أفاد تقرير العقارات اللبنانية الصادر من "بنك عودة" بتاريخ الخامس من تشرين الأول، أن السوق العقارية اللبنانية واصلت في الاَونة الأخيرة نشاطها البطيئ، فساحة المرونة تتأثر بالمشاحنات السياسية الداخلية والفراغ الرئاسي المستمر، في حين لاتزال الخريطة الإقليمية تتأثر بالقتال الدائر في سوريا.

ولهذه الأسباب نفسها فإن المستثمرين الأجانب (أي الذين هم من أصل غير لبناني) والذين كانوا عبارة عن المحرك الرئيس للنشاط في سنوات الإزدهار في النصف الثاني من العقد الماضي. ولا يزالون بعيدين عن العقار اللبناني أيضاً ، بعد أن تم نصحهم بعدم زيارة البلاد في المرة الأولى عند بداية الحرب في سوريا، وفي المرة الثانية في وقت سابق من هذا العام؛ عندما إندلعت التوترات بين لبنان والسعودية. وبعدما تبدد هذا العامل فإن من غير المرجح أن تعود الإستثمارات إلى الساحة العقارية حتى يتم التوصل إلى تسوية إقليمية بن المستثمرين الأجانب.

وكذلك، اللبنانيين غير المقيمين الذين واصلوا دعم عائلاتهم التي تعيش في الوطن، ويزورونه بانتظام، وفي بعض الأحيان مرات عدة في السنة، إمتنع معظمهم عن شراء العقارات. في الواقع، فإن الإستثمارات لاتزال نشطة في السوق من خلال التطلع والإستفسار، فهي أكثر تردداً عندما يتعلق الأمر بإغلاق الصفقة فهم غير مضطرين لجعل الشراء في ظروف غير مؤكدة.

ومن ثم المقيمين في لبنان الذين هم في مركز القيادة في الوقت الحاضر يبحثون عن منازل لتشكيل الأسر الجديدة وهم بحاجة إلى سكن. ولكن أحياناً ما يقوم بعض الشباب اللبنانيين المبتدئين بعمليات شراء إستثمارية اَمنة. فهم يفهمون جيداً دينامية العرض والطلب ويخططون للزواج في المستقبل فيقومون بالشراء خوفاً من ارتفاع الأسعار لاحقاً، أو هم يفكرون بإستغلال الفرص الضئيلة في الأوقات الصعبة ويجعلون الإستثمار طويل الأمد، وهذا ما يسمى باستثمار الشراء والإنتظار حتى تتحسن الأوضاع بشكل ملحوظ، مع علمهم بسعة مشتريات غالبية العقارات أو إعتزامهم على الشراء دون وجود نية للمضارابات.

ونتيجةً لذلك، استمر النشاط العام في السوق العقارية التجارية على وتيرة بطيئة نوعاً ما خلال الفترة التي يغطيها التقرير. فقد تراجع مجموع القيمة السوقية لمبيعات العقارات بنسبة 10.6% في العام 2015، قبل زيادة 4.9% من القاعدة المنخفضة نسبياً في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2016. وإذا ما أمعنا النظر في المبيعات الشهرية يتبين لنا أن ما بدا هو زخم إيجابي إلى حد ما في الأشهر القليلة الأولى من العام 2016. ولكنه تلاشى تدريجياً في أشهر الربيع والصيف، مع الظروف السائدة محلياً وإقليمياً والتي لها تأثير سلبي على معنويات المستثمرين. ومن الجدير ذكره أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، أخذت المبيعات حيزاً أكبر في الربع الرابع مع متوسط بنسبة ما يقارب 30% من المبيعات السنوية من 2008-2015.

في العام الماضي شهدت المناطق إنخفاضاً في حجم المبيعات حتّى دون إستثناء واحد ، ولكن حتى الاَن حافظت – فقط - المتن وكسروان والنبطية على زخم هبوطي خلال العام 2016 ، بينما كانت بيروت وبعبدا - التي تمثل مجتمعة 50% من إجمالي قيمة المبيعات - مسؤولة جزئياً عن مجمل الزيادة المعتدلة في 2016.

وتواجه معاملات البيع الواقع نفسه حيث انخفضت بنسبة 10.5% في العام الماضي، ثم ارتفعت بنسبة 2% في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2016 مع تباطؤ في الأشهر القليلة الماضية. مؤشر عدد معاملات البيع يبين إبتعاد الأجانب الذي شكل 26.6% على مدار العام.

تبرز ظروف السوق الحالية الفجوة الواسعة بين القدرة الشرائية للبنانيين، ومستوى أسعار العقارات في البلاد، وقد سعى المصرف المركزي لتوسيع المزيد من التدابير الرامية إلى دعم الطلب وحقن السوق ببعض الهواء النظيف.

في المقلب الاَخر أطلقت موجة من التدابير التحفيزية في العام 2015، وهذا العام من خلال إقراض البنوك بأسعار مخفّضة من أجل دفعهم إلى إعادة الإقراض إلى القطاع العقاري وغيره من القطاعات. على هذا النحو أصبح السكان الذين يحتاجون إلى منزل قادرين على شرائها عن طريق الحصول على قرض الإسكان وسد إحتياجاته التمويلية الناجمة عن التفاوت بين الدخل وأسعار الطلب. وقد ارتفعت قروض الإسكان في العام الماضي بنسبة 10.5% وفقاً لأحدث الأرقام المتاحة لتصل إلى 10.9 مليار دولار وتمثل ما يقارب من 18% من إجمالي القروض المستخدمة في القطاع المالي.

ولكن ما هي المواصفات التي يتجه نحوها المشتري ويزيد الطلب عليها؟ إنها ببساطة وطبقاً للظروف، هي الشقق السكنية الصغيرة التي يقدر المواطن على تحمل كلفة شرائها، ويتجه أغلبهم للسكن في مدينة بيروت ويمتد هذا الإتجاه ببطء نحو الضواحي القريبة.

دائماً ما يتم الهيمنه على السوق العقارية من المشترين لا المستأجرين، وإن تطور أسعار العقارات في البلاد على مدى العقدين الماضيين على شكل سلم تصاعدي يشجع على الإستثمار بدلا من مجرد تأجير الشقق دون جني الفوائد المالية في نهاية المطاف. ولكن أولئك الذين يبحثون عن إقامة مؤقتة في انتظار الإنتهاء من منازلهم، أو لأنهم من المغتربين الذين يعملون في لبنان لدى شركات متعددة الجنسيات أو الشركات الأجنبية، أو حتى اللبنانيين غير المقيمين الذين يأتون إلى لبنان مرات عدة في السنة، كلهم يتجهون نحو الإستئجار.

على إثر مجموعة من العوامل زادت إلى حد ما سوق الإيجارات في السنوات القليلة الماضية. العامل الأول هو لجوء السوريون إلى لبنان في ظل الحرب الدائرة في بلدهم، وهم يسعون إلى إيجاد مسكن قبل التقدم بطلب للحصول على الإقامة في بلدان أخرى، أو في انتظار حل النزاع السوري. العامل الثاني، هو تأخر مواعيد تسليم الشقق الجديدة ما دفع أصحاب المنازل للحصول على منزل مؤقت في مكان اَخر، وثالثاً، هو أن مستوى السعر لايزال مرتفعاً في البلاد، ما اضطر بعض اللبنانيين للإستئجار وانتظار الأيام الأفضل للشراء، أما العامل الرابع، فهو الإنتظار والترقب من الذين يفضلون الشراء للإستثمار بمجرد توفر الظروف بدلاً من الإستشمار وسط شكوك.

على هذا النحو، شهدت سوق الإيجارات في السنوات القليلة الماضية بعض الحماس مع زيادة في الإيجار، ولكن في الاَونة الأخيرة شهدت مبيعات السوق الرئيس بطئاً.

وعلى المنوال نفسه، فإن للإنعكاسات السلبية للأوضاع السياسية والأمنية، وللتباطؤ الإقتصادي الهش تأثير على أداء سوق التجزئة في لبنان.