بالإضافة إلى الشركات الخاصة، والمواقع الصغيرة، وغيرها من هواة الدردشة نظراً لعدد المجموعات الكبيرة، والتحكم السهل بها بقيود أقل من باقي البرامج.

وفي سؤال حول عدم حجب الدول المهدَّدة بالإرهاب هذا التطبيق لحفظ أمن وسلامة بلادها، يجيب عميص "يقول أحدهم إذا منعنا كل التفاح من بلد معين لن يموت الناس جوعاً، أي أنه ليس البرنامج الوحيد الذي يمكن استعماله بسرية،حيثيوجد برامج أخرى يمكن استعمالها، حتى يمكن خلق نمط تشفير خاص يستعمل على أي منصة وأي برنامج تواصل، لكن إدارة البرنامج قامت بحذف العديد من حسابات داعش في الآونة الأخيرة، كما طالب مسؤولون في الدول الأوروبية بالحد من استعمال البرامج التي تعتمد على تشفيرٍعالٍ، ولكن حتى هذه اللحظة لا يمكن منع التواصل الآمن بين الإرهابيين نهائيا، لأن تطور قدرتهم على التواصل تكبر مع الحظر الكبير والمراقبة المستمرة على كل الإنترنت".

وبعيداً من المجال الأمني لهذا التطبيق، الجدير ذكره حسب عميص أن "تلغرام" لا تسعى إلى الربح المادي لذا تختلف عن "فايسبوك" و"انستغرام" وغيرها من التطبيقات الشعبية كونها لا تقبل بوضع إعلانات لشركات أو ماركات معروفة على صفحتها،  وفي حال لاحظت  إدارة "التلغرام" أن أحد المستخدمين قام بنشر إعلانات أو حاول الترويج لمنتج أو أي شيء، إن كان بغية الربح أو غيره، تقوم بحذفه على الفور وحظر رقمه كي لا يعود ثانية إلىلتطبيق.