ضمن إطار الفصل الرابع من النظام الداخلي لصندوق النقد الدولي، زارت بعثة من الصندوق مؤلفة من 5 خبراء إقتصاديين لبنان، وجالت على أطراف معنية بالشأن الإقتصادي بهدف التحقق من الأوضاع الإقتصادية على الأرض قبل تحضير مسودة التقرير السنوي حول الإقتصاد اللبناني في غضون شهر،ومن ثم إصدار التقرير المفصل نهاية العام الجاري.

وكان نائب رئيس الجامعة الأنطونية وعميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة د. جورج نعمة من ضمن الفعاليات التي إلتقاها الوفد.

"الإقتصاد" إلتقت د.نعمة عقب اجتماعه ببعثة صندوق النقد وسألته عن أجواء اللقاء، وعن رؤية الصندوق للأوضاع الإقتصادية في لبنان .. وماذا قال نعمة بدوره لوفد الصندوق ؟ وكيف وصّف الوضع الراهن؟

- كيف تصف أجواء إجتماعك مع وفد صندوق النقد الدولي ؟ وما هي نظرتهم عن لبنان ؟

زيارة الـ "IMF" جاءت ضمن إطار الفصل الرابع من النظام الداخلي لصندوق النقد الدولي، حيث يرسل الصندوق بعثة كل عام إلى كل الدول الأعضاء في الصندوق كي تتحقق من الوضع على الأرض ولا يكتفون فقط بدراسة المؤشرات الماكروإقتصادية علميا.

بهذه الطريقة تكون اللجنة على الأرض وتلتقي بكل الفعاليات (المصرف المركزي، وزارة المالية، رئاسة الحكومة، ممثلين عن القطاع العام والخاص، وخبراء إقتصاديين) .. ضمن هذا الإطار كان اللقاء مع الوفد الذي ضم 5 خبراء من صندوق النقد الدولي من واشنطن لفترة أسبوع، وتنتهي الزيارة  الثلاثاء (1/11/2016) .. وعلى أساس هذه الزيارة يكونون قد جمعوا كل المعلومات اللازمة ويعودون إلى الصندوق المكزي في واشنطن، حيث يقومون بتحضير مسودة التقرير السنوي خلال أسبوعين، وبعدها يتم الموافقة عليه من قبل مجلس إدارة الصندوق، وبعد بعد حوالي الشهر ونصف يصدر التقرير المفصل الذي يتم نشره في الإعلام.

خلال الإجتماع جرى تبادل للكثير من المعلومات والأحداث التي تحصل في لبنان، وانا شخصيا أعطيتهم رأيي بالوضع القائم، وتكلمنا عن المشاكل وإقترحنا عددا من الحلول.

من ناحية البعثة، فإن الخبراء كان رأيهم واضح .. فبالنسبة لهم يرون بأن لبنان في نهاية 2016 وبداية 2017 بنفس النظرة التي كانت موجودة في 2015، وهي النظرة التي كانت نوعا ما فيها تشاؤم .. فتقرير العام 2015 كان يحتوي على الكثر من السلبيات، وحذروا فيه من إنفلاش الدين العام وموضوع عجز الموازنة، وعلاقة الدولة بالمصارف التجارية والمصرف المركزي .. وقد وضعونا بالأجواء بأنهم حتى الأن لا يرون أي متغيرات إيجابية، إنما رأوا بأن هذه البيئة السلبية التي نعيشها اليوم تتزايد خلال الضغوطات، لذلك توقفوا عند ثلاث نقاط أساسية:

-النقطة الأولىتتعلق بموضوع إنفلاش الدين العام وموازنة الدولة .. حيث شددوا على خطورة هذه النقطة أكثر من العام الماضي، خاصة ان الدين العام يزيد بأكثر من 7% سنويا .. كما انهم يحذرون أيضا من موضوع تمويل الدين العام من قبل المصارف.

-النقطة الثانيةوهي أهم نقطة سيشددون عليها في تقريرهم كما عرفت... وهي البنى التحتية في لبنان وقدرة تحملها على إستيعاب المليون ونصف المليون نازح سوري .. فالصندوق يرى بأن البنى التحتية اللبنانية لن تستطع أن تتحمل هذا النزوح الكثيف من قبل السوريين .. فبرأيهم على الدولة اللبنانية أن تأخذ جديا بهذا الموضوع خاصة انه لا يمكن أن يحل بشهر أو بسنة، بل يجب أن يكون هناك خطة لخمس سنوات قادمة على الأقل لتطوير البنى التحتية .. ومن خلال دراستهم للموازنة رأوا بأن المبالغ الإستثمارية تشكل أقل من 1% من الناتج المحلي وهذا رقم فقير جدا .. وبرأيهم لكي يستطيع لبنان إستيعاب عبء النزوح من المفترض أن النفقات الإستثمارية تتراوح ما بين 5% كحد أدنى و8% كحد أقصى من الناتج المحلي الإجمالي. إذا المبلغ الذي يعطى اليوم للإستثمارات بالبنى التحتية هو 500 مليون دولار بينما يجب ان يكون مضاعفا بـ9 مرات بحسب إقتراح الصندوق.

-النقطة الثالثة(إيجابية)، حيث أن خبراء الصندوق يعولون كثيرا وبإيجابية على موضوع إنتخابات رئاسة الجمهورية، ويعتقدون أن إتمام هذا الإستحقاق، وتشكيل حكومة جديدة بسرعة وبدون تعطيل، وإجراء الإنتخابات النيابية في أول فصل الربيع، إضافة إلى تفعيل دور المؤسسات، سيكون بمثابة رافعة أساسية للإقتصاد الوطني على المدى القصير.

هذه النقاط الثلاث هي النقاط الأساسية التي ركز عليها الصندوق، إضافة إلى النقاط الأخرى التي تحدث عنها الصندوق سابقا.

*وكيف شخصت لهم الواقع أو كيف وصفته؟

حين  طلبوا مني إعطائهم تشخيصا عن الوضع على كافة الصعد .. وتبادلنا الأراء حول كل القطاعات، وتوقفنا أيضا عند عجز ميزان المدفوعات، حيث أن هذا العجز التراكمي الذي بلغ 10 مليار دولار من العام 2012 إلى اليوم لن يمكّن الدولة اللبنانية والبنك المركزي من حماية الليرة اللبنانية على المدى البعيد .. لذلك علينا القيام بخرق إيجابي وخلق صدمة إيجابية للإقتصاد.

وتحدثنا أيضا عن موضوع المصارف، حيث أعربوا عن ثقتهم العالية بالمصرف المركزي، وإعتبروه من أنجح المؤسسات اللبنانية، وهم يعتقدون ان المصرف المركزي سينجح بحماية الإستقرار النقدي على المدى القصير والبعيد.

في نهاية المطاف تكلمنا أيضا عن نقطتين أساسيتين:

النقطة الأولى:يجب أن تسبق بعض التدابير والممارسات التشريعات .. فموضوع مكافحة التهرب الضريبي مثلا يجب أن يفعّل قبل أن يصبح هناك تشريعات قوانين جديدة لزيادة الـTVA وغيرها .. فبحسب رأي الصندوق فإن مالية الدولة بحاجة لإيرادات إضافية وذلك من خلال تأمين ملاءة ضريبية مقبولة.

النقطة الثانية:يجب إقرار بعض القوانين قبل القيام بأي تدبير .. فبعثة صندوق النقد يهمهم كثيرا أن يتم في لبنان إقرار قانون المنافسة، فعمل الأسواق اليوم فيه خلل أساسي وهو عدم وجود المنافسة وإنتشار الإحتكار، لذلك يجب على الدولة اللبنانية إقرار قانون المنافسة.

كل هذه النقاط التي تحدثنا عنها ستشكل المحتوى الأساسي لتقرير صندوق النقد الدولي الذي سينشر في أول كانون الأول تقريبا.